الإسلام والتقدم العلمي والتقني !!
الإثنين, 31 يناير, 2022 - 10:24 مساءً

يعتقد الكثير من الناس في العصر الراهن، او على الاقل اولئك الذين تأثروا بالحضارة الغربية المعاصرة، بأن الاسلام يقف عائقا بين التطور الحداثي والتقدم العلمي والتقني والشعوب الإسلامية، باعتبار ان الإسلام فكر رجعي يجب حصره في علاقة فردية منفصلة عن الواقع السياسي والثقافي والحضاري، تحت عنوان فصل الدين عن الدولة .
 
هذا المعتقد نابع من حقيقة الجهل بالثقافة الإسلامية وعلاقة الاسلام بالكون وتركيبة هذا الدين المتوافقة مع الإنسان واحتياجاته الروحية والمادية، إذ أن الاسلام لا يتعارض مع العلم او التقدم بمختلف أشكاله النفعية، وعلى عكس ذلك فالاسلام يدعو إلى التدبر والصنعة والحرفة والعلم بشموليته وحداثته.
 
ذلك ما يتعارض بالضرورة مع الأقوال التي تتهم الإسلام وربما المسلمين بالتخلف، فيما الحقيقة المطلقة تبرئ الإسلام من هذه التهم الشكلية والجدلية، باعتبار أن هذا التخلف مرتبط بالمادة الحضارية والحضرية، والعقل السياسي والاقتصادي للمسلم وليس للاسلام، لان الاسلام لا يضع قيود أو معوقات أمام التقدم أو العلم
 
ويعتبر الاسلام من حيث المبدأ، متقدم على غيره من المعتقدات والفلسفات -علميا وثقافيا واخلاقيا- والشواهد على ذلك كثيرة ومتعددة، ذلك فضلا عن أن التقدم الحضاري الذي نشهده اليوم، ليس ذلك التقدم الثقافي والاخلاقي الذي يقدر كينونة الإنسان الروحية واحتياجاته المادية التي يحث عليها الإسلام.
 
بمعنى أن التقدم الثقافي بمعناه الأخلاقي والديني يتعارض مع التقدم الحضاري المادي الالحادي الذي تدعو إليه الطبقة العلمانية الحديثة (المادية) وتحث على تطبيقه بعيدا عن اخلاقيات الدين والفطرة السلمية، باعتبار أنه لا فرق بين الإنسان والحيوان إلا في الدرجة وليس في النوع، وأن الانسان نتيجة بيئته وعمله، وأن اليد انتجت الحركة، واللغة شكلت النقلة النوعية بين عالم الإنسان والحيوان .. وهو إنكار جذري للإنسان لا يقره الإسلام .
 
والاسلام لا ينظر الى الإنسان بأنه نتيجة للطبيعة، مفرغ من الروح والاخلاق الدينية، أو كما يصفه الماديون على أنه نتيجة لعملية كيميائية لا يد لقوة عليا فيها، وهو ناتج عن الأدوات والنظم الموجودة والملموسة، وهي صفة تفرغ الإنسان من مضمونه الروحي والأخلاقي والثقافي، وتتعارض مع العلاقة المتينة بين الضمير والعقل والوجود والطبيعة، والعلم والدين.
 
من ينظر إلى التقدم -العلمي والتقني- بشكل منفصل عن الشروط الأخلاقية الدينية، لا ينفصل عن الفكر الالحادي والعلماني الملحد، والذي يحاول في فلسفة متناقضة مع مبادئه بالدرجة الأولى ومع جوهر الإنسان(الكائن الروحي)، إذ لا يمكن ربط هذا التقدم بهذا المعنى بالدين أيا كان، لأن التقدم بهذا المعنى مرتبط بالثقافة الإنسانية الروحية وبالحضارة المادية، وإذا ما غابت إحدى هذه الشروط فحتمية التخلف (التقدمي العلمي التقني) لا تحتاج إلى دين أو رسالة سماوية، بل لإنسان واعي قادر على تطويع العلم والتقنية لتحقيق التقدم بغض النظر عن ايمانه الروحي وانتماءه الديني .
 
ولأن الإسلام يعترف بأن الإنسان يتكون من روح ومادة، لم يغفل احتياجات الإنسان في أي من الجانبين، فنرى الإسلام يحث على العلم وممارسة السياسة والاقتصاد، والزواج (وهي أشياء مادية)، فيما الاشياء الروحية والإنسانية جزء أصيل من تركيبة الاسلام، إذ أن الصلاة والوضوء والزكاة كينونات لا تقبل التجزئة في الاسلام، باعتبارهما شعور إنساني فطري تميز الاسلام عن غيره من المعتقدات .
 
ولأن الإسلام قد وجد قبل الإنسان -كما قرر القرآن بوضوح المبدأ الذي خلق الإنسان بمقتضاه- ، فإنه يوجد تطابق كبير بين الإنسان والاسلام، وبالتالي الإيمان بوجود إله وإنسان يعبد هذا الإله بالنحو الصحيح، بشكل تكاملي متوافق، أسمى درجات الرضى والتسامي البشري، وهو ما يمثله الاسلام، وإنكار أحد شقي هذه العلاقة أو بعضها يسبب خلل في تكاملية الحياة ووجود الإنسان عليها، وهو ما يذهب إليه الملحد بداعي البحث عن ذاته المادية التي لا يمكن لها أن تكتمل بدون الإيمان بالشق الروحي للإنسان ذاته .
 
وبالتالي، إن اعتبار أن الاسلام يتعارض مع العلم والتقدم العلمي والتقني، افتراء لا أساس له من صحة، وتشبه حضاري مشوه بالمادية الغربية أو الاشتراكية والعلمانية التي فرت بالأساس من طوبيا الروحية المسيحية المنفصلة عن احتياجات الإنسان المادية، فيما الاسلام يشتمل على الجانبين (الروح والمادة) وبالتالي احتياجات الإنسان العلمية والتقنية بشكل لا يتناقض مع المتطلبات الروحانية والعلاقة الوثيقة بين الخلق والخالق .
ملاحظة:
- قراءة في أول 90 صفحة من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب-علي عزت بيجوفيتش .. (الاسلام والعلم والتناقضات الأخلاقية بين الحضارة -المادية- والثقافة -الروحية- والمزج بينهما في الثقافة الإسلامية)
- ضمن برنامج اصبوحة 180
*من صفحة الكاتب على فيسبوك

التعليقات