نشأ آشلي جون بابتيست تحت إشراف نظام رعاية الأطفال، وكان يعتقد أنه ولد وحيد لا إخوة له. ثم، فجأة، تلقى رسالة من شخص يخبره فيها أنه أخوه، الذي لم يعلم يوما بوجوده. فقرر استكشاف ما يعنيه الانفصال عن الأخوة بالنسبة للذين ينشأون في دور الرعاية أو في كنف عائلات بديلة.
كنت طفلا صغيرا يحبو، حين وُضعت تحت إشراف نظام الرعاية، ومع بلوغي الثامنة عشرة كنت قد تنقلت بين أربع عائلات بديلة ودار رعاية في جنوب شرقي لندن.
من الصعب حقا وصف ماذا يعني أن أنشأ في ذلك العدد من المنازل المختلفة. شعرت وكأنني وسط سحابة من الرفض. ليس لدي إحساس بالعائلة ولا بالانتماء. التقيت بأمي الحقيقية عندما كنت في العاشرة من عمري، لكنني لم أقابل والدي أبدا. وكنت أتساءل دائما لماذا لم تتبناني أي عائلة؟ وهل كانت ثمة إمكانية لذلك؟
أتاحت لي الإقامة في دار الرعاية برفقة أطفال آخرين أن أعرف لأول مرة طعم الأخوة، لكن لم يكن لدينا أي سيطرة على مسار علاقاتنا على المدى الطويل. فيوما ما سننتقل من الدار ونختفي من حياة بعضنا البعض.
تقدم السلطة المحلية للأطفال الذين يتم وضعهم تحت إشراف نظام الرعاية ما يشبه "قصة حياة"عبر جلسات خاصة، يخبر خلالها الأخصائي الاجتماعي الطفل بما يعرفه عن خلفيته وتاريخه الأسري. وكنت في السابعة من عمري عندما قيل لي إنني طفل وحيد.
لذلك كانت صدمة كبيرة بالنسبة لي حين تلقيت وأنا في منتصف العشرينات من عمري رسالة عبر فيسبوك من رجل يخبرني أنه أخي الأكبر. ما زلت أذكر الإحساس العميق بالارتباك الذي شعرت به عندما رأيت رسالته لأول مرة. واضطررت إلى إعادة قراءتها عدة مرات.
استغرق الأمر مني بعض الوقت للرد على الرسالة، ولكن عندما تحدثنا، تأكدنا من أنه لدينا نفس الأب ولكننا من والدتين مختلفتين، وأن هناك المزيد من الأخوة لنا. وكان الأكثر إثارة للدهشة والاستغراب هو أننا نعيش في نفس المنطقة. إذن طوال ذلك الوقت، كان أخي يعيش بالقرب مني!
رغم فضولي الشديد تجاه ما كشفته تلك المحادثات، لم نخطط أبدا للقاء شخصيا. وبقدر ما رحبت برسائل أخي الجديد الذي عثرت عليه أخيرا، لم أشعر أبدا بالاستعداد للقائه وجها لوجه. في النهاية، توقفنا قبل أربع سنوات عن المراسلة.
ولكن بعد ذلك، في ربيع عام 2020، كنت أصطحب طفلتي حديثة الولادة لإجراء فحص طبي في المستشفى، حين اصطدمت بأخي بطريق الصدفة. كنت خارجا من المستشفى، وكان هو في طريقه لزيارة قريب مريض. وفورا عرفته.
ناديته بخجل، ولحسن الحظ، هو أيضا تعرف عليّ.
انخرطنا في حديث طويل. وعلى الرغم من كونه أول لقاء لنا، فقد كانت هناك سهولة وسلاسة طبيعية في حديثنا. شعرت وكأننا كنا دائما نعرف بعضنا.
عرفته على طفلتي، التي التقت عمها لأول مرة. والتقطنا صورة معا في لحظة "عائلية" غير متوقعة.
ورغم أننا لم نلتق ثانية منذ ذلك الحين، إلا أن تلك اللحظة غيرت حياتي بشكل عميق.
جعلني اللقاء بأخي أفكر كيف كانت الأمور ستكون مختلفة لو أُتيحت لي الفرصة للتعرف على إخوتي عندما كنت أصغر سنا. الآن، أعلم أن لدي أربعة أخوة على الأقل، وكلهم أكبر مني.
في كل مرة كنت أنتقل فيها إلى منزل جديد كطفل تحت إشراف نظام الرعاية، كنت اضطر إلى الاندماج في عائلة جديدة ومجتمع مختلف، وتكوين صداقات جديدة. كان إحساسي بالهوية في طفولتي مقسم بين البيوت التي عشت فيها. ولم يكن لدي شخص ثابت على علاقة مستمرة معي خلال كافة تنقلاتي.
