ثوابت التاريخ.. كيف يمكننا فهم ثورة 11 فبراير؟
- عبدالسلام قائد الإثنين, 12 فبراير, 2018 - 05:33 مساءً
ثوابت التاريخ.. كيف يمكننا فهم ثورة 11 فبراير؟

[ جاءت ثورة فبراير بعد 33 عاما من رئاسة صالح لليمن ]

يعجز كثير من المراقبين والمحللين السياسيين عن فهم ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، بسبب تعدد مسارات الأحداث وتشعب الأزمات المختلفة في البلاد، وهو الأمر الذي يجعل بعض المرجفين وأعداء الثورة الذين اندلعت ضدهم يحملونها المسؤولية عن الحال الذي وصلت إليه البلاد، مع أنه عند التأمل في ثوابت التاريخ وحقائق علم الاجتماع بخصوص الثورات ومساراتها، تتضح الرؤية تمامًا، والتي يمكن معها فهم الثورة وأسباب اندلاعها وأسباب تعثرها وأسباب نجاحها في نهاية المطاف.

وإذا استثنينا حالة التشظي والانقسام، كحالة خاصة باليمن قد يظن البعض أنه بسببها يصعب مقارنة ثورة 11 فبراير ببقية الثورات في العالم، لكن حالة التشظي والانقسام هذه تمثل حالة عرضية، وهي حالة صحية لأنها تزيد من فرص نجاح الثورة، كونها تعرقل الثورة المضادة أكثر مما تعرقل الثورة الشعبية، وحلها المجمع عليه يتمثل في مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وأهمها اعتماد نظام الأقاليم الفيدرالية.

ثورات متشابهة

رصد العديد من المؤرخين وعلماء الاجتماع مختلف المراحل التي مرت بها مختلف الثورات في العالم قديمًا وحديثًا، وتوصلوا إلى نتيجة واحدة مفادها أن جميع الثورات متشابهة، بدءًا من الظروف التي تهيأت لها وأسباب اندلاعها، ومرورًا بمراحلها المختلفة من تعثر وخلافات بين الثوار، وربما نجاح الثورة المضادة وعودة النظام القديم، وانتهاءً بنجاح الثورة والأسباب التي تساعدها على النجاح في اللحظات الأخيرة.

لقد اندلعت جميع الثورات في العالم ضد أنظمة مختلفة، ملكية أو جمهورية أو غيرها، لكن القاسم المشترك بينها أنها أنظمة فاسدة ومستبدة، تنهب ثروات الشعوب، ولا تقدم لها خدمات تذكر، وتمارس ضدها التجويع والإفقار والتجهيل والاستبداد، وعدم السماح لها بالشكوى والأنين إلا في نطاق محدود وفي حالات نادرة. ومع تراكم حالة السخط الشعبي من جهة، وتراكم فساد واستبداد النظام الحاكم من جهة أخرى، تصل الأوضاع إلى مرحلة الثورة والصدام، فينهار النظام الحاكم أمام السخط الشعبي، حتى وإن حاول التماسك واللجوء إلى العنف في محاولته لقمع الثورة.

الثورة والدولة العميقة

بعد ذلك، يتمكن الثوار من الوصول إلى السلطة، فيصطدمون بأمرين: الأول، الدولة العميقة للنظام السابق، التي تقود الثورة المضادة وتوجهها، وتضع العراقيل أمام الحكومة الجديدة بغية إفشالها، وتتعمد نشر الفوضى الأمنية والتخريب للخدمات العامة، كتفجير أنابيب نقل النفط والغاز وأبراج الكهرباء في الحالة اليمنية، وتنشر الشائعات المغرضة بين المواطنين عبر أجهزتها المخابراتية، وتحمل الحكومة الجديدة مسؤولية الفشل، وغير ذلك من وسائل الدعاية السوداء. والأمر الثاني، الخلافات التي تظهر بين الثوار، ويزيد من وتيرتها النظام القديم من خلال النفخ فيها وبث الشائعات المدروسة والمؤثرة.

وبعد أن تتمكن الثورة المضادة والدولة العميقة من وضع العراقيل أمام الحكومة الجديدة التي جاءت بها الثورة، وبعد أن تزداد حدة الخلافات بين الثوار، تأتي المرحلة الأخطر، وتتمثل في إقدام أجهزة المخابرات للدولة العميقة على بث الحنين في أوساط المواطنين للنظام السابق، والتضخيم من فشل الثوار والخلافات التي نشبت بينهم، وتهيئة الفرصة لعودة النظام القديم بدون أن يثير ذلك سخطًا شعبيًا، سواء من خلال انقلاب عسكري صريح، أو انقلاب عسكري تحت غطاء ثورة جديدة.

ومن أمثلة ذلك، انقلاب العسكر في مصر على الرئيس محمد مرسي، وهو أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر أتت به الثورة، بعد الترتيب لمظاهرات مدعومة من الدولة العميقة أو النظام السابق، وتسميتها ثورة. وكذلك الأمر في اليمن، حيث غلف علي صالح وحلفاؤه الحوثيون انقلابهم على السلطة الشرعية بما أسموه "ثورة 21 سبتمبر".

نجاح الثورة

وفي كل الأحوال، سواء نجح النظام القديم في العودة للسلطة، أو فشل في العودة واستمرت الحكومة الجديدة تمارس مهامها، فإن الجميع يفشلون في تحقيق مطالب الجماهير، فالحكومة الجديدة تعاني من عراقيل الدولة العميقة. وإذا عاد النظام القديم فإنه لا يستطيع تقديم أي شيء للمواطنين، ولا حتى إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الثورة، بسبب اهتزازه وفقدان ثقته بنفسه.

ومع استمرار الفشل في تلبية مطالب المواطنين في كلتا الحالتين، يبدأ المواطنون المخدوعون بعودة النظام القديم أو إدانة الثورة في مراجعة مواقفهم، ويبدأ الثوار في تجاوز خلافاتهم وترتيب صفوفهم من جديد، وتتهيأ الظروف المناسبة للجولة الثانية من الثورة، والتي تختلف مدتها الزمنية من بلد إلى آخر، فقد تنجح سريعًا، وقد تجعل النظام السابق يشعل حربًا أهلية تدوم عدة سنوات، حتى يتحقق الانتصار النهائي على النظام القديم، ويبدأ العمل على تحقيق الأهداف التي اندلعت من أجلها الثورة.


التعليقات