مدير الثقافة بتعز في حوار مع "الموقع بوست": الجهل عدو المحافظة الأول
- حاوره: معاذ الحيدري الإثنين, 29 أبريل, 2019 - 07:45 مساءً
مدير الثقافة بتعز في حوار مع

[ مدير مكتب الثقافة في تعز عبد الخالق سيف ]

 تخوض تعز العديد من الجبهات، من جبهة الدفاع عن الأرض ومواجهة الانقلاب، إلى جبهة تثبيت الأمن والاستقرار، إلى الجبهة الثقافية الواسعة، وهذه الجبهة تتصدر المشهد الثقافي على مستوى اليمن.

 

في هذا الحوار مع مدير الثقافة في تعز، عبد الخالق سيف، يناقش "الموقع بوست" العديد من الجوانب المتعلقة بتعز ثقافيا، ونذهب معه نحو الحديث عن المحاولات التي تجري، والنجاحات التي تتم، وأيضا عن الصعوبات والتحديات والعراقيل التي تواجه جيل تعز الثقافي.

 

 نص الحوار

 

* كيف يمكن للثقافة أن تنتصر لتعز، ما دام صوت المدفع هو سيد الموقف؟

 

** عندما نقول إن الثقافة تنتصر لتعز، وإن صوت المثقف يسكت صوت المدفع بالتأكيد أن الأمر يحمل معنى مجازيا؛ المثقف عندما يتحدث تكون الرسالة ثقافية بحتة، ويحتشد الناس. أكانت مسرحا أو إنشادا أكانت شعرا أو معرضا. في كل فعالية تشرق في تعز من جديد. هي بالتأكيد إخراس لصوت الحرب ولصوت الانقلاب، هنا كل الحاضرين لا يستمعون إلا للثقافة وللفن والإبداع وللروح، ولذلك تسقط من وجدانهم ومن أسماعهم أصوات الموت والرصاص والمدافع وهذا هو المعنى الذي نستطيع أن نقول من خلاله إن تعز تنتصر للثقافة على صوت المدفع.

 

* ما هو مصير العمل الثقافي في تعز؟ ما الذي عملتم على إعادته لتعز ولمثقفيها؟

 

**مصير العمل الثقافي في تعز أعتقد أنه معبر عن نفسه، إنه مصير كتب له الاستمرار والإشراق تقديم واستعادة روح وألق الفعل الثقافي في تعز، هو ما جعل الثقافة في مجملها تنزف بسبب الحرب والحصار، لكن أقدامنا قوية وخطواتنا التي قمنا بها كانت منذ البدء نقلة معاناة ومأساة تعز عبر كل الفعاليات واستقدام كل المبدعين والنجوم الذين جعلتهم الحرب إما ينصهرون في صمت وخوف ويبتعدون عن إقامة أي فعل أو نشاط ثقافي إبداعي من أجل تعز وإما خوفا أو فاقة، وكل المصائب تناوشت كوكبة المثقفين في تعز، وكانت المهمة الأولى أن أتحرك لأعيد الحياة والأمل في مثل كوكبة من هؤلاء النجوم الذين بهم أشرقت كل فعالياتنا، وهم رأس المال الغائب بسبب الحرب والحصار، واستعدناه عبر مراحل.. تعز عاد لها كثير من نجومها من مبدعيها إخراجا، إنشادا، مسرحا، شعرا، إبداعا، موروثا، وهذا هو النجاح الحقيقي بالتأكيد بهم استطعنا أن نعزز من جبهة الثقافة التي تقف مع الشرعية ضد الانقلاب، حولنا فعالياتنا وكل أنشطتنا الثقافية إلى ما يشبه الرسائل التي نطلقها للعالم وللمعنيين في الإنصاف والعدالة لنخبرهم عن تعز الحقيقية على إنها مدينة أجبرت أن تحمل البندقية لكنها لم تتخلّ عن ثقافتها وأحلامها ولم تتخلّ عن إبداعها وفنونها ولا عن زيها وقاتلت بشرف وكانت تنتقل من الجبهة لتحضر معلما ومرسما فنيا وحفلا، وأعتقد أن هذا هو النجاح الحقيقي، أعتقد أن الحرب لم تترك لنا بنية تحتية نستطيع من خلالها أن نعمل عملا مؤسسيا كبيرا.