لقائي بأخي جعلني أتخيل شكل حياتي لو كنت على اتصال منتظم بإخوتي خلال كل التقلبات والمنعطفات. تخيل لو كان لدي شخص مثله لأتحدث إليه، شخص يراني أكبر، إن ذلك أشبه بشريان الحياة. حتى وإن كانت بضع لقاءات، لكنها كانت ستكون الأساس للعلاقة بيننا بعد أن نكبر.
تركت الدار ولم أعد تحت إشراف نظام الرعاية عندما أصبح عمري 18 عاما، وعشت بمفردي في شقة تابعة للمجلس البلدي قبل أن أبدأ دراستي الجامعية. وأدى استقلالي في المعيشة واضطراري للتعامل مع النفقات الضرورية، إلى إحساسي بالهجران والعزلة، ولم أكن مستعدا لذلك.
ورغم وجود أصدقاء رائعين خففوا من حدة الضغط العاطفي الذي شكله خروجي من نظام الرعاية، فإن علاقتي مع إخوتي في تلك المرحلة من الحياة ربما كانت منحتني إحساسا بالعائلة والانتماء. وربما أتيحت لي فرصة لقضاء عيد الميلاد مع العائلة، أو كان لدي مكان أعود إليه في العطل بين الفصول الدراسية في الجامعة.
في لقائنا عند مدخل المستشفى، بدا أن أخي يفهم كل ما قلته. وكان لديه فهم ضمني لتجربتي وأفكاري. كان هناك تواصل بيننا.
أستغرب حقا أن أيا من الأخصائيين الاجتماعيين الذين أشرفوا عليّ، لم يكن على علم بوجود أخوتي.
وعندما تحدثت إلى الأخصائية الاجتماعية التي كانت مشرفة عليّ ما بين سن 15 و18 عاما، روزالين باين، تفاجأت عندما علمت أن لديّ أخ. فلماذا لم تتضمن ملفاتي أي معلومات عن عائلتي؟ إنه أمر مهم جدا، كل شخص يريد أن يعرف من هو ومن هي عائلته.
أخبرتني روزالين أن جمع الملفات والمعلومات مرت بمراحل عديدة. "في الماضي كانت الملفات ورقية، والآن أصبحت إلكترونية". لكن ذلك لم يكن المشكلة الوحيدة، كما تقول. وتضيف "العائلات لا تخبرنا دائما بكل ما نريد معرفته، وهذا يحدث كثيرا، إذ يحجب أفراد الأسرة المعلومات".
ثم سألتها سؤالا لم أجرؤ على طرحه سابقا: هل كان هناك أي احتمال في أن يتبناني أحد؟
أخبرتني أنني بالفعل عُرضت للتبني عندما كنت صغيرا جدا، وقد اهتم بالأمر زوجان، لكن المرأة حملت، وانسحب الزوجان من العملية.
كان وقع ردها صعب جدا، وأدركت في تلك اللحظة أن حياتي كان يمكن أن تكون مختلفة تماما.
ولأنني أقوم بإعداد فيلم وثائقي عن موضوع الفصل بين الأخوة الذين ينشأون تحت إشراف نظام الرعاية، أردت الحصول على معلومات على مستوى بريطانيا بخصوص العلاقات بين الأخوة الموجودين في ظل نظام الرعاية، ولكن كان هناك نقص في البيانات.
وأرسلت بي بي سي أكثر من 200 طلب إلى المجالس البلدية البريطانية، ولم يستجب سوى نحو ثلاثة أرباع العدد. وبناء على المعلومات الواردة، فإن أكثر من نصف عدد الأخوة الموجودين تحت إشراف نظام الرعاية (45 في المئة) يتم فصلهم عن بعض، وهناك أكثر من 12000 طفل فصلوا عن أخ واحد أو أخت واحدة على الأقل.
وهو أمر يمكن أن يترك تأثيرا طويل الأمد على حياتهم.
كما التقيت ساسكيا، وهي شابة من مانشستر عمرها 24 عاما، ووضعت تحت إشراف نظام الرعاية هي وشقيقاها بعد أن تم سحبهم من أسرتهم الأصلية. وتم تبني الأطفال الثلاثة، لكن منزلهم الجديد لم يكن ملاذا آمنا.
وعانت ساسكيا وشقيقاها من الإيذاء الجسدي والإهمال لسنوات في منزل الأسرة المتبنية. وعندما ألغي هذا التبني، عادوا إلى رعاية المجلس البلدي، وسرعان ما تم توزيعهم على أماكن مختلفة، وفي مناطق مختلفة.
