الاحتفال بروائي حمى نوتردام وتنبأ بحريقها الكبير.. إعادة فتح سرداب كاتدرائية باريس الشهيرة
- الجزيرة نت الثلاثاء, 15 سبتمبر, 2020 - 01:37 صباحاً
الاحتفال بروائي حمى نوتردام وتنبأ بحريقها الكبير.. إعادة فتح سرداب كاتدرائية باريس الشهيرة

[ رسم لكاتدرائية نوتردام الباريسية بالقرن 18 (الجزيرة) ]

بعد قرابة 18 شهرًا من تعرض الكاتدرائية للنيران، أعيد فتح سرداب نوتردام في باريس وأقيم فيه معرض للتاريخ المضطرب للكاتدرائية مكرما الأديب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو (1802-1885) ومواطنه المعماري يوجين فيوليت لو دوك (1814-1879) لدورهما في إحياء الكاتدرائية في القرن 19.

 

وكتب هوغو رواية "أحدب نوتردام" التي ارتبطت أحداثها بالكاتدرائية، وكان بناؤها في الرواية يعاني آثار الزمن، وقبل قرابة قرنين من الزمان وصف هوغو في الرواية حريقاً اندلع في الكاتدرائية يشبه ما جرى فيها فعلاً العام الماضي، وفي المقابل كان للمعماري لو دوك دور كبير في ترميم الكاتدرائية الفترة بين 1845 و1870، واشتهر بمذهبه الفني المعني بالترميم ضمن البيئة المتاحة للمباني التاريخية.

 

وعقد المعرض في سرداب الكاتدرائية الذي يحتوي على بقايا التحصينات والحمامات الحرارية القديمة، وقد أعيد افتتاحه بعد الحريق المدمر في 15 أبريل/نيسان 2019.

 

ورغم أن السرداب (القبو) لم يتضرر التهمت النيران السقف وأجزاء داخلية من نوتردام وأطاحت ببرجها الشهير، وعانى السرداب من تداعيات شديدة لغبار الرصاص السام بعد الحريق، وكان لا بد من تطهير الموقع بأكمله قبل السماح بعودة الزوار.

 

ومثلت نوتردام ذروة فن العمارة القوطية منذ العصور الوسطى. وحتى مع تراجع الدين في فرنسا العقود الأخيرة، ظلت القلب النابض للكنيسة الكاثوليكية الفرنسية التي تفتح يوميا لإقامة القداس كما تعد معلما وطنيا ذا قيمة تاريخية تفوق برج إيفل الشهير.

 

الأديب الذي حمى الكاتدرائية

 

كانت رواية هوغو "أحدب نوتردام" -التي نُشرت عام 1831- مفيدة في كسب التأييد العام لترميم المبنى العريق الذي ترك في حالة من الإهمال والانحلال.

 

وقال فينسينت جيل، أمين متحف فيكتور هوغو في باريس "يبدأ المعرض بكيفية ظهور الكاتدرائية وقت نشر الرواية”".

 

وأضاف "لقد كان مبنىً خطيرًا بشكل مخيف ولا يشبه الكاتدرائية المشعة والمشرقة" مشيرًا إلى العديد من رسومات هوغو كدليل.

 

يتكون المعرض في الغالب من الصور الفوتوغرافية والرسومات واللوحات ومقتطفات الأفلام التي توضح سحر العالم بالكاتدرائية، من البدايات إلى أفلام الرسوم المتحركة الطويلة اليوم.

 

وكانت نوتردام قد تعرضت لأضرار بالغة جراء التخريب أوائل القرن 19، وكانت سلطات المدينة اللامبالية تخطط لهدمها عندما دعا هوغو إلى "الحرب ضد المدمرين" في كتيب نُشر عام 1825.

 

وكتب "ربما لا توجد مدينة واحدة في فرنسا اليوم لا تفكر في تدمير بعض المعالم الوطنية أو البدء فيها أو استكمالها”.

 

وبعد نشر "أحدب نوتردام" يظهر المعرض تأرجح الجمهور الفرنسي وراء فكرة أن نوتردام تستحق الادخار، وقدم دعمًا حاسمًا لعمل المعماري لو دوك في الكاتدرائية بين عامي 1844 و1864، والذي وضع الأسس لـ "حالة النصب الوطني" التي تتمتع بها اليوم.

 

أراد هوغو الحفاظ على الآثار التاريخية لفرنسا، وكان ضد الحركة التي دعت -آنذاك- إلى التخلص من المباني الكلاسيكية واختيار معمار أكثر حداثة.

 

معرض السرداب

 

ويروي المعرض قصة عودة الكاتدرائية من هجرها الطويل إلى النصب التذكاري الشهير الذي هو عليه اليوم، استنادًا إلى مجموعة من الصور القديمة.

 

ويرافق العرض رسومات ولوحات ومقتطفات من الأفلام التي تخلد ذكرى لو دوك الذي قاد ترميم الكاتدرائية، بما في ذلك إعادة تصميم وإعادة بناء برجها الذي يعود إلى القرون الوسطى بين عامي 1844 و1864.

