بنفس طريقتها في احتلال عدن قبل قرن.. بريطانيا تعود بقواتها للمهرة.. ما الدلالات؟ (تحليل)
- عامر الدميني الثلاثاء, 10 أغسطس, 2021 - 10:00 صباحاً
بنفس طريقتها في احتلال عدن قبل قرن.. بريطانيا تعود بقواتها للمهرة.. ما الدلالات؟ (تحليل)

[ صورة للسفينة الإسرائيلية ميرسر ستريت ]

لأكثر من خمس سنوات ظلت بريطانيا تتكتم على تواجدها في محافظة المهرة (شرقي اليمن)، وترفض التعليق على كل التقارير التي تؤكد تمركزها في مطار الغيضة إلى جانب القوات السعودية التي وصلت المحافظة منذ نوفمبر من العام 2017م.

 

كان لافتا منذ البداية التواجد البريطاني في هذه المحافظة البعيدة عن مسرح الحرب الجارية في اليمن، لكنه في نفس الوقت لم يكن خفيا، وكشف تحقيق استقصائي للموقع بوست نُشر في الخامس من أبريل 2019م تمركز قوات بريطانية وأمريكية داخل مطار الغيضة بالمهرة، من خلال مجموعة من الضباط التابعين للدولتين، ويعملون إلى جانب القوات السعودية، ووصلوا المهرة بعد أيام من وصول القوات السعودية.

 

وقالت قيادات عسكرية التقاها "الموقع بوست"، إن أولئك الضباط يقدمون المساعدات العسكرية للقوات السعودية، كالإشراف على الطائرات التابعة لها، بينما اعتبر مسؤول أمني أن تواجد تلك القوات كان بمثابة شرعنة وغطاء للدور السعودي، مرجحا في ذات الوقت تقاسم الدول الثلاث للنفوذ في محافظة المهرة.

 

هذا الحضور البريطاني ظل في البداية هامدا ساكنا، ولم تسجل الأحداث أي مؤشرات على تحركات بريطانية مريبة في المهرة، فيما طغت تحركات القوات السعودية على المشهد العام في المحافظة، من خلال العديد من مظاهر التوسع والتجذر والسيطرة.

 

 

لاحقا، وبشكل تدريجي بدأت بريطانيا بالتحرك في المهرة، عن طريق استكشاف مكامن القوة والضعف، واستقراء المجتمع، ومكوناته، وشخصياته، وأطرافه الفاعلة، من خلال أنشطة متعددة، وعبر جهات تعمل لصالح النفوذ البريطاني في المنطقة.

 

ومع وصول الدور السعودي إلى طريق مسدود في المهرة، جراء الصلابة والرفض التي ظهر بها أبناء المهرة، وهم يرفضون الوجود السعودي، ويفشلون محاولة نقل نموذج المحافظات الجنوبية الأخرى في الأحزمة الأمنية إلى محافظتهم، بدأ الحضور البريطاني يُطل برأسه في المهرة، بشكل أكبر.

 

تقارير متفاوتة في المهرة رصدت أنشطة مريبة من وقت لآخر تصب في مصلحة القوات البريطانية المتمركزة في مطار الغيضة، وجاء الإعلان عن وصول القوات البريطانية والذي كشفته صحيفة إكسبرس البريطانية ليؤكد وجود تنسيق وتحضير مسبق يمهد لهذه الخطوة.

 

مبررات التواجد البريطاني

 

الكشف عن وصول القوة البريطانية العسكرية جاء في تقرير نشرته صحيفة إكسبرس الإنجليزية أكد وصول أربعين جنديا من القوات المسلحة البريطانية إلى مطار الغيضة في السابع من أغسطس الجاري، مع وحدة حرب إلكترونية متخصصة لمتابعة الاتصالات وإدارتها، وعمليات دعم من وزارة الخارجية البريطانية، كما سيعمل الفريق مع قوة العمليات الخاصة الأمريكية التي كانت موجودة بالفعل في المنطقة، وتساعد في تدريب نخبة من وحدات الكوماندوس السعودية.

 

وفقا للصحيفة فإن مهمة الجنود تعقب عناصر تابعة لجماعة الحوثي متورطة في استهدافناقلة النفط الإسرائيلية "ميرسر ستريت" في الـ30 من يوليو 2021، شمال شرق ميناء الدقم العماني، أثناء عودتها من تنزانيا إلى الإمارات، مما أسفر عن مقتل جندي الحراسة البريطاني أدريان أندروود، وقبطان السفينة الروماني.

 

تقول الصحيفة إن هناك اعتقادا بأن الحوثيين المدعومين من إيران نفذوا الهجوم بأمر من طهران، التي زودتهم بمركبة جوية طويلة المدى بدون طيار، لتهديد السفن التجارية الدولية في بعض أكثر ممرات الشحن ازدحامًا في العالم.

