ما هي انعكاسات معركة الحديدة على مجمل الأزمة اليمنية؟
- عبد السلام قائد الاربعاء, 04 يوليو, 2018 - 05:03 مساءً
ما هي انعكاسات معركة الحديدة على مجمل الأزمة اليمنية؟

[ لمعركة الحديدة تأثيرات مختلفة على جوانب الصراع ]

تعد معركة الحديدة تحولا كبيرا في مسار الأزمة اليمنية والحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاثة أعوام ونصف تقريبا، وذلك لما سيترتب عليها من تأثير على مختلف جوانب الصراع ومواقف الفاعلين المحليين والأجانب في الشأن اليمني، بالإضافة إلى تأثيرها المحتمل على التحالفات الجانبية على هامش الصراع، وكذا تغير الخطط العسكرية والمناورات الدبلوماسية.
 
ورغم ذلك، إلا أن هناك مواقف لدى البعض صارت وكأنها من ثوابت الصراع، كونها غير قابلة للتبدل، وتزداد كل يوم صلابة، مثل الموقف الإماراتي من السلطة اليمنية الشرعية، وتعمد تهميشها حتى في القرارات والمواقف السيادية، وأيضا تعمدها تهميش السعودية، التي تعد القائد الفعلي للتحالف العربي في اليمن، والفاعل الأكبر في الملف اليمني منذ نشأة الدولة السعودية الثالثة، وقبل أن تظهر دولة الإمارات ذاتها إلى الوجود.
 
- تأثيرات محتملة
 
هناك الكثير من التأثيرات المحتملة لمعركة الحديدة على مختلف الجوانب المتعلقة بالأزمة اليمنية، التي تاهت منذ اندلاع عملية "عاصفة الحزم" العسكرية في دهاليز الثورات المضادة لثورات الربيع العربي والتحالفات العابرة للدول، وظهور فئات غير ديمقراطية وغير وطنية أقامت شبكة من العلاقات الزبائنية والنفعية مع فاعلين أجانب في الأزمة اليمنية، لديهم أجندة ومصالح تتناقض مع مصلحة الوطن وتطلعات أبنائه.
 
ومن أبرز التأثيرات المحتملة لمعركة الحديدة، أنها ستجعل السلطة الشرعية والتحالف العربي يعيدان تقييم علاقتهما وخططهما العسكرية ومناوراتهما الدبلوماسية، بعد أن ظهرت تكتيكات جديدة لجماعة الحوثيين في الحرب داخل المدن، من خلال إقامة حواجز إسمنتية وحفر خنادق ونشر القناصة والمسلحين في أسطح المباني، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، وهو ما سيعيق قوات السلطة والشرعية والتحالف العربي عن إحراز تقدم ميداني سريع، سواء في الحديدة أو غيرها، ما لم يتم تغيير الخطط العسكرية وأساليب القتال داخل المدن وحرب الشوارع، للتقليل من الإصابات المحتملة في صفوف المدنيين وتعريض حياتهم للخطر، وتحقيق انتصارات نوعية ضد مليشيات الحوثيين.
 
ومن التأثيرات المحتملة لمعركة الحديدة أيضا، أنها ستسهم في تليين المواقف الدولية التي ظلت تشكل عائقا أمام السلطة اليمنية الشرعية والتحالف العربي للحيلولة دون تحرير الكثير من المدن اليمنية، بذريعة المخاوف من المآسي الإنسانية والحرص على حياة المدنيين، فمعركة الحديدة أظهرت أن الضغوط الدولية تفقد فاعليتها عندما تصطدم بالأمر الواقع.
 
كما أن مبررات معركة الحديدة، المتمثلة في حفظ وسلامة طريق التجارة الدولية المار عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، والحد من تهريب الصواريخ البالستية لمليشيات الحوثيين، والتي تشكل تهديدا فعليا لأمن السعودية، كل ذلك من شأنه تليين المواقف الدولية والتخفيف من الضغوط التي تحول دون استكمال تحرير المحافظات اليمنية التي تسيطر عليها مليشيات الحوثيين.
 
