توافقات مؤقتة.. هل يؤثر الخلاف السعودي الإماراتي على تحالفهما في اليمن؟ (تحليل)
- عبد السلام قائد الإثنين, 26 يوليو, 2021 - 08:09 مساءً
توافقات مؤقتة.. هل يؤثر الخلاف السعودي الإماراتي على تحالفهما في اليمن؟ (تحليل)

[ صورة تجمع محمد بن سلمان ومحمد بن زايد والرئيس عبد ربه منصور هادي ]

بعد التوتر الأخير الذي خرج للعلن بين السعودية ودولة الإمارات، إثر الخلاف النفطي ضمن منظمة "أوبك +"، وإعلان السعودية تغيير قواعدها بشأن الواردات من دول الخليج الأخرى لاستبعاد البضائع المصنوعة في المناطق الحرة أو التي استخدم فيها أي منتج إسرائيلي، في تحدٍّ لمركز الإمارات التجاري الإقليمي، حضر الملف اليمني كونه أكثر ملف شهد توافقا سعوديا إماراتيا في إطار عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين، وشهد توافقا حول تفاصيل أخرى تتعلق بإطالة أمد الحرب في البلاد وترسيخ تواجدهما العسكري في بعض المحافظات والجزر اليمنية، لكن إلى أي مدى سيؤثر الخلاف الأخير على تحالف الدولتين في اليمن؟ وهل يمكن التعويل على مثل هكذا خلاف لإحداث تطور مهم في مسار الأزمة اليمنية يكسر حالة الجمود التي باتت عليها، أم إن ارتداداته ستكون عكسية؟

 

التنافس الاقتصادي والخلافات السياسية

 

رغم الحديث عن تقدم كبير في المحادثات بين السعودية والإمارات وتهدئة التوتر بينهما، وحتى إذا حصل توافق فعلي يسمح للإمارات بضخ مزيد من النفط خلال العام المقبل، لكن لا يعني ذلك أن تسوية نهائية سيتوصل إليها الطرفان، والحقيقة هي أن الدولتين مقبلتان على تنافس اقتصادي طويل الأجل، وسيتخلله توظيف للملفات السياسية في المنطقة في إطار الضغوط المتبادلة، وهو ما يعني أن اليمن لن يكون بمنأى عن ذلك التنافس الاقتصادي الذي سيتخلله خلافات سياسية وتوظيف لبعض الملفات الساخنة، وتعود قابلية اليمن للتأثر بالأزمة بين الدولتين المذكورتين إلى نفوذهما الطاغي فيه، بسبب تراجع دور الدولة وتخليها عن أداء وظيفتها، وتعدد أطراف الصراع وعلاقات كل منها بالدولتين مع تباين الأهداف والأجندة.

 

في البداية، مثّل تدخل الدولتين عسكريا في اليمن بداية عهد جديد من التحالف العسكري بعد سنوات من التوتر الحذر إثر ضغوط مارستها السعودية على الإمارات أفضت إلى تنازلها عن أراضٍ تحتوي ثروات نفطية في معاهدة جدة عام 1974، بينها الحدود البرية الوحيدة للإمارات مع دولة قطر، وما زالت الإمارات تشعر بالغبن إزاء تلك الاتفاقية. وكان تحالف الدولتين عسكريا في اليمن ضد انقلاب جماعة الحوثي على السلطة الشرعية قد سبقه تحالفهما ضد ثورات الربيع العربي، مما أثر على طبيعة تدخلهما في اليمن، ثم انحرفت الدولتان عن الأهداف المعلنة من تدخلهما عسكريا في البلاد في إطار عملية "عاصفة الحزم".

 

ومع بروز التباينات بين الدولتين حول إدارة الأزمة اليمنية، رغم توافقهما حول "تصفية الربيع العربي في اليمن"، ثم تصاعد هجمات الحوثيين على السعودية، وتهديدهم بالهجوم على الإمارات ما لم تنسحب من المعركة ضدهم، دفع ذلك الإمارات إلى تقليص عملياتها العسكرية ضد الحوثيين، قبل أن تعلن انسحابها من اليمن في يونيو 2019.

 

ورغم أن ذلك الانسحاب كان شكليا، إلا أنه أثار غيض السعودية، خصوصا أن الإمارات أتبعت ذلك الإعلان بزيارة بعض مسؤوليها إلى إيران، لبحث تعزيز التعاون معها، بينما الانسحاب المعلن من اليمن لم يكن سوى انسحاب مع المعركة ضد الحوثيين، بعد تهديدهم بمهاجمة أراضيها، وأبقت على تواجدها العسكري في البلاد واستمرار تقديم الدعم للمليشيات التابعة لها، وتمارس دورا تخريبيا موجها ضد السلطة الشرعية والسعودية، وتعزز تواجدها العسكري في بعض الجزر اليمنية، وتحرض مليشيات المجلس الانتقالي ضد القوات السعودية المتواجدة في عدن وسقطرى.

