وجود للشيطان.. كيف تصنع فيلما شاعريا عن الإعدام؟
- الجزيرة نت الأحد, 03 يناير, 2021 - 01:38 مساءً
وجود للشيطان.. كيف تصنع فيلما شاعريا عن الإعدام؟

[ نجح المخرج روسولوف في فضح المعاناة التي يعيشها البشر العاديون بسبب سطوة السلطة (مواقع التواصل الاجتماعي) ]

وصفه الممثل جيرمي أيرونز بأنه فيلم "أظهر كيف تنسج شبكة نظام خيوطها بين الناس العاديين، وتجرّهم نحو اللاإنسانية".

 

جاء ذلك قبل إعلان فوز الفيلم الإيراني "لا وجود للشيطان" (There Is No Evil)، للمخرج الإيراني محمد روسولوف، بجائزة الدب الذهبي لمهرجان برلين السينمائي لعام 2020، وهو الفيلم الذي عرض أيضا ضمن القسم غير الرسمي لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي الـ42.

 

ويدين روسولوف في تجربته السينمائية الأنظمة التي تجرد الأشخاص من إنسانيتهم بتورطيهم في تنفيذ قرارات الإعدام، ليطرح سؤالا مهما طوال الفيلم: هل يمكن رفض ما تفرضه علينا السلطة أو أنها المسؤولة عن مصائرنا؟

 

ورطة أخلاقية

 

4 قصص منفصلة متصلة لـ4 أشخاص مختلفين، اختيروا من أجل تنفيذ عقوبة الإعدام بحق محكومين بها، تتمحور حولهم فكرة الفيلم الذي يدور أيضا في قالب فلسفي يبحث عن أصل الشر، هل هو فعل إنساني بأبعاد سياسية واجتماعية، أو أنه فعل الشيطان فقط؟

 

يتورط أبطال الحكايات الأربع أخلاقيا بطريقة أو بأخرى في الإكراه على الإعدام لكن لكل منهم اختياراته، فنعيش في غمار 4 لوحات فنية صنعت بمهارة سينمائية شديدة سواء على مستوى الحبكة والسيناريو والتصوير والإخراج، أو على مستوى تداعيات التجربة بين من دفن رأسه في الرمال وقرر أن يستجيب لما تفرضه السلطة قهرا، أو من قاومها ولم يأبه لما تمليه عليه، وكيف أثر ذلك في حياتهم وحياة من حولهم أيضا، فاختلفت القصص الأربع في الأحداث لكنها اتفقت في المضمون.

 

هل يمكن لرجل عادي أن يقتل؟

 

في أول نصف ساعة من الفيلم تبدو الأحداث عادية، ففي القصة الأولى نعيش الحياة اليومية للبطل "حشمت" مع زوجته "راضية"، وابنتهما "زهرة"، ووالدته المسنّة التي يرعاها هو وزوجته.

 

عائلة بسيطة تقليدية، كل شيء يسير طبييعا، موظف يحصل على حصته من الأرز، ويتناول المعجنات مع ابنته، وينفق راتبه على التسوق، وينقذ قطة عالقة، ويساعد زوجته على صبغ شعرها. كل تلك المقدمات تحمل في طياتها قسوة الشر.

 

فالبطل الذي يذهب إلى عمله فجرا بعد يوم ممتلئ بالتفاصيل، مهمّته الضغط على لوحة الأزرار لتنفيذ حكم الإعدام، ويؤدي مهمات وظيفته من دون أن يمتلك أي مشاعر. ويمعن روسولوف في سرد التفاصيل حين يجعل البطل يقوم بتحضير وجبة إفطاره ويتناول قهوته وهو يضغط على زر الإعدام.

 

مقاومة

 

نجح روسولوف في تقديم شخصيات من خلفيات مختلفة، ففي الحكاية الثانية "قالت تستطيع أن تفعل ذلك"، يعرض تجربة الجندي الذي يؤدي خدمته العسكرية الإلزامية التي من دونها لا يمكنه عيش حياة طبيعية وكريمة، مثل امتلاك هوية سفر، ورخصة قيادة، فكل ذلك مرهون بالانتهاء من الخدمة العسكرية وتنفيذ الأوامر، ولكن البطل يقع في مأزق حين يطلب منه تنفيذ حكم إعدام بحق أحد الأشخاص.

