القاهرة تبدو مدينة واحدة، لكنها في الحقيقة عالمان متوازيان، أحدهما حديث ومعزول، والآخر مزدحم لكنه نابض بالحياة
في أطرافها الحديثة حيث زايد وأكتوبر وغيرها من التجمعات السكانية الجديدة، تبدو الحياة منظمة ومرتبة، الشوارع واسعة والعمارات أنيقة والمولات تقوم مقام الشارع والسوق والمقهى. كل شيء هناك أنيق لكن باهظ، الأسعار مختلفة لا تعكس دائما قيمة الشيء بقدر ما تعكس طبيعة المكان. كوب من القهوة أو وجبة بسيطة يمكن أن تكلف ضعف ما تدفعه في قلب المدينة، دون فرق حقيقي في الطعم أو الخدمة.
أما في قلب القاهرة فهناك زحام لا يمكن الالتفاف عليه. الناس في كل مكان الحركة لا تهدأ والضجيج جزء من إيقاع المدينة. كل شيء مرهق لكنه حي. في الزحام ترى وجوها حقيقية، وفي الضوضاء تسمع ما يشبه صوتك الداخلي. الأسعار معقولة أقرب لواقع الناس ولليد.
وفي بعض التجمعات السكانية القديمة، حيث العمارات الشاهقة
مجرد النظر للعمارة التي تضم عشرات الشقق يثير الرعب، والمصاعد فيها ضيقة ومتهالكة، لمجرد ما تضغط زر الصعود يعلو فيها صوت دعاء السفر: تسمعه وأنت تصعد، وتشعر للحظة أنك لا تتجه للطابق العاشر، بل تنطلق في مهمة فضائية وكأن الصعود نفسه أصبح نوعا من الرحيل.
القاهرة مدينة مترامية، وكل خطوة فيها تحتاج لوقت، يمكنك أن تقضي يومك في مشوار واحد، أو أن تخرج صباحا لزيارة طبيب فتعود آخر النهار وأنت لم تنجز سوى القليل.. ليس هناك شيء محدد يرهقك، كل شيء يستهلكك بالتدريج.
لا أقول هذا لأشتكي ولا لأقارن فقط أكتب كما أشعر، وأنا اتنقل بين هذا الحر الشديد وزحمة المستشفيات، وضغط المواعيد، القاهرة هي قاهرة فعلا ليست سهلة، لكنها واقعية ولا تشعر فيها أنك غريب أبدا . هي أكبر من مجرد عاصمة إنها بلد كامل، يعيش داخلها بلد آخر بزمانين مختلفين وتفاصيل لا تنتهي
*من حائط الكاتب على فيسبوك