[ بعد تجريم عنان.. السيسي يقبض على السلطة ]
يثير إعلان القوات المسلحة المصرية اعتقال سامي عنان تساؤلات عن الطريقة التي لجأ إليها الجيش لإبعاده عن منافسة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، الذي يرى مراقبون أنه بات ينافس نفسه في السباق نحو قصر الاتحادية.
وبحسب منسق حملة عنان في الخارج محمود رفعت، فإن قوات الأمن المصرية اعتقلت اليوم الثلاثاء سامي عنان رئيس الأركان الأسبق.
وكانت قيادة الجيش المصري أعلنت إحالة عنان للتحقيق، واعتبرت أن بيان ترشحه للرئاسة تضمن ما يمثل تحريضا صريحا ضد القوات المسلحة "بغرض إحداث الوقيعة بينها وبين الشعب".
واتهم البيان عنان -ووصفه بأنه يحمل رتبة فريق مستدعى- بارتكاب "مخالفات قانونية"، تتعلق بإعلانه الترشح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في مارس/آذار المقبل.
كما اتهمه بارتكاب "جريمة التزوير في المحررات الرسمية، وبما يفيد إنهاء خدمته في القوات المسلحة على غير الحقيقة؛ "الأمر الذي أدى إلى إدراجه في قاعدة بيانات الناخبين دون وجه حق".
السيسي العسكري
وأعاد صحفيون ونشطاء على منصات التواصل نشر صورة الرئيس السيسي وهو يرتدي البدلة العسكرية إبان إعلانه ترشحه للانتخابات التي جرت عام 2014، وتساءلوا عن قانونية ذلك الترشح لوزير الدفاع المصري في ذلك الوقت.
وكان عنان أعلن في العشرين من الشهر الجاري ترشحه رسميا لانتخابات الرئاسة المقررة في مارس/آذار المقبل، وذلك بعد نحو ساعتين من إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي ترشحه لولاية ثانية.
ويبدو أن دعوة عنان -في كلمة نشرها على صفحته بموقع فيسبوك- مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية للوقوف على الحياد في السباق الرئاسي لم تلق آذانا مصغية، حيث أطاحت به مؤسسة الجيش التي كان أحد أبرز قادتها خلال العقود الأخيرة، لا سيما في الفترة التي تلت سقوط نظام الرئيس محمد حسني مبارك.
غير أن أكثر ما أثار أسئلة المراقبين والمحللين كان السيناريو الذي لجأت إليه المؤسسة العسكرية المصرية لإبعاد عنان عن سباق الرئاسة.
فقد أكد عنان في بيانه الذي أعلن فيه ترشحه أنه ينتظر موافقة المجلس العسكري على ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
إعلان الحرب
واعتبرت مصادر مصرية أنه كان بإمكان المجلس الاكتفاء برفض طلب عنان، وهو ما سيجعل توجهه للترشح غير ممكن قانونيا.
وبرأي مراقبين، فإن المجلس العسكري اختار "إعلان الحرب" على عنان عبر بيان عسكري، وبصوت يبدأ بعبارة "بيان من القيادة العامة للقوات المسلحة"، وبصوت عسكري كالذي يستخدم في الإعلان عن الحروب والعمليات الكبرى.
وحسب رأي الكاتب الصحفي سليم عزوز، فإن الجيش المصري اختار هذه الطريقة للإعلان عن أن عبد الفتاح السيسي هو مرشحه الوحيد لرئاسة مصر في المرحلة المقبلة.
وقال للجزيرة إن المجلس العسكري أكد بهذا البيان تبني "الانقلاب العسكري" الذي يأتي بالسيسي رئيسا لمصر، ويغلق الباب أمام أي فرصة لانتخابات رئاسية حقيقية.
ويرى مراقبون أن السيسي، ومن ورائه المجلس العسكري، اختاروا هذا الشكل للتعامل مع عنان لتجريم أي محاولة لمنافسة السيسي، لا سيما أن عنان كان يحظى في رأي العديد من المراقبين بفرصة حقيقية لمنافسة السيسي.
مسار التجريم
واعتبر هؤلاء أن السيسي وقيادة الجيش اختاروا مسار التجريم لعنان لمنع تشكل معارضة حقيقية للسيسي من قبل عنان والتيار الذي يعتقد بأنه يؤيده ليس في الشارع فقط، بل في صفوف الجيش أيضا.
وفي تعليقاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، اعتبر محللون أن ما جرى مع عنان يمثل إعلانا بأن فرص التغيير السلمي في مصر باتت معدومة.
وقال المحلل السياسي السعودي جمال خاشقجي إن اعتقال سامي عنان إعلان "نهاية حلم التغيير السلمي من داخل النظام". وهي النتيجة التي ذهب إليها محللون ومعلقون مصريون كثر، لدرجة أن بعضهم اعتبر أن أيام السيسي الحالية "تشبه آخر أيام السادات".
عنان بعد شفيق
ويذكّر سيناريو عنان بما حدث مع المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، الذي أعلن انسحابه من سباق الترشح للانتخابات مطلع الشهر الجاري.
وكان شفيق أعلن الشهر الماضي إن الإمارات منعته من السفر أثناء محاولته المغادرة لفرنسا ضمن جهوده للقاء جاليات مصرية للتنسيق معها بشأن حملته للترشح للانتخابات الرئاسية.
لكن شفيق عاد لمصر بعد هذا الإعلان، حيث توارى عن الأنظار، وقالت مصادر مصرية عدة إن السلطات المصرية وضعته رهن الإقامة الجبرية في أحد فنادق القاهرة، وإن الإمارات منعت عودة بناته معه حتى يعلن انسحابه من سباق الرئاسة.
وتزامنت هذه التطورات مع التغيير الذي أجراه السيسي في قيادة المخابرات العامة المصرية، حيث قام بإعفاء اللواء خالد فوزي، وعين مكانه سكرتيره عباس كامل لتسيير شؤون الجهاز الذي تحدثت مصادر عدة عن أن السيسي يتهمه بدعم عنان.
ويبدو أن سباق رئاسة مصر بات محسوما في التجديد للسيسي، الذي يرى مراقبون أنه نفذ تهديده بمنع الاقتراب من كرسي الرئاسة، ويبدو أن المشهد المصري سيبقى مغلقا أمام احتمالات التغيير في السياسات الداخلية والخارجية في ظل المعطيات الحالية.