بعد سنوات من التوتر والقطيعة الدبلوماسية بين السعودية وإيران، ودخول الدولتين في حرب غير مباشرة عبر وكلائهما في المنطقة، قال ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إن بلاده ترغب في إقامة علاقات "طيبة ومميزة" مع جارتها إيران.
وخلال مقابلة تلفزيونية بثتها قنوات فضائية سعودية قبل أيام للحديث عما تحقق من رؤية 2030، ذكر ابن سلمان أنه يريد إيران مزدهرة، بيد أنه أثار ما وصفه بـ"تصرفات طهران السلبية" مع الدول الجارة. وأضاف: "لا نريد أن يكون وضع إيران صعبا، بالعكس، نريد لإيران أن تنمو وأن يكون لدينا مصالح فيها ولديها مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار".
وتابع ابن سلمان: "إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران سواء من برنامجها النووي أو دعمها لمليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة أو برنامج صواريخها البالستية".
- قطار المصالحة وألغام الطائفية
يعكس التحول المفاجئ في الموقف السعودي من إيران نبرة تصالحية بدأتها المملكة خلال الأشهر القليلة الماضية، والتي بدأت بالمصالحة مع قطر، ثم محاولة المصالحة مع تركيا، وحاليا السعي للمصالحة مع إيران، وذلك كانعكاس لتحول موقف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن من السعودية والصراع في منطقة المشرق العربي، حيث بدا التخلي الأمريكي التدريجي عن السعودية مقلقا للرياض التي لجأت إلى سياسة المهادنة ومحاولة تصفير خلافاتها في الإقليم أو التخفيف من حدتها على الأقل.
وإذا كانت المصالحة مع قطر وتركيا لم يترتب عليها خسائر لأي طرف، وكونها مصالحة حول أزمات دبلوماسية نتيجتها ستسهم في تعزيز أمن الإقليم والتعاون بين دوله، إلا أن سعي السعودية للمصالحة مع إيران، الخصم التقليدي الأبرز للمملكة، في وقت تمدد فيه النفوذ الإيراني عبر المليشيات الطائفية المسلحة في عدة بلدان عربية، بينما لا تمتلك الرياض أي أوراق تفاوضية تمنحها قوة معتبرة، فإن ذلك يعد مؤشرا خطيرا على مستقبل الصراع الذي قد تؤول نتائجه لمصلحة إيران ومليشياتها، خصوصا أن الأبعاد الطائفية والعقائدية للصراع تنعدم معها أي أرضية مشتركة للحوار والتوافق السياسي حول ملفات لا مجال للتوافق حولها إلا في حال توازن قوة الردع بين طرفي الصراع.
وفيما يتعلق بالحوثيين، فقد دعاهم ولي العهد السعودي، في المقابلة المذكورة، إلى الجلوس على طاولة المفاوضات "للوصول إلى حلول تكفل حقوق الجميع في اليمن وتضمن أيضا مصالح دول المنطقة". وأضاف: "العرض المقدم من السعودية هو وقف إطلاق النار والدعم الاقتصادي وكل ما يريدونه مقابل وقف إطلاق النار من قبل الحوثي والجلوس على طاولة المفاوضات".
وردا على سؤال بشأن ما إذا كان قرار الجلوس على طاولة المفاوضات بيد الحوثيين أم طهران، قال ابن سلمان: "لا شك أن الحوثي له علاقة قوية بالنظام الإيراني، لكن أيضا الحوثي في الأخير يمني ولديه نزعة العروبية واليمنية الذي أتمنى أن تحيا فيه بشكل أكبر ليراعي مصالحه ومصالح وطنه قبل أي شيء آخر".
وعلى الجانب الآخر، أكدت طهران، في وقت سابق من أبريل الجاري، أن الحوار مع السعودية كان "دائما موضع ترحيب"، تعليقا على تسريبات أفادت بأن لقاءً جمع ببغداد وفدين رفيعي المستوى من السعودية وإيران مطلع أبريل الجاري، وبقيت هذه المناقشات سرية إلى أن كشفت عنها صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية. كما أن وزارة الخارجية الإيرانية كانت قد أكدت، في يناير الماضي، أن طهران منفتحة على الحوار مع السعودية، في حال ابتعدت الأخيرة عن ما وصفته بالعنف وإهمال الأمن الإقليمي والتعاون مع القوى خارج المنطقة.
