كيف تآمر الإقليم على ثورة فبراير في اليمن؟ (تحليل)
- خاص الثلاثاء, 09 فبراير, 2021 - 09:43 مساءً
كيف تآمر الإقليم على ثورة فبراير في اليمن؟ (تحليل)

في خضم الربيع العربي المتدفق، كانت ثورة اليمن الأكمل والأنضج وربما الأكثر ضرورة في ظل تصلب الحاكم على التأبيد والتوريث.

 

كانت الأمور تسير بسلاسة نحو التسليم لولا تدخل الجيران والإقليم على نحو خبيث مدجج بالمطامع والأحقاد، فالجيران يرجفون من تمدد الثورة، فيما الإقليم يريد تجييرها لمطامعه بعيدة المدى والتي لم تكن لتتحقق بهذه السرعة لولا ثورة فبراير.

 

لقد أخذ الجيران الخليجيون على عاتقهم محاربة الثورات الوليدة، ودفعوا لذلك أموالا ضخمة وكمية هائلة من اللؤم والخسة خوفا من نجاحها، كون ذلك سيعرض ممالكهم، إن لم يكن لثورات، لمطالب مشروعة تحد من هيمنة الفرد الواحد.

 

كان الغول الإيراني يترقب بشدة تفكك الحكم في اليمن ليطل برأسه المدجج بنياشين الأحقية الإلهية بسياسة رقاب البشر، ليسهل له المهمة جيران اليمن في لحظة عمى.

 

لم يكن التدخل الخليجي المحمل بالمطامع والأجندات الخاصة ليوقف تغول المليشيات الحوثية المدعومة من إيران في أرجاء البلاد، فالثانية تعرف تماما ما تريده، فيما الأولى يتحكم بتصرفاتها الغباء والطمع معا.

 

ها هو المد الإيراني يغطي أرجاء البلاد، وما حظي به التحالف من جغرافيا صارت بؤرة للمليشيات والفوضى المنظمة في تناغم رهيب مع الفوضى الحوثية في خاصرة السعودية.

 

الثورة المضادة

 

تقبلت الولايات المتحدة ثورات الربيع كأمر واقع في بادئ الأمر، غير أنها بدأت تصطادها من الداخل وتكيد الدسائس عبر وكلائها المحليين الذين أغاضهم الوضع أكثر.

 

لطالما اعتبرت دول الخليج، الإمارات على وجه الخصوص، أن ثورات الربيع إخوانية فذهبت لإنعاش الأنظمة المتهالكة القانعة بمصيرها وإعادتها إلى المشهد، وإذكاء الفتن وإشعال الصراعات.

 

لقد تم ترميم ثورة فبراير اليمنية بالمبادرة الخليجية، كيف ما كانت، غير أنها أهون من السيناريو القائم، لكن التوافق الذي حصل في اليمن لم يرقهم، فالنتاج إخواني أيضا برأيهم وهذا لا وجود له في قواميسهم.

 

في تلكم الأثناء، كان الحوثيون يعملون بخطى حثيثة ويطبخون تحت نار هادئة، فقد باتت الأمور أكثر سلوكا عقب تفكيك حصن صالح المنيع، وبقي أن يركبوا الموجة تماشيا مع الفوبيا التي تؤرق دواهي الخليج.

 

تسليم صنعاء لطهران

 

كان على الإمارات المتحكمة بديوان الحكم السعودي في آخر لحظات حياة الملك عبد الله أن تداوي مرضها المزمن، وأن توجه ضربة لمن تعتبرهم الإخوان في اليمن، وتطرد تلك الفوبيا المدججة بالحقد الأعمى.

 

مؤتمر الحوار الوطني في آخر لمساته، عقب تأطير القضايا العالقة ومباشرة اللجان المتخصصة لحلها، وهو الذي ضم كل أطياف اليمن في اتجاه الأقلمة على أسس هندسية دقيقة راعت الجغرافيا والاقتصاد وكل شيء، دون التعرض لوحدة البلاد.

 

في تلك الغضون، كانت الخطة تقتضي أن يتحالف النظام السابق بجيشه وشعبيته مع فزاعة الحوثي الرائجة، والهدف اقتحام العاصمة والتخلص من حزب الإصلاح، لتعود الأمور كما هي عليه حالا بقيادة النظام السابق، وبأداة الحوثي الضئيلة.