 

وتشير إلى أن المخابرات الأمريكية الإسرائيلية ترجح أن الطائرة بدون طيار أطلقت من شرقي اليمن، وجرى توجيهها بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) نحو الناقلة قبل أن يسيطر عامل التشغيل على الميل الأخير، ويوجه الصاروخ عبر الكاميرا إلى جسر السفينة.

 

 وقال الجنرال نيك كارتر قائد القوات المسلحة البريطانية إن بلده يحتاج لردع السلوك الإيراني المتهور للغاية، وإن لندن ستبعث برسالة إلى إيران مفادها أن المملكة المتحدة لن تتسامح مع مثل هذه الهجمات في المياه الدولية.

 

جدل دبلوماسي يستبق القرار

 

ويبدو واضحا أن قرار التواجد البريطاني في المهرة كرد على استهداف ناقلة النفط جاء متأخرا، وسبقه تجاذب وتبادل اتهامات بين كل من إيران من جهة، وبريطانيا وإسرائيل وأمريكا من جهة أخرى.

 

بالنسبة للناقلة فهي تتبع شركة "زودياك ماريتايم"، المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي إيال عوفر، الذي يحتل المرتبة 197 على قائمة أثرياء العالم، وفق تصنيف فوربس، بثروة تقدّر بـ 11,3 مليار دولار.

 

وفور استهدافها أفادت وكالات أنباء دولية نقلا عن مصادر أوروبية وأمريكية مطلعة على تقارير مخابرات أن إيران هي المشتبه الرئيسي في الهجوم.

 

وفي وقت لاحق، أعلن تلفزيون العالم الإيراني نقلا عن مصادر أن "الهجوم أتى ردا على هجوم إسرائيل على مطار الضبعة".

 

 

ويقع بحر عُمان بين إيران والسلطنة، عند مخرج مضيق هرمز الإستراتيجي الذي يعد نقطة عبور عالمية لجزء كبير من النفط، وحيث ينشط تحالف تقوده الولايات المتحدة. وشكلت حركة النقل عبر المنطقة هدفا لهجمات وعمليات قرصنة تكررت مرارا قبل عقد من الزمن، قبل أن تتراجع وتيرتها إلى حد كبير خلال السنوات الماضية جراء تكثيف الدوريات التي تقودها قوات بحرية من دول عدة.

 

وأوضح محللو مجموعة "درياد غلوبال" المتخصصة في الأمن البحري ومقرها لندن، أن الهجوم على إم/تي ميرسر ستريت "يُعد الآن بمثابة الهجوم الخامس على سفينة ذات صلة بإسرائيل"، متحدّثين عن "أعمال انتقامية" جديدة في "حرب الظل القائمة بين القوتين".

 

واعتبرت المجموعة أن مقتل فردين من طاقم السفينة يشكل "تصعيدا هاما في الأحداث"، منبّهة عملاءها إلى أن المخاطر التي قد تواجهها السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل وإيران في ممر الخليج راهنا إلى "ازدياد".

 

وبسبب ذلك الهجوم استدعت كل من بريطانيا وإيران ممثل البلد الآخر، بينما أنحت بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل باللائمة على إيران، فيما نفت إيران ضلوعها، ووصفت الاتهام بأنه "لا أساس له من الصحة".

 

وفي وقت لاحق أبلغت بريطانيا ورومانيا وليبيريا مجلس الأمن الدولي، أن من "المرجح للغاية" أن تكون إيران قد استخدمت طائرة مسيرة أو أكثر لتنفيذ هجوم دام على ناقلة نفط الأسبوع الماضي قبالة سواحل عمان.

 

وقالت الدول الثلاث في رسالة إلى مجلس الأمن المؤلف من 15 عضوا، اطلعت عليها رويترز، إن "هذا الهجوم أضر بسلامة وأمن الشحن الدولي وشكل خطرا عليه وكان انتهاكا واضحا للقانون الدولي.. ينبغي للمجتمع الدولي أن يندد بهذا العمل".

 

وأعلنت الولايات المتحدة أن الرد على هجوم استهدف ناقلة للمنتجات البترولية تديرها إسرائيل قبالة سواحل عمان "سيكون قريبا".

 

نتائج التحقيق

 

بعد ستة أيام من الهجوم أعلنت القيادة المركزية للجيش الأمريكي أنها حققت في عملية استهداف السفينة الإسرائيلية، وأن النتائج التي خرجت بها عُرضت على بريطانيا وإسرائيل، واللتان تقبلتا النتيجة.

