[ تدخل عملية "عاصفة الحزم" في اليمن عامها السابع دون تحقيق هدفها الرئيسي ]
مع حلول الذكرى السادسة لانطلاق عملية "عاصفة الحزم"، التي اندلعت في 26 مارس 2015، تبدو الأزمة اليمنية غاية في التعقيد ولا مؤشرات لاستقرارها على نمط محدد يمكن البناء عليه سواء للحسم العسكري أو الحل السياسي، فخلال سنوات الحرب، شهد اليمن والمنطقة سيولة سياسية وتحولات في العلاقات بين الأطراف الفاعلة، في ظل غياب رؤية إستراتيجية للسعودية للتعامل مع الملفات المعقدة التي تهدد مصيرها، خصوصا ما يتعلق بالأزمة اليمنية، حيث أرادت السعودية وحليفتها دولة الإمارات استغلال الفوضى القائمة في البلاد لتحقيق مصالح سياسية تتجاوز الأعراف الدبلوماسية، وأقل ما يوصف به سلوك الدولتين في اليمن أنه انحطاط سياسي لا يراعي علاقات الجوار ولا مقتضيات التحالف العسكري ويتجاوز الأعراف السياسية والقوانين الدولية.
- ماذا حققت "عاصفة الحزم"؟
لعل الإنجاز الوحيد الذي حققته عملية "عاصفة الحزم" هو عرقلة انقلاب الحوثيين وحليفهم الرئيس السابق علي صالح على السلطة الشرعية في بدايته، من خلال قصف المعسكرات الموالية للانقلابيين وتدمير مخازن السلاح الذي كانوا سيستخدمونه في حربهم على السلطة الشرعية وعلى الإرادة الشعبية، كما أن التحالف قدم حينها الدعم للسلطة الشرعية والجيش الوطني والمقاومة الشعبية في حربهم على الانقلاب مما أفضى إلى تحرير بعض المدن والمناطق التي كان يسيطر عليها الانقلابيون، وفي مقدمتها العاصمة المؤقتة عدن.
غير أن معارك التحرير توقفت في جبهات محددة، حيث منع التحالف الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من التقدم في بعض الجبهات من خلال ما يسميها "الضربات الخاطئة"، كما منع الحوثيين من توسيع نطاق سيطرتهم من خلال الهجمات الجوية، وبقيت الحرب تراوح مكانها ليتفرغ التحالف السعودي الإماراتي للعبث في المحافظات المحررة، وتشكيل مليشيات انقلابية ذات توجهات مناطقية انفصالية في جنوب اليمن، ومحاولة إحياء عائلة علي صالح سياسيا بعد أن قتله الحوثيون إثر أحداث ديسمبر 2017 في العاصمة صنعاء.
وفي نفس الوقت، ظل التحالف يعمل عمل على إضعاف السلطة الشرعية وشيطنة بعض حلفائها إعلاميا، وزرع عداوات وخلافات وتشظيات بين جميع أطياف المجتمع اليمني، بعضها عميقة وأرهقت جسد اليمن المنهك، في وقت يعمل فيه الحوثيون على تقوية علاقتهم بإيران وتطوير قدراتهم العسكرية وحسم خلافاتهم البينية في مهدها ولو بالتصفيات والاغتيالات.
ومن جانب آخر، حققت السعودية بعد عملية "عاصفة الحزم" صعودا سياسيا وعسكريا لافتا، وبدا حينها أنها بدأت تتولى مهمة قيادة الإقليم، بسبب "فراغ القوة" في العالم العربي الذي خلفه انهيار العراق نتيجة الاحتلال الأمريكي، وانهيار سوريا إثر ارتماء قيادتها في حضن إيران وتدمير البلاد، وتراجع الدور المصري بعد الانقلاب العسكري على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وانكفاء الجزائر حول نفسها بسبب أزماتها الداخلية.
لكن ذلك الصعود سرعان ما بدأ في التلاشي والانزواء، وتشوهت صورة المملكة بسبب قيادتها المراهقة بعد تنامي نفوذ ولي العهد محمد بن سلمان، وتبعيته لحكام دولة الإمارات، وعلاقته القوية بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، فاستغلت دولة الإمارات ذلك للتأثير على محمد بن سلمان بما يؤدي إلى تقويض النفوذ السعودي، وطموح الإمارات بأن ترث هي ذلك النفوذ، وكان لفشل السعودية في حسم المعركة في اليمن تداعيات سلبية على مختلف ملفات الصراع ذات البعد الطائفي في منطقة المشرق العربي، وأصبح يُنظر للسعودية في الأوساط السياسية والإعلامية الدولية كدولة فاشلة، وسط تساؤلات عن مدى قدرتها على مواجهة إيران عسكريا بينما هي فشلت في القضاء على جماعة صغيرة تابعة لإيران، أي جماعة الحوثيين.