 

لقد دفعت دول الخليج المبالغ ووزعت الأطقم العسكرية وأوكلت المهمة لصالح، غير آبهين بيعته لهم في حرب الخليج وسواها، لكنهم سلموا له الدفة، وهنا كان دور الإقليم غير المتخبط، الذي يعرف ما يريد.

 

الإصلاح لم يواجه، واقتحم الغول العاصمة صنعاء، لكن اليد الطولى تحولت لتكون للحليف الحصيف، حليف الجماعة الصغيرة الذي أعطى الإشارة بعدم التوقف واقتحام دار الرئاسة وطي صفحة هادي والتوافق والتوجه صوب المدن.

 

صحوة متأخرة

 

لم تأتِ الصحوة من كابوس تحالف صالح والحوثي مع طهران إلا بعد أن خربت مالطا وأعلنت إيران ضم العاصمة العربية الرابعة إلى حضيرتها، وحدوث انقلاب داخل الديوان الملكي السعودي.

 

توفي الملك عبد الله، وتسلم الملك سلمان مقاليد الحكم بدءاً بطرد التويجري حليف الإمارات، وأول قرار كان عاصفة الحزم وإعادة الشرعية اليمنية وحماية خاصرة السعودية الجنوبية.

 

رغم أن الرجس الإماراتي داخل التحالف، لكن البداية كانت قوية تأتى خلالها استعادة مناطق واسعة في الجنوب والشرق التي كان قد أكمل الحوثي التهامها.

 

عقب عام من التدخل، كانت النتائج مبهرة قبل أن تبدأ المطامع الخاصة، وتبدأ الإمارات بزرع الألغام والعراقيل عبر تفريخ جماعات مسلحة خارج إطار الشرعية وقضم جغرافيا على حساب الحكومة وليس الحوثي.

 

كانت الأمور تسير  جيدا قبل أن تتجه رغبة الإمارات صوب الموانئ وعينها على سقطرى، وعقب صعود بن سلمان وتنحية أبيه وبن نايف والزج بالأمراء إلى سجن الريتز كارلتون بمساعدة بن زائد، صارت مقاليد التحالف بيد الإمارات، وبدلا من محاصرة الحوثي عبر قضم نفوذه راح التحالف يحرر المحرر، ويحارب القوات الحكومية.

 

مأزق الجارة الكبرى

 

الفرص لا تأتي مرارا، وفرصة السعودية لتحرير اليمن -حديقتها الخلفية- باءت بالفشل. لم تكن الست السنوات لتمضي فيما يتوسع الحوثي وتنحسر الحكومة لو أن الجارة الكبرى استشعرت الخطر المحدق بها، وهي تعلم أن اليمن محطة انتقالية للهدف الإيراني الأعظم وهو الحرم المكي.

 

لقد قبلت السعودية الكبيرة، لأسباب مجهولة وغير معقولة، قبلت بأن تجرها عربة صغيرة بحجم الإمارات إلى وحل كبير لتعلن بعدها الانسحاب الوهمي، فيما زرعت مليشيات هائلة جنوب وغرب البلاد تصرف عليها الملايين لتعكير أي محاولة للسعودية لإصلاح ما أفسدته مجاورتها.

 

حاليا آخر قلاع الشرعية تتداعى في مأرب وقطعان المليشيات تطوقها من كل صوب، فيما الجنوب بات بقبضة مليشيات الإمارات التي لا تدين للحكومة، وهذا يعني ببساطة أن الشرعية عقب 6 سنوات من الحرب باتت للمليشيات، أحدها التي قدم التحالف لنسفها وأخرى صنعها على عينه.

 

في آخر القصة، الولايات المتحدة تتخلى عن حليفتها السعودية في حرب اليمن وتمنع بيعها السلاح، وتعين مبعوثها الخاص لمساومة إيران بخاصرة السعودية مقابل تنازلات معدودة عن برنامجها النووي الذي لطالما كان السلاح الذي حلب دول الخليج أموالها للحماية منه.

 

لقد ضاعت اليمن يوم تنكر الجيران له وأدخلوه في أتون الحروب والفوضى تحت مؤثرات فوبيا الإخوان، الفوبيا التي لم نجد لها كُنها سوى في مخيلاتهم الملوثة بالحقد واللؤم معا، وسيدفعون بعد فقدان اليمن ثمنا باهضا.. باهضا جدا!


التعليقات