 

ووفقا لما نشره الجيش الأمريكي في موقعه الإلكتروني فقد تعرضت السفينة لثلاث هجمات بواسطة ثلاث طائرات بدون طيار، وذلك مساء الخميس 29 يوليو وأخطأ المهاجمون الهدف، ثم عاودوا الهجوم الثالث في وقت مبكر يوم الجمعة 30 يوليو.

 

وقال الجيش الأمريكي في تقريره الذي ضمنه صورا للهجوم إن الاختبارات الكيميائية للمادة المستخدمة في الهجوم أثبتت استخدام المهاجمين لمواد متفجرة قائمة على النترات، وتعرف باسم RDX ما يشير إلى أن الطائرة بدون طيار قد تم تزويرها لإحداث إصابات وتدمير.

 

وأكد التقرير أن المتفجر الذي أعقب ارتطام الطائرة بدون طيار أدى إلى حدوث ثقب قطره حوالي ستة أقدام في الجانب العلوي من غرفة القبطان، وألحق أضرارا بالغة بالداخل، وتسبب بوفاة جندي بريطاني، والقبطان الذي يحمل الجنسية الرومانية.

 

وأوضح أن خبراء المتفجرات المحققين في الهجوم تمكنوا من استعادة عدة قطع من الطائرة الثالثة، بما في ذلك مثبت عمودي (جزء من الجناح) ومكونات داخلية، وكانت مطابقة تقريبا لأمثلة تم جمعها سابقا من الطائرات بدون طيار الإيرانية الهجومية ذات الاتجاه الواحد.

 

وأضاف: "كانت المسافة من الساحل الإيراني إلى مواقع الهجمات ضمن نطاق الطائرات بدون طيار الإيرانية الموثقة ذات الاتجاه الواحد، وبعد تحليل موقع الحادث، نقلت بعض المواد إلى مقر الأسطول الخامس الأمريكي في المنامة ثم إلى مختبر وطني أمريكي لإجراء المزيد من الاختبارات والتحقق".

 

وخلص الخبراء الأمريكيون إلى أن الطائرات بدون طيار المستخدمة في الهجوم أنتجت في إيران بناء على الأدلة.

 

الذهاب إلى المهرة

 

على ضوء هذه المعطيات يبدو التواجد البريطاني العسكري في المهرة مليئا بالغموض، فالتهم التي جرى سردها فيما يتعلق بتورط الحوثيين وتنفيذهم للهجوم انطلاقا من شرق اليمن، لا توجد تفاصيل كافية عنها، توضح المكان الذي تمركزوا فيه، أو عدد الفريق المهاجم، أو أي معلومات متصلة تكشف هوية المنفذين.

 

ووردت الإشارة للحوثيين في تصريحات مصدر عسكري بريطاني لصحيفة إكسبرس، وصفته بالرفيع، بأن "كل شيء يشير إلى إطلاق الطائرة بدون طيار جاء من اليمن"، وأن "القلق الآن هو أن طائرة بدون طيار ذات مدى ممتد ستمنحهم قدرة جديدة "، وقالت الصحيفة إن عناصر حوثية يعتقد أنها نفذت الهجوم بناء على طلب من طهران.

 

أما الجيش البريطاني فقد اعتبر التواجد في المهرة عملية انتقام ردا على مقتل الجندي البريطاني ادريان اندروود، وذلك على لسان الجنرال كارتر رئيس القوات المسلحة البريطانية، الذي دعا إلى ما وصفه بانتقام غربي من الهجوم الذى أسفر عن مصرع الجندي البريطاني.

 

ولم يرد اسم جماعة الحوثي كطرف متورط في تنفيذ الهجوم في تقرير القيادة المركزية للجيش الأمريكي، واكتفى التقرير بتوجيه الاتهام المباشر والصريح لإيران، والجزم بأن طهران وراء عملية الهجوم.

 

هذا التبرير البريطاني الذي يقدم الحوثي كطرف متورط بالهجوم يتسق أيضا مع الطرح الذي ظلت السعودية والإمارات تردده منذ وقت مبكر عبر وسائل الاعلام التابعة لهما بأن الحوثي يتواجد في محافظة المهرة، وأن قيادات مهرية مناوئة للتواجد السعودي في المهرة لها علاقة مباشرة بالحوثيين.

 

لذلك أصبح واضحا أن بريطانيا تقدم حادثة استهداف الناقلة الإسرائيلية كذريعة للتواجد في محافظة المهرة، وهذه الذريعة تلقى التأييد والمباركة من كل من الولايات المتحدة، وإسرائيل، وبالتأكيد من خلفهما السعودية والإمارات، وهي ذاتها الأطراف اللاعبة والمؤثرة في الصراع الدائر باليمن، وهي حالة مشابهة لطريقة احتلال بريطانيا لعدن في يناير من العام 1839م، والتي جثمت عقبها على صدور اليمن واليمنيين لأكثر من 130 عاما.