 

ولذا انطلقنا من المسرح إلى الشارع (شارع جمال) حيث قدمنا فيه باكورة صمودنا، واعتزازنا بالفن الثقافي، وأهميته، واحتشد الناس فيه من كل حدب وصوب، ليخبروا العالم إنهم ما زالوا مؤمنين بالثقافة، وإن الثقافة هي المعبر الحقيقي عن آمالهم وآلامهم، واستطعنا أن نعيد للمسرح رونقه عبر كوكبة من المبدعين في مرحلة تقييم واكتشاف من المواهب الجديدة، إذ لا يمكن أن تكتفي تعز وحصلنا على أسماء جديدة وأصبحوا نجوما ويقدمون فعاليات ناجحة وهذا هو النجاح بعينه.

 

* كيف جاءت فكرة إعادة تدشين معرض الكتاب؟ وما الذي ستسهم فيه هذه العودة؟

 

**جاءت فكرة معرض تعز للكتاب 2019 أو المعرض الأول في ظل الحرب والحصار هي فكرة راودتنا منذ تولينا هذا المنصب، وهي فكرة لها عنفوان ولها تأثير كبير على كل الشغوفين بالقراءة والكتاب، خصوصا في ظل الحرب والسيطرة الإلكترونية على كل التفاصيل الثقافية وعلى الكتاب. ما إن شارقت الفكرة اجتهدت كثيرا كي أعطيها حقها، تواصلنا مع شريكنا في هذا المعرض، وعملنا عملية استقراء وبحث في كثير من مكاتب تعز وخارج تعز ووجدنا ركودا ولا جديد بسبب الحرب، وكل العناوين القديمة بسبب غبار الحرب عملنا في ظل قلة الإمكانات، لا يوجد دعم لا من الجهات المعنية ولا من وزارة الثقافة والجهود كلها ذاتية، كان يصرف على المعارض السابقة 40 مليونا، ونحن لم نحصل على مليون واحد، لكن إرادتنا وتمسكنا بإقامة المعرض تذللت كل الصعوبات ونجحت الفكرة وتعز تستحق، وبالمناسبة لن يكون هذا المعرض الأول بل سيكون هناك معرض آخر سيقام في تعز هذا العام.

 

* يفترض أن تكون الثقافة في تعز قد أوقفت الصراعات الحزبية في المدينة، ولكن لا شيء من هذا القبيل؟

 

** النجاح الثقافي يعتمد على الفعل المستمر، الثقافة لا تمتلك عصا سحرية حتى توقف المناكفات والصراعات، الثقافة فعل مستمر.. أنت يجب أن تقرأ تأثير الثقافة على المدى البعيد الإستراتيجي من لا يفتح عقله من يؤمن برأيه وأن رأيه هو الملاذ الآمن الذي من خلاله كل الخطوات المجنونة يذهب إلى مناكفات يغرق تعز بالفوضى، مثل هؤلاء بالتأكد أن الثقافة سيكون لها تأثير مؤقت ومحدود.. نحن نقيم في الشهر فعالية أو فعاليتين، ونحتاج الإمكانات الكبيرة لنستطيع أن نقيم نشاطا كبيرا ومستمرا نحتاج إلى إمكانات كبيرة، لا يمكن أن تستهين أو نقول إننا نمتلك عصا سحرية لكننا نمتلك الأكمل ونشعر بخيبات كثيرة ونشعر أننا يجب أن نتوقف ولا يجب أن نستمر في ظل هذا التجاهل وهذا الإهمال لأهمية الفعل الثقافي. فعلا نحن نعول على أن الثقافة تستطيع أن تخلق تغييرا على مستوى الوعي على مستوى الأفكار وتستطيع أن تغير سلبيات كثيرة على مستوى المجتمع ولكنها تحتاج إلى دعم مستمر لفترة كبيرة حتى تصنع التأثير الإيجابي البناء والهادف.