- إشكالية الانفعال اللحظي
جاءت عملية "عاصفة الحزم" في البداية كرد فعل، أو انفعال لحظي، على الاستفزازات الحوثية والإيرانية للسعودية، بعد أن تمكن الحوثيون من السيطرة على العاصمة صنعاء، وهي السيطرة التي يُحتمل أن السعودية والإمارات ودولا أخرى كانت ضمن المخططين والممولين لها، والهدف هو تصفية قوى سياسية وقبلية كان لها دور في دعم ثورة 11 فبراير 2011 الشعبية السلمية، وهي قوى لا تروق للسعودية والإمارات، وكان يُراد تصفيتها بواسطة جماعة الحوثيين، لكن الحوثيين خرجوا عن الخطة المرسومة لهم، ودفعهم غرورهم بالنصر إلى مواصلة خطواتهم الانقلابية ضد السلطة الشرعية، وبتحالف ودعم الرئيس السابق علي صالح.
هذا الانفعال اللحظي من قبل السعودية، والذي جاء ردا على الاستفزازات الإيرانية والحوثية لها، أثّر على سير المعركة فيما بعد، فالسعودية أثناء تدخلها العسكري لم يكن لديها رؤية وخطة واضحة لإدارة المعركة والأزمة اليمنية بشكل عام، كما أن تباين الأجندة بينها هي ودولة الإمارات زاد من متاهة الأزمة اليمنية، وتسبب ذلك في حدة الانقسامات والخلافات بين اليمنيين، وزرع العداوات والثارات فيما بينهم، وأثّر ذلك على الأزمة اليمنية بشكل عام، وبدأت الدولتان بانتهاج تصرفات لا علاقة لها بالهدف الرئيسي من تدخلهما في اليمن، وبدأتا بنشر قوات لهما في محافظتي المهرة وسقطرى ومدن جنوبية أخرى، وتشكيل ودعم مليشيات انقلابية وانفصالية وتعزيز سيطرتها على مساحات واسعة تمتد من الساحل الغربي للبلاد إلى السواحل الجنوبية والشرقية، لتكون هذه المليشيات حارسة لمصالح الدولتين وتخدم أجندتهما التخريبية في اليمن.
- مسار الحرب والسياسة التائهة
هل انحرفت عملية "عاصفة الحزم" عن مسارها؟ لقد كان الهدف الرئيسي للعملية هو القضاء على الانقلاب الحوثي وإعادة السلطة الشرعية إلى العاصمة صنعاء، غير أن منع السلطة الشرعية من العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن من قبل التحالف السعودي الإماراتي، خلال الأحداث التي شهدتها عدن أواخر العام 2019، وما تلا ذلك من تأسيس الدولتين لواقع جديد باتت على إثره الحكومة الشرعية تقيم في القصر الرئاسي في عدن تحت رحمة مليشيات المجلس الانتقالي، كل ذلك يكفي لتحديد مدى الانحطاط السياسي وغياب البعد الإستراتيجي في التدخل السعودي الإماراتي في اليمن بذريعة دعم السلطة الشرعية ضد الانقلاب الحوثي وتطهير اليمن من النفوذ الإيراني، والسبب البحث عن مصالح كان من الممكن الحصول عليها في مرحلة ما بعد استقرار الدولة ومن خلال اتفاقيات تضمن مصالح الدولتين وفي نفس الوقت تراعي سيادة اليمن على أراضيه.
ورغم أن تلك المصالح تاهت بين ركام الحرب والدمار والانقسام السياسي والاجتماعي المعقد في اليمن، إلا أنه لا يبدو أن الدولتين ستراجعان حساباتهما، وتنتهجان سلوكا جديدا يرمم الشروخ والتصدعات التي تسببتا بها، والتي من شأنها أن تلقي بظلالها على علاقة اليمن بالدولتين في مرحلة ما بعد الحرب، وتؤسس لمرحلة جديدة من الانقسامات والعداء المتوارث والتحالفات والتدخل الأجنبي والاستقطاب السياسي الحاد في منطقة المشرق العربي.
وإذا لم تراجع الدولتان حساباتهما وتصحيح أخطائهما والعودة للتحالف بجدية مع السلطة اليمنية الشرعية، وتقديم الدعم اللازم لها الذي يمكنها من القضاء على المليشيات الانقلابية شمالا وجنوبا، وإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، واستكمال عملية الانتقال السياسي بناء على مخرجات الحوار الوطني، فإن الأزمة اليمنية ستزداد تعقيدا وستبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، بما في ذلك تنويع السلطة الشرعية خياراتها في مرحلة مقبلة، والبحث عن حلفاء جدد، وقد تحدث تطورات تفضي إلى تدخل أجنبي يزيح النفوذ السعودي والإماراتي من اليمن تماما، أو تنزلق البلاد إلى حرب أهلية عنيفة وشاملة يصعب التحكم بمسارها ومآلاتها.