السعودية تعزز حضورها في السواحل اليمنية بدعم أمريكي وخفوت للدور الإماراتي
- عامر الدميني السبت, 01 ديسمبر, 2018 - 03:58 مساءً
السعودية تعزز حضورها في السواحل اليمنية بدعم أمريكي وخفوت للدور الإماراتي

[ السفير السعودي مع السفير الأمريكي في حضرموت ]

تصدرت محافظة حضرموت (شرقي اليمن) الاهتمام خلال اليومين الماضيين بعد زيارة سفيري كل من السعودية وأمريكا للمحافظة، وسط اهتمام سعودي ملفت خلال الفترة الأخيرة بالمحافظة والمحافظات المجاورة لها، بالتزامن مع خفوت الحضور الإماراتي الذي كان الأسبق في الهيمنة على المحافظة عقب تحرير عاصمتها (المكلا) من تنظيم القاعدة بعملية مثيرة للجدل في أبريل/نيسان من العام 2016م.
 
ظلت حضرموت منذ تحريرها محط اهتمام واسع من قبل الجانب السعودي والإماراتي اللذين عززا حضورهما هناك تحت يافطات متعددة، وتعاقب على المحافظة منذ العام 2015م ثلاثة محافظين، أولهم عادل باحميد الذي اندلعت العمليات العسكرية للتحالف أثناء توليه للمحافظة، وجرت إقالته وتعيينه سفيرا لليمن لدى ماليزيا، ثم تعيين أحمد بن بريك خلفا له، وأقيل لاحقا بعد تأييده للمجلس الانتقالي الذي أعلنه عيدروس الزبيدي في عدن، ثم جرى تعيين المحافظ الحالي فرج سالمين البحسني.
 
طوال هذه الفترة شهدت حضرموت العديد من المتغيرات، وكان أغلبها انعكاسا لأجندة ونشاط كلٍّ من الجانب السعودي والإماراتي اللذين يتفقان في جوانب ويختلفان في أخرى.
 
عززت الإمارات حضورها من خلال السيطرة على المواقع الحيوية في المحافظة كالموانئ والمطارات، وأنشأت قوات عسكرية تدين لها بالولاء بعيدا عن الجيش اليمني، والمعروفة باسم "النخبة الحضرمية" التي تعد امتدادا لذات القوات التي أنشأتها في مدن جنوبية أخرى كعدن والضالع وشبوة.
 


خلال العامين الماضيين ظل الملف الأمني هو محور الاهتمام في حضرموت، خاصة مع تواجد تنظيم القاعدة في بعض مناطقها، وأطلقت الإمارات عدة عمليات عسكرية لمحاربته، لكنها لم تستطع القضاء عليه، وكانت تلك العمليات بمثابة التوظيف الأمني للبقاء هناك، كما وصفتها مؤسسة جيمس تاون الأمريكية في أحد تقاريرها سابقا.
 
التواجد السعودي
 
منذ مطلع العام الجاري سعت المملكة العربية السعودية لتعزيز وتكثيف حضورها في محافظة حضرموت، بالتزامن مع نفس تحركاتها في المحافظات المجاورة كسيئون والمهرة والجوف ومأرب، عبر ما يسمى ببرنامج إعادة إعمار اليمن، الذي يترأسه السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر.
 
تواجدت السعودية في حضرموت منذ تحريرها، وامتد ذلك الحضور إلى مدينة سيئون التي يقع فيها المطار الدولي الوحيد الرابط باليمن خارجيا، إضافة لاحتضانها للمنطقة العسكرية الأولى في الجيش اليمني، ونفذت هناك العديد من الأنشطة المدنية والعسكرية بالتعاون مع الجهات اليمنية ذات العلاقة.
 
وفي أغسطس من العام الجاري بدأت التحركات السعودية تتوسع بشكل أكبر، متخذة من المؤسسات الحكومية الرسمية واجهة لتحركاتها، إضافة لبرنامج إعادة الإعمار، ووصل رئيس هيئة الأركان السابق اللواء الركن طاهر العقيلي حضرموت في الـ23 من أغسطس/آب الماضي بتسهييلات من الجانب السعودي، والتقى برفقة مسؤولين عسكريين سعوديين قائد المنطقة العسكرية الأولى في سيئون حيث شهد حفلا عسكريا، ثم توجه نحو حضرموت للمرة الأولى وقابل محافظها اللواء الركن فرج سالمين البحسني والذي يقود أيضا المنطقة العسكرية الثانية التي تتخذ من المكلا مقرا لها.
 
