اكتتاب "أرامكو" قد يغير منطقة الشرق الأوسط.. هذه تأثيراته الهائلة على أسواق النفط والمال العالمية
- هافينغتون بوست الأحد, 15 مايو, 2016 - 08:08 مساءً
اكتتاب

طرح حصة من شركة أرامكو السعودية ليس مجرد اكتتاب ولكنه حدث مفصلي سيؤثر على البورصات العالمية، وهو اختبار لمستقبل صناعة النفط، والأهم إن نجح فسيكون قدوة لبقية دول الشرق الأوسط لتحديث مؤسساتها الاقتصادية وجعلها أكثر شفافية.
 
أرامكو، شركة النفط الأكبر على مستوى العالم، تجهز لطرح سنداتها في سوق الأوراق المالية. ومع قدوم عام 2017، سيكون بإمكان أي شخص في العالم شراء أسهم في هذه الشركة التي تمتلكها حالياً حكومة المملكة العربية السعودية بالكامل، إن سارت الأمور كما يُخطط لها.. وفقاً لتقرير لصحيفة "الإندبندنت" البريطانية.
 
 

5 أضعاف شركة آبل
 
في الحقيقة، فإن الأرقام المتعلقة بالشركة مهولة، إذ تضخ أرامكو 12% من إمدادات النفط بالعالم، وهي النسبة التي تبلغ 5 أضعاف ما تضخه "إكسون موبل"، أكبر شركات النفط غير المملوكة للدولة.
 
كما تسيطر أرامكو أيضاً على أكبر احتياطي نفطي في العالم، وهو ما سيؤدي إلى كونها الشركة الأعلى قيمة عالمياً، بحيث قد تبلغ قيمتها 5 أضعاف شركة "آبل"، كما يرى البعض.
 
وحتى في حالة الطرح المبدئي لـ5% فقط من قيمة الشركة، بحسب الخطة، فستكون هذه أكبر عمليات الخصخصة التي شهدها العالم حتى الآن.
 
قد لا تغير عملية بهذا الحجم العالم، لكنها بالتأكيد ستؤثر على الدولة ومنطقة الشرق الأوسط وصناعة الطاقة، فماذا قد تعني؟
 
هناك 3 روايات على الأقل، تتعلق الأولى بحاجة المملكة السعودية لتقليص الاعتماد على النفط، واستخدام ثروتها النفطية لتمويل مشروعات متنوعة، أما الثانية فتدور حول أثر هذه العملية على الاقتصاد العالمي، بينما تمتد الرواية الثالثة إلى ما وراء الاقتصاد، من تأثيرٍ على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
 
 
المرض الهولندي
 
المعضلة التي تواجهها السعودية هي أحد التحديات المألوفة التي تواجه الدول المعتمدة على صناعة واحدة. وسُمي هذا الوضع بـ"المرض الهولندي"، بسبب زيادة الأجور والنفقات المتعلقة بمجال الطاقة في هولندا بعد اكتشاف غاز بحر الشمال للمرة الأولى، ما أدى لفقدان باقي القطاعات الاقتصادية قدراتها التنافسية، لكن هولندا استطاعت التعامل مع ذلك التحدي بسبب قوة مجتمعها المدني، بالإضافة إلى عدم سيطرة صناعة الطاقة على اقتصادها بالشكل الذي حدث في روسيا أو السعودية.
 
لذا حاول محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، التغلب على هيمنة قطاع النفط عبر إعلانه رؤية 2030، التي تتضمن جمع الأموال عن طريق بيع جزء من أرامكو لتمويل الصناعات الأخرى، بالإضافة لتعزيز ما يطمح إلى أن يكون صندوق الثروة السيادية الأكبر على مستوى العالم. هكذا سيتم إعادة استثمار بعض الأموال في الدولة السعودية مرة أخرى، بينما يتم استثمار البعض الآخر في الخارج.
 
وبينما تثير هذه النية الإعجاب، خاصة مع تأكيد الهبوط الأخير لأسعار النفط على مدى خطورة الاعتماد على صناعة واحدة، يشير بعض النقاد إلى أن هذا المشروع تقوده الحكومة أي أنه يمتد من الأعلى للأسفل، وليس السوق الذي يدفع مثل المشروعات عادة من المستويات السفلى للعليا.
 