أما دوافع النبرة التصالحية بين البلدين، بحسب التسريبات الإعلامية حول لقاء وفديهما في العاصمة العراقية بغداد، فتتمثل في أن تستخدم إيران نفوذها للضغط على الحوثيين لوقف هجماتهم بالطائرات المسيرة والصواريخ البالستية على أراضي المملكة، مقابل أن تدعم السعودية إيران في المفاوضات حول برنامجها النووي، لكن هل التوافق الجزئي هذا، في ظل اتساع دائراة الصراع، بإمكانه تقليص فجوة الخلافات بين البلدين؟ وإلى أي مدى يمكن لغياب "الثقة" بين البلدين أن يؤثر على محاولات الترميم ولو جزئيا للتصدعات التي حفرتها عقود من الزمن من الخلافات السياسية والأيديولوجية والحروب الطائفية وموقف إيران المبدئي بتصدير الثورة الخمينية الشيعية واستعادة مجد الإمبراطورية الفارسية؟
- التزاحم بين الصراع والتعاون
إن الصراعات الدولية تتضمن أحيانا إمكانية التفاوض بين أطراف الصراع، لكنها قد تعرف حالات تختفي فيها إمكانية التفاوض بين الأطراف، كما هو الحال في الصراع العربي الإسرائيلي. وفي الحالة السعودية الإيرانية، فإن وجود مساحة من التعاون (المفتعل) بين طرفي الصراع، يعني من الناحية الواقعية حدوث تزاحم بين الصراع من جهة والتعاون من جهة ثانية، ونظرا لأن مساحة الصراع أكبر بكثير من مساحة التعاون، فإن مساحة التعاون لا يمكنها تقليص فجوة الصراع، وإذا حدث ذلك فلا يعدو كونه مجرد تهدئة مؤقتة، وقد يعود الصراع بعد ذلك أسوأ مما كان عليه سابقا، كانعكاس لانعدام الثقة، وشعور أحد الأطراف بأنه وقع في فخ الطرف الآخر.
وبما أن البعد الطائفي هو المهيمن على الخلافات بين السعودية وإيران، فإن مساحة التعاون بينهما، وإن كانت على قدر كاف من الأهمية، لكنها لا يمكن أن تكون نقطة انطلاق للنشاط الدبلوماسي لتضييق مساحة الصراع تمهيدا لإنهائه، وبالتالي ستكون العودة للصراع لتصفية الخلافات مسألة حتمية بسبب عدم وجود مصالح مشتركة فعلية، وليست مفتعلة، تمثل نقطة الانطلاق لتسوية الصراع، أي أنه من الضروري لحل دائم للصراع أن تكون هناك مصلحة أو مصالح مشتركة واحتمال دوامها لتكون نقطة انطلاق لتسوية دائمة، وما عدا ذلك، فإن حالة الصراع ستظل قائمة، ولن تنتهي إلا في حال تدخل عسكري دولي واسع في إيران يفضي إلى تغيير نظام الحكم الطائفي العدواني فيها، واستبداله بنظام حكم آخر غير طائفي ومتصالح مع جيرانه العرب ومتصالح مع العالم.
الجدير بالذكر أن العلاقات السعودية الإيرانية مرت بعقود من التوجس وعدم الثقة منذ اندلاع الثورة الخمينية في إيران عام 1979، ثم تحول هذا التوجس والتوتر المكتوم إلى انفجار في علاقات البلدين عام 2016، إثر إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، وإحراق متظاهرين إيرانيين المقار الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد ردا على ذلك.
كما أن تمدد الصراع الطائفي في المنطقة، والتصريحات العدائية لإيران وقادة المليشيات الموالية لها ضد السعودية، والهجمات التي طالت منشآت حيوية سعودية وتتبناها مليشيات الحوثي، وتدور شكوك حول مصدر بعضها ما إن كان من إيران أو العراق وغيره، كل ذلك جعل الخلافات بين السعودية وإيران عميقة ومعقدة، ومن الصعب الدخول في تسوية إقليمية شاملة في ظل المعطيات الحالية إلا في حال ارتضت السعودية لنفسها أن تكون هي الضحية.