 

ماذا ستفعل بريطانيا في المهرة؟

 

وفقا لتصريحات صحيفة إكسبرس البريطانية فإن الجنود البريطانيين الذين وصلوا المهرة سيتعاونون مع أطراف محلية تدعمهم وزارة الخارجية البريطانية لديهم معرفة بالمنطقة للمساعدة في مطاردة من وصفتهم بالمرتزقة الحوثيين المسؤولين عن الهجوم على الناقلة الإسرائيلية.

 

وهذا يعني أن الوجود البريطاني المستتر في الفترة السابقة داخل المهرة تمكن من ترتيب أوراقه، وخلق الوسائل التي تساعده في التوغل داخل المجتمع المهري، ومن ذلك عمليات تجسس على المناوئين للدور السعودي والبريطاني، وهو ما صرح به الشيخ علي سالم الحريزي رئيس لجنة الاعتصام لقناة المهرية المحلية بأن القوات البريطانية تدرب عناصر على التجسس في محافظة المهرة لاستهداف الدولة ومؤسساتها ورجال القبائل.

 

 

وما يؤكد صحة هذا الحديث التصريح الذي كشفت عنه صحيفة إكسبرس حين قالت إن الجنود البريطانيين الذين وصلوا المهرة جلبوا معهم وحدة متخصصة في الحرب الإلكترونية في مجال الاتصالات، ورغم عدم توضيح طبيعة هذه الوحدة إلا أن من الواضح أنها تتعلق بتقنية التتبع والتنصت على أجهزة الاتصالات والهواتف النقالة، ومراقبتها، والتجسس على الأفراد والجماعات، وهو ما كان قد كشفت عنه وسائل إعلام محلية في فبراير من العام الجاري بأن القوات البريطانية في مطار الغيضة تجسست على شخصيات مهرية، وكلفت خلايا بملاحقتهم واغتيالهم، ومن تلك الشخصيات الشيخ علي سالم الحريزي.

 

 

لذلك لن تنفصل مهمة القوات البريطانية في المهرة عن ذات الأجندة التي جاءت القوات السعودية لتنفيذها، وهي السيطرة والتوغل وإخضاع المحافظة، خاصة بعد فشل الدور السعودي، ما يجعل المهرة أمام ثلاث قوى خارجية تتقاسم النفوذ والسيطرة، وهي بريطانيا، والسعودية، والولايات المتحدة التي سبق لسفيرها زيارة المهرة في الثلاثين من نوفمبر 2020م بمبرر مكافحة الإرهاب.

 

وليس من المستبعد أن التواجد البريطاني يهدف أيضا لأطماع استعمارية قديمة، يراد إحيائها في اللحظة الراهنة التي يعيش فيها اليمن ضعفا غير مسبوق، وهشاشة عالية لدى قيادات الحكومة الشرعية التي تعمل من العاصمة السعودية الرياض، خاصة وأن بريطانيا كانت تحكم المهرة كأحد السلطنات التابعة لها إبان فترة استعمارها لليمن، وتحظى بحمايتها، وتبعيتها للنفوذ البريطاني.

 

وفي كل الأحوال فجلب قوات بريطانية للمهرة هو مؤشر خطير ينم عن مخطط قادم تضمره بريطانيا ومن يتحالف معها للمهرة بشكل خاص، واليمن بشكل عام، وأن اتخاذ الحوثي وإيران كذريعة هو ورقة للمخادعة وتبرير التواجد، وسبق اتهام الحوثي بالتورط باستهداف مقرات وجنود الحكومة الشرعية، بل واستهداف الحكومة ذاتها كما حدث في عدن، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي خطوات تصعيدية تجاهه.

 

إن مخاطر التواجد البريطاني في المهرة تكمن في تعزيز حضور بريطانيا نفسها في الملف اليمني، وحرصها على التواجد برفقة كل من أمريكا وإسرائيل، ثم السعودية والإمارات، وسينعكس هذا على أبناء المهرة أنفسهم، وربما يمثل منعطفا جديدا بالنسبة للمناوئين للدور البريطاني، وسيؤدي إلى تأزم الوضع في الإقليم بشكل أكبر.

 

ويستبق هذا الأمر تعيين المبعوث الأممي الرابع إلى اليمن، كما يقدم تفسيرا لحالة التعثر في الملف اليمني، وتشابك مصالح الدول المتصلة به، وتقاطعها أيضا، خاصة مع غموض موقف الحكومة المعنية، وعدم صدور ما يؤكد موافقتها على هذا التدخل، أو المكاسب التي ستحققها.


التعليقات