لكن في الوقت ذاته، من الصعب تخيل شيء آخر يمكن أن تقوم به الحكومة لتنويع الاقتصاد. وتقترح خطة الأمير سلمان صاحب الثلاثين عاماً وقائد الجيل القادم في الأسرة الحاكمة، زيادة الاستثمارات في قطاعات السياحة والصناعة والتعليم والرعاية الصحية.
 
كما تهدف الخطة المُقترحة إلى زيادة حصة القطاع الخاص لتبلغ 40% من اقتصاد الدولة. وإن حدث ذلك، فستصبح السعودية أكثر شبهاً بالدول ذات الاقتصاديات المتنوعة مثل عمان، وهو ما سيترك أثره على الشعب أيضاً.
 
بينما يتعلق الشق الثاني في هذه العملية بأثرها على الاقتصاد العالمي الذي ينقسم بدوره لجزأين: يتعلق الأول بعملية البيع نفسها، والثاني بتراكم وتعزيز صندوق الثروة السيادية.
 
 
هل ولّى زمن النفط؟
 
ستكون عملية البيع اختباراً لمدى رغبة المستثمرين في المشاركة بصناعة ناضجة كصناعة النفط السعودية. كما ستشكل اختباراً للجدل الدائر بالفعل حول السرعة التي يبتعد بها الاقتصاد العالمي عن الوقود الأحفوري. مع الوضع في الاعتبار أن النفط والغاز أقل عرضة للتهديد مقارنة بالفحم، باعتبارهما أكثر نظافة.
 
لذا فسنرى لأي مدى سيضع المستثمرون أموالهم في هذه الصناعة، مع وضع المخاطر السياسية في الاعتبار، إضافة للمخاطر البيئية.
 
أما بالنسبة لصندوق الثروة السيادية فهو موجود بالفعل، وقد استطاع المساهمون في الصناديق السيادية التأثير على الأسواق العالمية.
 
تستطيع الصناديق السيادية تبنّي رؤى طويلة المدى، بعكس معظم الكيانات الاستثمارية، كما يمكنها أيضاً الالتزام بمعايير أخلاقية، ففي النرويج على سبيل المثال قامت الدولة ببيع ممتلكاتها في صناعة الفحم لأسباب بيئية. وتمتلك المملكة العربية السعودية بالفعل قوة كبيرة كمستثمر، وهي القوة المرشحة للازياد إن سارت الخطة كما يجب.

كيف سيتأثر الشرق الأوسط؟


 
أما فيما يتعلق بأثر عملية الخصخصة على منطقة الشرق الأوسط، فسيظهر ذلك في تحول الاقتصاد السعودي لاقتصاد أكثر تنوعاً، و"طبيعية" مما سيؤثر بالتبعية على جيرانه. وبشكل عملي فمن المتوقع أن تتجه بعض الحكومات المالكة لشركات النفط لبيع قسط من حصص هذه الشركات، في حال أثبت الطريق الذي سلكته السعودية لجمع الأموال فاعليته ونجاحه.
 
لكن هذا سيعني أيضاً مزيداً من دقة الفحص لأنشطتها، إذ عليك الالتزام بالمعايير القانونية ومعايير المحاسبة الدولية إن أردت بيع أسهمك لمستثمرين أجانب. ما سيجري لأرامكو سيغدو قوة لتحديث المنطقة، هل هذا إيجابي؟ على الأغلب، نعم.
 
هناك أمر آخر في هذه القصة، فعملية الخصخصة الأكبر عالمياً ستعد تتويجاً لأكبر تصدير فكري بريطاني على مدى الـ50 عاماً الماضية، إذ يتم تقليد الفكرة الكبرى التي طورتها بريطانيا. كانت عملية بيع إحدى الحصص الكبرى لشركة النفط البريطاني (British Petroleum ) قد جرت في 1976 على يد المستشار العمالي دينيس هايلي. كانت الشركة الأنجلو فارسية للنفط هي المالكة السابقة لشركة بريتش بيتروليم، وكان مقرها إيران، أما على الضفة الأخرى من الخليج فتواجد ملاك أرامكو السابقين وهم أحد فروع مجموعة النفط القياسية التي أصبحت شركة إكسون موبل الأميركية حالياً.
 
وبالتالي إذا كانت إحدى ضفتي الخليج شهدت أولى العمليات الكبرى لخصخصة شركات النفط، فإن الضفة الأخرى قد تشهد أكبرهن.
 
 


التعليقات