 

 * من هم أعداء الثقافة في تعز؟ وكيف يتم مواجهتهم؟

 

**عدو تعز الأول هو الجهل الذي يحاصرها، والجهل هو الذي يشعر أنه متحدث باسم الله وباسم الدين بحيث إنه يشيطن كل الأنشطة والفعاليات الثقافية ويراها تناقض مشروعه رغم أنها لا تصطدم به هي بالتأكيد تعزز من قيم الحياة وأخلاقيات كثيرة ولا تقدم لا إسفافا ولا خروجا عن المألوف، وبالتأكيد هؤلاء هم أعداء الثقافة وأعداء الحياة في تعز وأعداء الوطن بشكل عام.

 

* قلتم إن السينما عادت لتعز بعد 20 عاما من التوقف ولكن أين هي هذه العودة لم نرها بعد؟ 

 

** عندما قلنا إن السينما عادت إلى تعز ربما هو فهم مغلوط عند كثير من المتلقيين فهموه أن صناعة السينما ستعود المبنى سيعود الأفلام ستتوالى.. نحن قلنا إن فيلم عشرة أيام قبل الزفة هو يعني عرضه في تعز.. عودة السينما بهذا الفيلم من الإرهاصات الكثيرة التي تواجهها الثقافة العالمية هو ركود السينما وانحصارها في كوكبين يتمثل في هوليود وبوليود فقط، وحولهما تدور الكثير من الإنتاجات الضعيفة جدا الشغوفة بهذا الإنتاج وتسويقه. فعلا في ظل السلم لن تكون هناك صناعة سينما حقيقة لا في تعز ولا في اليمن كله؛ فكيف في ظل الحرب؟! نحن بشرنا بعودة هذا الفيلم وأنه يشكل ضوءا جميلا لتعز وقصته الجميلة والرائعة التي تمثل أيضا شغف تلامس شغف قلوبنا، تتحدث عن الحب في زمن الحرب عن المعاناة التي عاناها أهلنا وأشقاؤنا وإخوتنا في الجنوب، وهي نفس السيناريو الذي يتكرر في تعز وفي مناطق الشرعية التي ما زالت تجلد بفعل الانقلابيين. هذا ما كنا نقصده.. أعتقد أن الفيلم سيعرض كما هو مخطط له في مناسبة عيد الفطر في تعز.

 

* ما مصير الشباب الذين فازوا في عدد من الفعاليات الثقافية والمسابقات المحلية والخارجية؟

 

** بالتأكيد أن من فازوا في العديد من الفعاليات الثقافية وفي المسابقات المحلية والخارجية يعني هناك من قامت وزارة الثقافة ببعض التكريمات، نحن قدمنا الكثير من الفائزين ومعظمهم من تعز قدمناهم وكانت الإشراقة الأولى من هنا من تعز كرمنا بعضهم بالتأكيد أن التكريم حافز كبير جدا أيا كان؛ معنويا أو ماديا، والسؤال ما الذي يجب أن يتخذه المبدع بعد فوزه إما أن يستكين ويشعر أنه وصل إلى نهاية طموحه أو أن هذه إلا بداية والمبدع الحقيقي يشعر أن كل نجاح يعتبر لديه بداية وليس نهاية وبالتأكيد الشخص الذي يؤمن بذلك سيظل حاضرا ومؤثرا وسيظل يحصد التكريم والنجاح.

 

* تعز بدون صحف وبدون حركة ثقافية، ما هو دوركم بهذا الشأن؟

 

** الآمال كبيرة ونتمنى أن تعود الصحف والمجلات لكن في سبيل إعادة الأمر يحتاج إلى تكاتف جهات معنية كثيرة، من وزارة الإعلام، سلطات محلية، رئاسة وزراء، وزارة الثقافة، رجال أعمال مؤمنون بأهمية الحياة بعودة الصحف والمجلات. وكما أسلفنا أن القراءة الإلكترونية أصبحت هي الملاذ الذي يستحوذ عليه كثير من عقول وعشاق القراءة والمتابعة، وأنا ما زلت أؤمن أن الصحف والملاحق الثقافية يجب أن تعود بشكل يلبي الطموح، ولكل ذلك يحتاج إلى إمكانات كثيرة من السهولة أن أصدر مجلة لكن هل سيستمر إذا لم يكن لها نفقات استمرار؟ وأنا أعتقد أن الحرب لن تترك لنا المجال لنمضي.