والأهم من كل ذلك، أن معركة الحديدة ستجعل طرفي الحرب يكثفان من استعدادهما لجولات الحرب المقبلة، ذلك أن شراسة المواجهات في الحديدة، والاستماتة التي أبدتها مليشيات الحوثيين في المعارك هناك، نظرا للأهمية الإستراتيجية للمدينة، كل ذلك من شأنه جعل طرفي الحرب يستعدان جيدا للمعارك المقبلة، فكلفة الانتصار بالنسبة للسلطة الشرعية والتحالف العربي ستكون باهظة، وكلفة الهزيمة المشرفة لمليشيات الحوثيين ستكون باهظة أيضا.
 
- دلالات جديدة
 
وهناك دلالات جديدة كشفت عنها معركة الحديدة، من أهمها، أن دولة الإمارات التي تبنت المعركة وأعلنت عنها، ثم أعلنت عن توقفها مؤقتا بذريعة إتاحة الفرصة لمساعي المبعوث الأممي مارتن غريفيث لحل الأزمة اليمنية، كل ذلك يعني أن دولة الإمارات لم تعد تتعمد تهميش السلطة اليمنية الشرعية فقط، ولكن تتعمد أيضا تهميش حليفتها السعودية، التي تعد القائد الفعلي للتحالف العربي في اليمن، وتعد الفاعل الإقليمي الوحيد الممسك بمختلف خيوط الأزمة اليمنية.
 
والمتأمل في مسار الأزمة اليمنية وتطوراتها العسكرية الميدانية، سيجد أن دولة الإمارات أصبحت هي القائد الفعلي للتحالف العربي في اليمن، وأصبحت هي الفاعل الأكبر في الأزمة اليمنية، وأنها تعمل على تحييد السعودية وتقليل تأثيرها في الشأن اليمني بشكل تدريجي، لدرجة أن الدور السعودي في اليمن اقتصر على الانكفاء حول مواجهاتها العسكرية الحدودية مع الحوثيين، والتصدي لصواريخهم البالستية التي يطلقونها باتجاه أراضيها، بالإضافة إلى شن غارات محدودة على مواقع مفترضة لمليشيات الحوثيين، وبعضها تخطئ أهدافها وتصيب المدنيين.
 
أما دولة الإمارات، فقد حشرت نفسها في مختلف تفاصيل الشأن اليمني، فهي لم تكتفِ بالسيطرة العسكرية على الأرض، وتشكيل قوات عسكرية ومليشيات مسلحة موالية لها، وإنما أصبحت تتدخل حتى في التعيينات والوظائف الرسمية، وتتدخل حتى في تعيين قيادات أقسام الشرطة والأمن، وتتصرف كدولة احتلال في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات مسلحة ومناطقية موالية لها.
 
ولا أغرب من تصرفات دولة الإمارات في اليمن سوى سكوت السعودية عنها، وذلك يعني أحد أمرين، إما أن السعودية سلمت الملف اليمني لحليفتها الإمارات لتقرر مصير ومستقبل البلاد، لتتفرغ السعودية لملفات أخرى في المنطقة أكبر من حجم دولة الإمارات، أو أن السعودية والإمارات متفقتان حول دور كل منهما في اليمن، ليمضي مسار الأزمة في اتجاهات مختلفة، وذلك حتى تتعدد الخيارات لرسم مستقبل اليمن، ليسهل اختيار الأنسب منها وفقا للظروف والتغيرات المحلية والإقليمية التي ستطرأ حينها، واختيار الحل أو المصير المناسب، من وجهة نظر حكام السعودية والإمارات.
 
وإذا استبعدنا هذين الخيارين، فالمحتمل هو أن تصرفات دولة الإمارات، التي تتعمد تهميش السلطة اليمنية الشرعية وتهميش السعودية أيضا، ربما تتسبب هذه التصرفات في نشوب خلافات حادة بين السعودية والإمارات، قد تصل إلى مرحلة أن توعز السعودية للسلطة اليمنية الشرعية بطرد دولة الإمارات من التحالف العربي والاستغناء عنها، ولكن بعد أن زرعت الإمارات عدة مخالب لها، خاصة في جنوب اليمن، ستشكل أزمات إضافية إلى الأزمة الحالية التي تعاني منها البلاد.


التعليقات