 

ويرى المنظمون أن المعرض هو الخطوة الأولى نحو العودة إلى الحياة الطبيعية لمتحف القبو، والذي كان يستقبل قبل الحريق حوالي 170 ألف زائر سنويًا.

 

وقالت أمينة المتحف آن دي موندينارد لوكالة الصحافة الفرنسية "المشروع بدأ بعد الحريق بوقت قصير، وكان الدافع وراءه الرغبة في تكريم الكاتدرائية".

 

وواجه العمل في إعادة إعمار نوتردام بعد حريق العام الماضي تأخيرات بسبب سوء الأحوال الجوية والمخاوف بشأن التلوث بالرصاص، ومؤخراً جائحة فيروس كورونا.

 

أوائل يونيو/حزيران الماضي، بدأ العمال المهمة الدقيقة المتمثلة في إزالة أطنان من السقالات المعدنية التي صهرت معًا في الحريق، وكانت أعمال التجديد جارية عندما اندلع الحريق.

 

وأدى الحريق إلى انهيار البرج الرئيسي للكاتدرائية التي شيدت بين القرنين 12 و14، والبالغ ارتفاعه 93 مترا.

 

تاريخ مضطرب

 

كانت آخر مرة عانت فيها الكاتدرائية من أضرار جسيمة خلال الثورة الفرنسية، عندما تم الهجوم على تماثيل القديسين من قبل مناهضين لرجال الدين، ونجا المبنى من انتفاضة الكومونة عام 1871 ولم يتهدم خلال الاحتلال النازي، وبقي كذلك خلال الحربين العالميتين سالما إلى حد كبير.

 

وفي وقت كانت الكنيسة الكاثوليكية غارقة في الجدل المحتدم حول إساءة معاملة الأطفال، طالت النيران الكاتدرائية الكاثوليكية الثانية بعد الفاتيكان، وتزامن ذلك مع الأسبوع الأكثر قداسة لدى المسيحيين الغربيين.

 

واعتبرت "سيدة باريس" لعدة قرون درة العمارة الباريسية، وأصبحت مقصدا سياحيا ودينيا على حد سواء للملايين من السياح والمصلين الذين يتدفقون عبر أبوابها كل عام من جميع أنحاء العالم.

 

وشب حريق العام الماضي في الكاتدرائية العريقة، ووصل بسرعة إلى سطحها ودمر نوافذ الزجاج الملون والخشب الداخلي، قبل إسقاط البرج التاريخي ذي التصميم المبتكر بالدعامات الطائرة والنوافذ الوردية الهائلة والملونة والزخارف النحتية التي تميزها عن الطراز الروماني القديم، وأتاحت الهندسة المعمارية القوطية للمباني أن تكون أخف وزنا وأن ترتفع لحدود عالية.

 

أصبحت الكاتدرائية العريقة جزءا لا يتجزأ من الثقافة والتقاليد الفرنسية منذ بدأ العمل بها بمباركة البابا ألكساندر الثالث عام 1163 لتصبح الهيكل الشاهق الذي يهيمن على أفق باريس، واستغرق الأمر ما لا يقل عن قرن من الزمان لاستكماله، وجرى إضافة لمسات جديدة باستمرار في الـ 500 عام التالية لبنائها.

 

وشهدت نوتردام بخلاف فعاليتها الدينية العديد من الأحداث الكبرى، ففي عام 1558 تزوجت ماري ملكة الأسكتلنديين من زوجها الفرنسي فرانسيس الثاني داخل أسوارها. وعام 1572، تزوج هنري الرابع ملك فرنسا أيضا بها.

 

وعودة لعام 1548، في ذروة الإصلاح الديني، تسببت أعمال الشغب التي قام بها البروتستانت في تدمير بعض التماثيل التي اعتبروها وثنية.

 

وخلال أحداث الثورة الفرنسية عانت كذلك كثيرا، ونُهب العديد من كنوزها وقطعت رؤوس 28 تمثالا، على خلفية الاعتقاد أنهم ملوك فرنسيون وليسوا شخصيات توراتية، لكن العجيب أنها نجت في كل هذه الأحداث من أي حريق مدمر.

 

وبحلول عصر نابليون كانت نوتردام في خطر الهدم التام، لكن حفل تتويج الإمبراطور تم في رحابها عام 1804 في حفل ترأسه البابا بيوس السابع مما أعاد الاعتبار إليها.

 

وعادت الكاتدرائية لواجهة فرنسا مسرحا لأحداث رواية هوغو "أحدب نوتردام"، وساعد وصف الكاتب في روايته الرومانسية، إلى جانب ملاحظاته حول الأضرار التي لحقت بها، في القيام بجولة جديدة من الترميم للمبنى من قبل الملك لويس فيليب في القرن 19.

 

وإضافة لتاريخها الطويل، فثمة دلالة رمزية ودينية لموقعها، إذ تقع في المكان ذاته الذي شهد بناء أول كنيسة مسيحية في باريس وذلك على أنقاض معبد روماني قديم، ويقول مؤرخون إن أول كنيسة في الموقع بناها الملك شيلدبرت الأول عام 528، وأخذت الطابع القوطي الفرنسي في البناء التالي لها.


التعليقات