 

هنا توثّق كاميرا المخرج الإيراني لحظات من التردد والخوف الشديد والمقاومة، ساعات من الرعب يعيشها البطل الذي عليه أن يقوم بالمهمة في وقت بسيط، لكنه يقرر أن يقاوم حتى لو كلفه الأمر حياته، وينجح في الفرار بفضل مساعدة حبيبته لينتهي المشهد وهما يغنيان معا أغنية فلكلورية تقول "الرئيس يقف مع عصاه.. ونحن ظهورنا محنية.. كل ساعة هنا نفقد شبابنا"، وكأن روسولوف أراد للإنسانية ألا تنهزم أمام الشر.

 

الثمن

 

كل حكاية تبدو منفصلة بذاتها، لكن روسولوف ربطها بنسيج واحد، ففي القصة الثالثة والرابعة نكتشف تداعيات القرار، سواء من قرر التحرر من سطوة السلطة وجبروتها أو من اختار السير مع التيار ليتجنب الخسائر في حياته.

 

فجواد بطل القصة الثالثة "عيد ميلاد" الشاب المجند يذهب من أجل خطبة حبيبته نانا، لنعيش في لوحة فنية شديدة الشاعرية والعذوبة، اختار روسولوف أن يكون الريف -أو المكان- هو بطلها الرئيس عن طريق الصورة، لكن البطل اختار أن يقتل الناشط السياسي كيفان لينهي خدمته العسكرية ويعود إلى حبيبته قبل أن يكتشف تعرضه للخداع وأن السلطة ورطته في قتل من أسموهم "أعداء الوطن" فتحول إلى قاتل، ليظهر له أنه قتل الأب الروحي لحبيبته نانا التي احتفل بخطبتها ليلة احتفالها بميلادها، والتي تقرر الابتعاد عنه فيخسر حلم حياته.

 

وفي الحكاية الرابعة التي تبدو امتدادا للقصة الثانية، نتابع مصير الشاب الذي اختار المقاومة وقرر الهرب من أداء الخدمة العكسرية ليعيش مع حبيبته، فمع أنه طبيب بشري لكنه نشأ على تربية النحل، في صحراء نائية بعيدة عن السلطة والبشر أيضا.

 

وحين أوشك على الموت قرر أن يخبر ابنته أنه والدها الحقيقي بعد أن عاشت سنوات تتوهم أن خالها هو والدها، لكنها ترفض أن تسامحه وتتركه في منتصف الطريق يواجه الموت، وحين يخبرها أنه اختار القرار الأنسب له إنسانيا بألا يقتل بريئا، اتهمته بأنه بدلا من ذلك اختار أن يدمر أسرته.

 

سيناريو محكم لقضية شائكة

 

نجح المخرج محمد روسولوف في تقديم سيناريو محكم، ابتعد فيه عن الحشو فعرض فكرته بطريقة شديدة البساطة، أما التصوير فاعتمد فيه على اللقطات القريبة لنقل مشاعر البشر المتناقضة والمختلفة، واللقطات الطويلة ركّز فيها على المشاهد الجمالية للمكان الذي أبرز خلاله حالة الأبطال سواء في المدينة بزحامها الشديد كما في القصة الأولى، أو الزنزانة التي ينفّذ فيها الإعدام في الثانية، أو الريف في الثالثة، أو الصحراء اليابسة في الحكاية الأخيرة.

 

ولا يمكن إغفال عنصر الموسيقى المميز والاستعانة بأغنية "قبليني"، وهي أغنية معارضة شهيرة صدرت في عهد شاه إيران، ووفّق المخرج أيضا في إدارة الممثلين ليظهروا بأفضل أداء ممكن.

 

 

نجح روسولوف في فضح المعاناة التي يعيشها البشر العاديون بسبب سطوة وقهر السلطة وطرق تحكمها في مصائرهم.

 

الجدير بالذكر أن المخرج محمد روسولوف لم يتمكن من مغادرة إيران لتسلّم جائزته من مهرجان برلين، وتسلمتها نيابة عنه ابنته باران إحدى بطلات الفيلم.


التعليقات