 

الإمارات والتقارب مع إيران

 

وإذا كان إعلان الإمارات الانسحاب من اليمن في جانب منه نتيجة مخاوف من تنفيذ الحوثيين تهديداتهم بشن هجمات على مدنها الزجاجية، ففي الجانب الآخر أرادت الإمارات من ذلك الإعلان التنصل من مسؤوليتها عن تصعيد ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي ضد السلطة الشرعية في عدن، ووصل ذلك التصعيد ذروته في أغسطس 2019، أي بعد حوالي شهرين من إعلان الإمارات انسحابها من اليمن.

 

وقد أثار ذلك الإعلان غيض السعودية، وعبّر كُتّاب سعوديون عن استيائهم من تلك الخطوة، ووصفها بعضهم بأنها "طعنة في الظهر" للمملكة، ومما زاد من الشكوك حول دوافع انسحاب الإمارات من اليمن، أو بالأصح انسحابها من المعركة ضد الحوثيين، هو أنه سبق ذلك الإعلان حديث مصادر إعلامية عن ضبط شحنات لتركيب الطائرات المسيرة إيرانية الصنع في محافظة الجوف هربتها الإمارات للحوثيين عبر ميناء عدن الذي تسيطر عليه، وبعد إعلانها الانسحاب من اليمن ذهب بعض مسؤوليها في زيارات إلى إيران لتعزيز التعاون معها في مجالات عدة.

 

وبعد الخلاف النفطي الأخير بين السعودية والإمارات، بدأ ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات بتصعيد جديد ضد السلطة الشرعية، حيث هددت قيادات في "الانتقالي" بمنع انعقاد اجتماعات الحكومة ومجلس النواب في مدينة سيئون بحضرموت، والتهديد بالسيطرة على كل المحافظات الجنوبية. وبعد تلك التهديدات، كشفت مصادر عسكرية عن وصول شحنة أسلحة إماراتية جديدة إلى مطار "الريان" بمدينة المكلا الذي حولته الإمارات منذ خمس سنوات إلى ثكنة عسكرية، وأوضحت المصادر أن طائرة إماراتية أقلت أسلحة من جزيرة سقطرى إلى مطار الريان تمهيدا لتسليمها لمليشيات المجلس الانتقالي.

 

ويثير توقيت نقل الإمارات شحنة أسلحة جديدة إلى المكلا تمهيدا لتسليمها لـ"الانتقالي" بالتزامن مع تهديده بمنع اجتماعات الحكومة ومجلس النواب في ذات المحافظة، التساؤلات حول مآلات ذلك التهديد والخطوات التالية، وعلاقة ذلك بالخلاف النفطي الأخير بين السعودية والإمارات وتداعياته على العلاقات بينهما، خصوصا أن أي ترتيبات لانعقاد اجتماعات مجلس النواب والحكومة في سيئون ستكون برعاية وحماية سعودية كما هو معهود.

 

اليمن كساحة ضغوط ورسائل متبادلة

 

يُعَد تنامي الخلافات بين السعودية والإمارات أمرا حتميا، خصوصا أن الإمارات تعيش مخاوف حقيقية بعد بروز المنافسة الاقتصادية السعودية لها، خشية أن يؤثر ذلك عليها كونها مركز تجاري إقليمي، وأيضا بروز الخلافات السياسية بينهما حول عدد من قضايا المنطقة، مثل العلاقة مع قطر وتركيا، والحرب في اليمن من منظور اعتبارها حرب بالوكالة ضد إيران، لكن الخلافات بين الدولتين لن تصل إلى المواجهة العسكرية المباشرة، مهما تشكلت أسافين جديدة تضع مصالحهما في مواجهة بعضها البعض، وستراهن الدولتان على مشاريع عملاقة ذات إنفاق كبير لتقويض اقتصادات بعضهما بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية لتلك المشاريع.

 

وفيما يتعلق بتأثر الأزمة اليمنية من الخلافات بين السعودية والإمارات، فالدولتان تتفقان على تمزيق وإضعاف اليمن مع اختلاف طفيف في الأساليب والأدوات، وتختلفان في نظرتهما للحرب ضد مليشيات الحوثيين، وبالتالي، فإن توجس السعودية من الموقف الإماراتي من الحوثيين وعلاقتها مع إيران، لن يؤثر على سياستها التقليدية إزاء اليمن، المتمثلة في تمزيقه وإضعافه وإفقاره واقتطاع أجزاء من أراضيه، وستبقى المحافظات الجنوبية ساحة للضغوط والتصعيد المتبادل وتصفية الحسابات وتوجيه الدولتين الرسائل لبعضهما، كانعكاس لتنافسهما الاقتصادي المرهق وخلافاتهما السياسية، وسيكون المتضرر الأكبر من ذلك اليمن واليمنيون.


التعليقات