 

*المثقفون في وضع مؤسف وعلى كافة المستويات، ورواد العمل الثقافي يقولون إن الصعوبات تتكالب عليهم يوماً بعد يوم؟ ماذا يفعله الكتاب وتفعله الثقافة في حال لم يكن الخبز غير متوفر؟

 

** بالتأكيد أن الخبز هو المطلب الحقيقي والأساسي ربما في وضع السلام فما بالك في وضع الحرب. أن تنجو وتستمر متمسكا بالحياة، في ظل كل أدوات الموت المحيطة بك، فهذا بالتأكيد إنجاز خرافي، لكن دائما ما تتناوش الإنسان صراعات متعددة، وهو فعلا يشعر بنهم الجوع لكن نهم العقل لا بد أن يشبع هذا النهم، لا بد أن يعود للكتاب والقراءة وكثير من الجائعين نجحوا ورسموا إبداعا رائعا في العالم ولا علاقة لذلك بتلك.

 

 الثقافة تنجح والكتاب ينجح في ظل أوضاع مزرية لأننا نشعر أن الثقافة والكتاب هو الأمل، وطوق النجاة، هو السلم الذي نصعد به إلى سماوات الروح، والتجرد من أي أيديولوجيا أو فكر منغلق تفاصيل وجدانية كثيرة تشرق في هذا الإطار ولذلك مهما كانت المعاناة لن يتخلى الإنسان عن ثقافته وعن الكتاب.

 

* ما مصير المؤسسات الثقافية المغلقة والمراكز الثقافية الأخرى؟ ماذا عملتم بشأنها؟ 

 

 ** المؤسسات الثقافية المغلقة كمؤسسة السعيد، حتى المركز الثقافي في تعز، من الصعب أن تتحدث عن عودة الحياة لهم في ظل تمكن الانقلابيين والمليشيات من استهداف تعز واستهداف أماكنها واستهداف تعز عموما. لا يمكن لهذه المؤسسات الثقافية أن تحاول استعادة نشاطها بذلك الزخم والقوة في ظل حالة عدم الأمان، وحالة جنون القذائف التي ما زالت تعبر سماء تعز كل يوم. لتنهش مبانيها وأرواحها، لا يمكن لهذه المؤسسات في ظل هذا الوضع. لا بد من أن تتوقف الحرب، لتعاود هذه المؤسسات نشاطها. وبالتأكيد أن المركز الثقافي لا يمكن لأحد يخبرك أنه سيعود في ظل هذه المرحلة. أعتقد أنه حتى وإن توقفت الحرب، فالمركز الثقافي أصبح مدمرا كلية، لم يعد فيه شيء، وما زال على خط التماس، إذ أنه يطل على تلة السلال، لا يمكن أن تعود له الحياة والأنشطة فيه. ولذلك نحن خلقنا بدائل كثيرة هي مرهقة لنا، لكن عقب توقف الحرب يمكن أن تعود الحياة وتترمم هذه المؤسسات وتستعيد نشاطها.

 

* تعز ثقافياً إلى أين تتجه؟

 

** تعز ثقافيا تتجه إلى الصدارة. الجميع يؤمن أن تعز تصدرت المشهد الثقافي بكل فخر، وبكل قلة إمكانات. تعز هي الأولى مسرحيا، الأولى فنيا، تعز الأولى تشكيليا، أقمنا كثيرا من المعارض الفنية والتشكيلية وهناك كثير من المعارض سنقيمها هذا العام أيضا، وهذا بحد ذاته نجاح كبير يحسب لمكتب الثقافة، يحسب لكثير من النجوم الذين يؤمنون بأهمية الفعل الثقافي، ولذلك نحن نستشعر فرحة غير مسبوقة. سنشعر بها مستقبلا عندما يتم دعم أنشطتنا وفعالياتنا دعم يليق بثقافة تعز، لأننا تصدرنا المشهد. وونحن لا نمتلك الإمكانات الكافية، فكيف بتمكننا من وجود دعم يكفي ويكون منصفا لكثير من النجوم وللفكرة وللرسالة والهدف، وهذا ما نأمله.


التعليقات