عملت الرياض في حضرموت على العودة التدريجية لتصبح في الصدارة من خلال المشاريع المتكررة التي تعلن عنها من وقت لآخر، وتقوم بتنفيذها هناك، خاصة قطاع الكهرباء الذي دشنت فيه مشروعا لإعادة تشغيل الكهرباء في المكلا، وهو المشروع الذي تم الترويج له بشكل كبير، ورُفعت في شوارع المدينة لافتات إعلانية تشكر السعودية على تلك الأعمال، لكن تلك اللافتات تعرضت لاحقا للتمزيق من قبل أطراف محلية مدعومة من قوات النخبة الحضرمية متهمة حزب التجمع اليمني للإصلاح برفعها لتعزيز حضوره هناك، وبسبب هذه الحادثة جرى تأجيل افتتاح مشاريع أخرى نتيجة تذمر الجانب السعودي، وفق مصادر خاصة صرحت لمراسل "الموقع بوست".


 
حضور أمريكي
 
خلال الأيام الماضية نشرت العديد من وسائل الإعلام الدولية تقارير صحفية عن القاعدة في اليمن، ومنها محافظة حضرموت التي تطرقت تلك التقارير لها معتبرة أن حضورها لا زال يكفي لتشكل تهديدا دوليا، خصوصا للولايات المتحدة الأمريكية.
 
السفير الأمريكي ماثيو تولر زار حضرموت للمرة الأولى في الـ29 من نوفمبر المنصرم بصحبة السفير السعودي لليمن لتسليم مهام خفر السواحل للقوات اليمنية كما ذكر إعلام محافظة حضرموت.
 
وشهد السفيران بحضور نائب رئيس الوزراء المعين مؤخرا سالم الخنبشي، ورئيس مصلحة خفر السواحل اليمنية اللواء الركن خالد القملي، وممثل القوات البحرية في القوات المشتركة لتحالف دعم الشرعية في اليمن اللواء صالح الغامدي حفل التسليم.
 
وجاء هذا الحفل بعد دعوة السعودية لمحافظ حضرموت لزيارة الرياض في السادس والعشرين من نوفمبر الماضي، وعاد منها برفقة السفيرين ومسؤولين آخرين.
 
وفي الحفل أعلن عن تسلم الجانب اليمني 37 زورقا مجهزة بالأسلحة وأجهزة الاتصالات والرادارات المطورة، لحراسة سواحل محافظة حضرموت الممتدة على طول 350 كم والتي يوجد فيها سبعة موانئ رئيسية إضافة إلى عشرات المرافئ الصغيرة، وفق حديث اللواء الغامدي.
 
الغامدي قال إن القوات البحرية المشتركة التابعة للتحالف العربي في اليمن دربت خلال الفترة الماضية وأهلت 500 من منتسبي قوات مصلحة خفر السواحل من أبناء محافظة حضرموت، وإن المرحلة القادمة ستشهد تدريب المزيد، مؤكدا أن الممتدربين تلقوا دورات تدريبية في عمليات صعود وتفتيش السفن المشتبه بها، ومكافحة جرائم القرصنة البحرية من قبل التحالف العربي، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبار أن قوات خفر السواحل اليمنية عضو مشارك في تحالف القوات البحرية الدولية المشتركة.
 
أما المحافظ البحسني فقال إن تلك الزوارق البحرية والمعدات التي تسلمتها قوات خفر السواحل ستساعد في مكافحة الإرهاب وستحد من التهريب عبر سواحل المحافظة الطويلة، فيما اعتبر رئيس مصلحة خفر السواحل اليمنية اللواء الركن خالد القملي تنفيذ المهام لخفر السواحل في محافظة حضرموت ستتم بالتنسيق والتعاون المشترك مع قيادة السلطة المحلية.
 
وكشف أن قطاع خفر السواحل في البحر العربي يضم أربع محافظات هي حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى، ويقع مركز قيادة القطاع في مدينة المكلا، مشيرًا إلى أنه تم الاتفاق مع تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة السعودية والإمارات على أن ينشأ القطاع على مراحل متتالية حيث دشنت المرحلة الأولى في أغسطس الماضي بمحافظة المهرة وتلتها محافظة حضرموت حتى استكمال كامل المشروع.
 