كان عمر ساسكيا حينها 11 عاما، وبعد بضع سنوات انقطع تواصلها مع أخويها تماما. وأخبرتني أن الابتعاد عنهما جعلها تشعر بأنها "لم تعد قوية كما كانت".
وتقول "فقدت جزءا أساسيا من نفسي". وتضيف "لقد كنا دائما ثلاثة ضد العالم الخارجي. أحيانا يكون الأخوة هم كل ما تبقى لك. وحين يأخذونهم بعيدا عنك، تجرد من آخر جزء مما يصنع هوية الشخص".
الآن، أتمت ساسكيا تدريبها كأخصائية اجتماعية، ما أعطاها منظورا جديدا. وهي ترى أنه كان يجب يسمح لهم بالبقاء معا.
شقيقها الأصغر توبي تعرض لكثير من المعاناة وقضى بعض الوقت في السجن. ورغم أنه لديه وظيفة الآن، إلا أنه أخبرني أن تجارب طفولته جعلته شخصا مستاء للغاية. "حتى لو سارت الحياة بشكل جيد، ما زلت أجد طريقة ما لأكون سلبيا تجاهها"، كما يقول.
وبعد أن غادروا نظام الرعاية، تمكن الأخوة من بناء علاقاتهم من جديد. وتقول ساسكيا "شقيقاي لا يزالان في حياتي. أنا محظوظة. أعتبر نفسي محظوظة جدا".
ووفقا للقانون في المملكة المتحدة، يجب أن يبقى الأخوة معا إذا كان ذلك ممكنا وآمنا. ولكن مع ارتفاع عدد الأطفال الموجودين تحت نظام الرعاية، لا توجد أسر بديلة كافية، خاصة وأن كل طفل الآن يحتاج إلى غرفة خاصة به. وكل هذا يعني أن المجالس تواجه تحديات كثيرة.
وتحدثت إلى مديرة الرعاية الاجتماعية للأطفال في بلدية مدينة ديربي، سوان ليم، التي أخبرتني أن الموارد الكافية لدعم الأطفال بشكل كامل غير متوفرة في دربي، رغم أن الحكومة قدمت تمويلا إضافيا للأسر الأكثر احتياجا أثناء الوباء.
وتقول سوان "هناك تخفيضات سنوية في الخدمات التي نقدمها، ومع ذلك فإن الطلب آخذ في الازدياد". وتضيف "السلطات المحلية تعاني كثيرا".
وخلال الإغلاق، كان مجلس مدينة ديربي رائدا في تشكيل فريق استجابة سريعة لدعم الأسر التي تعاني من مشاكل، والحيلولة دون دخول المزيد من الأطفال نظام الرعاية. وقد قال الفريق إنه خلال الأشهر
الـ 15 الماضية ساعد 60 عائلة لكي تحافظ على أفرادها معا، وحال دون انفصال 50 مجموعة من الأشقاء.
وفي اسكتلندا، تم تغيير القانون مؤخرا لمنح الأخوة مزيدا من القدرة في التحكم بعلاقاتهم.
وتستضيف مؤسسة The Star Initiative in Fife لقاءات لم شمل للأخوة الذين هم تحت إشراف نظام الرعاية وفصلوا عن بعض. وتتيح اللقاءات التي تنظم كل بضعة أشهر اللقاءات بين الأخوة لإعادة بناء الراوابط بينهم.
وتقول كارين موريسون، وهي من راعيي الأطفال، ومديرة المؤسسة الخيرية "نحن لا نصنع فرقا الآن فقط، وإنما أيضا بعد مغادرتهم لنظام الرعاية".
وتقول راشيل دي سوزا، مفوضة شؤون الأطفال في إنجلترا، لبي بي سي إنها تدعم قانونا جديدا يكفل بقاء الأخوة معا. وقد نشرت مؤخرا تقريرا جديدا يستند إلى آراء 6000 طفل تحت الرعاية.
وتجري حاليا مراجعة مستقلة لنظام رعاية الأظفال في إنجلترا، ومن المتوقع نشر النتائج والتوصيات في وقت لاحق من هذا العام.
بالنسبة لي، تمكنت من الإجابة على مزيد من الأسئلة التي كانت تدور في ذهني حول من أنا ومن أين أتيت. ورغم أنني لم أنشأ مع إخوتي، فلدي الآن الفرصة للتعرف عليهم. وربما الأهم من ذلك، أصبح بإمكاني الآن أن أخبر ابنتي بأن لديها عما.