حضور السفير الأمريكي شمل أيضا لقاء منفصلا مع محافظ حضرموت، وتركز حول عملية مكافحة الإرهاب، وقال البحسني خلال اللقاء إن حضرموت باتت رقما صعبا بعد دحر القاعدة بفضل ما وصفه جهود أبناء حضرموت ودعم التحالف السعودي الإماراتي، فيما أشاد السفير الأمريكي بجهود مكافحة الإرهاب، معلنا تأكيد بلده لتلك النجاحات التي تحققت في القضاء على الإرهاب، وفق ما نشره إعلام محافظة حضرموت.
 


تقاطع الأجندة
 
خلال العام الماضي ظلت قوات النخبة الحضرمية تحظى بالدعم  من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، ووصل الأمر بالناشطين المحسوبين على أبوظبي بالمطالبة بضم قوات وألوية المنطقة العسكرية الثانية التي يقودها محافظ حضرموت للنخبة الحضرمية، لكن مؤخرا بدأت هذه القوات بالتلاشي التدريجي تزامنا مع الحضور السعودي الأخير.
 
ومن الواضح في مجمل كل تلك الأنشطة والفعاليات التي ينفذها الجانب السعودي في حضرموت غياب الجانب الإماراتي، وعدم حضور ممثل للإمارات في الحفل الذي حضره السفير الأمريكي، والذي أعقبه لاحقا إعلان السفير السعودي تقديم بلده منحة وقود مخصصة لتشغيل محطات الكهرباء في حضرموت.
 
وتتسق عملية دعم قوات خفر السواحل في حضرموت مع عمليات مماثلة نفذتها السعودية في مدن أخرى، كمدينة عدن التي قدم الجانب السعودي لها العديد من أوجه الدعم العسكري بما في ذلك التدريب والتأهيل بإشراف من الجانب الأمريكي، وفق تصريحات سابقة للواء صالح الغامدي (سعودي الجنسية) ممثل القوات البحرية في القوات المشتركة للتحالف العربي، وكذلك الدعم الذي قدمته السعودية لقوات خفر السواحل في المهرة.
 
ومع تواجد السعودية في المحافظات الساحلية الأربع (عدن، حضرموت، المهرة، سقطرى) تكون السعودية قد عززت حضورها في السواحل اليمنية من بوابة مكافحة الإرهاب على حساب حليفتها (الإمارات) التي أحكمت سيطرتها سابقا على تلك الموانئ، باستثناء محافظة شبوة التي تتواجد فيها الإمارات بصورة كبيرة، وجرى مؤخرا تعيين محافظ لها يدين بالولاء للجانب السعودي، وهو ما قد يشكل مدخلا للسعودية في تعزيز حضورها في شبوة.
 
هذه الترتيبات لا تزال في صورتها الأولى، وتعتمد بشكل كبير على السلطة المحلية في حضرموت التي يمثلها المحافظ البحسني، المقرب من سلطات أبوظبي، وبنفس الوقت تعتمد على القوات المسلحة التي يرأسها أيضا المحافظ من خلال ترؤسه للمنطقة العسكرية الأولى.
 
ومع سعي الرياض لتعزيز حضورها بشكل أكبر في حضرموت، فمن المتوقع أن تسعى السعودية لإقالة البحسني، وتعيين محافظ جديد للمحافظة، الأمر الذي يجعل الشريط الساحلي كاملا بيد السعودية، ويزيح حليفها التقليدي (الإمارات) من التواجد هناك.
 
وتبقى سواحل مدينة عدن التي تتولى الإمارات السيطرة عليها حاليا، وتحكم قبضتها عليها بشكل كبير، رغم التواجد العسكري السعودي المتواجد هناك، ومع تعيين محافظ جديد لمحافظة عدن من خارج دائرة المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا سيتبين إن كان ما يجري محاولة سعودية للسيطرة على الموانئ والسواحل على حساب الإمارات، أم أن كلا الدولتين تتبادلان الأدوار فيما بينهما، خاصة أن الإمارات استدعت مؤخرا قيادات في المجلس الانتقالي إلى الرياض، فيما يشبه محاولات الاحتواء.


التعليقات