الفنان ذي يزن العلوي في حوار مع "الموقع بوست": الفن التشكيلي أسلوب حياة ونمط لمقاومة الحرب
- حوار: صلاح الواسعي الاربعاء, 16 فبراير, 2022 - 07:04 مساءً
الفنان ذي يزن العلوي في حوار مع

[ الفنان التشكيلي ذي يزن العلوي ]

أن تكون فناناً تشكيلياً في بلدٍ مثل اليمن مسألة في غاية الخطورة، الأمر يشبه الدخول في حقل الغام، من يقرر أن يصبح فناناً تشكيلياً في مجتمع كل همه كيف يجد قوت يومه يستحق بجدارة لقب المغامر، ومن يستطع الصمود أمام كل التحديات والاحباطات ويحقق النجاحات ولو البسيطة يستحق لقب المحارب.

 

"يزن علوي"، فنان تشكلي شاب له لوحات إبداعية مهمة يعرف عن نفسه بأنه فنان شارع، وهي الصفة التي يتعرف بها أمام نفسه وأمام الجميع كما يقول.

 

بريشته يقاوم الحرب ويرمم النفوس التي شوهتها الحرب، هو ناشط إنساني بريشته، له الكثير من اللوحات الفنية، يقول إنه لا ينتمى إلى أي مدرسة من المدارس الفنية، وهو ضد التأطير وضد الألوان، يحب الرمادي، لذلك كثيرا ما يتجلى ذلك في لوحاته الفنية، ربما الحرب جعلته يقف في تلك المنطقة الرمادية اتقاء لنيرانها التي باتت تلتهم الجميع.

 

يزن علوي شاب مبدع مقاوم إنساني من نوع آخر، ريشته جميلة وألوانه رائعة له مشاركات واسهامات في التعريف بمعاناة الإنسان اليمني من خلال عدد من اللوحات التي عرضت في عدد من المدن الأروبية بريطانيا وسويسرا تحديدا يطمح لبيع لوحاته لإقامة معارض ولتفعيل دور التثاقف الفني بين اليمن وبلدان أخرى.

 

 هذا الحوار الذي أجراه "الموقع بوست" معه يتطرق لعدد من القضايا العميقة التي تتعلق بالفن التشكيلي في اليمن

 

نص الحوار:

 

*سؤال لابد منه، من هو ذي يزن العلوي؟

 

**حاليا، شاب ناشط وفنان.

 

شاب لديه تطلعات حالمة، ناشط لمقاومة الحرب، فنان ارسم بكل وقت، وأكتب في بعض الأحيان.

 

*ماذا يعني لك الفن التشكيلي؟

 

**الفن التشكيلي هو الوسيلة التي أنقل بها كيف أرى العالم، وماذا تعني لي الأشياء والمعاني والقيم.

 

الفن هو اللغة التي تنتقل من الخيال والذات إلى الآخرين، ويختلف غرض الفن من عدة نواحي، وبما أننا نعيش في بلد يعاني من الحروب والأزمات، فنحن ملزمون لمقاومتها بالفن، والدعوة للسلام والتعايش وحماية الناس ببث الأمل والإلتزام بالإنسانية.

 

 الفن هو أسلوب حياة ونمط لمقاومة الحرب، هذا بالنسبة للفن الآن وبالنسبة للآخر وفي الوقت اللاحق هو توثيق وتأريخ للحرب والجرائم لكي لا تحدث مجددا.

 

*إلى أي مدرسة تنتمي أعمالك التشكيلية؟

 

**الرمزية والتعبيرية والسيريالية والتكعيبية، لا أنتمي لأي مدرسة، في كل مرة أدمج أساليب كثيرة، وارسم، لا أعرف كيف أصنفها، ولا أريد تصنيفها تحت أي مدرسة أو تيار.

 

كل فنان يستطيع الاستقرار في مجال فني معين، لكن بالنسبة لي تختلف وظيفة الفن من وقت لآخر.

 

لكن يمكنني أن أقول إنه قريب من "الحركة الدادية" التي ظهرت بعد الحرب العالمية، وكانت مدرسة نقدية وساخرة.

 

*تبدو أعمالك التشكيلية شديدة الرمزية، مع أنها تحاول أن تقترب من إدانة الحرب، هل يفترض بالفنان أن يكون مبهماً ليتم فهمه؟

 

**أنا فنان، وأعيش في بلد تحت حروب، دائماً نحن مهمشين، ونعبر عن الفئات الأكثر تهميشا في المجتمع، وتظل أصواتنا صماء.

 

أعمالنا هي طريقة لصوت ضد الحرب وإدانة الجناة والمجرمين، وطريقة جداً مهمة للضحايا الذي سقطوا وأصبحوا مجرد أرقام.

 

الفنان هو إنسان يتجول ليكتشف عالمه، هو ليس مهني أو موظف أو حتى ناطق رسمي بإسم الناس.

 

هنا قوة الفنان أن كل الشخصيات تلتقي نقاطها حوله، ويصبح رمز مشترك للجميع، حتى عندما يرسم أي وحش يحتملوا أنه يرسم عدوهم.

 

عندما يكون مبهما فهو عندها يعبر عن الجوهر جوهر كل شيء حقيقة المفهوم نفسه في كل وقت وزمان، لذلك ما زالت كثير من الأعمال خالدة حتى الآن، لأنها جوهرية قد لا تفهم في وقت معين، لكنها تظل صرخة قوية في التاريخ كله.

 

*هل ترى من الضرورة أن يكون الفنان مبهماً؟

 

**لا يجب للفنان أن يكون مبهما، لكنها طريقة استخدمها لكي لا أحصل على أضرار من نقدي للواقع، وأيضا جعلها تحتمل أكثر من معنى وتكون صالحة لأكثر من زمان ومكان.

 

*الكثير من رسوماتك التكوينية تظهر الإنسان ذكراً أو أنثى بأعضائهم التناسلية الواضحة، ما الرمزية التي تحملها طغيان الجنسانية في لوحاتك التشكيلية؟

 

**اختلاف ثقافة الإنسان من مكان لمكان هي التي جعلتنا نشعر أن نحن كائنات مختلفة، لذلك كان يجب علي أن أعيد الانسان لمرحلته الأولى. شكله الأولي من دون التأثر بأي ظروف معينة، لتجعل كل إنسان يدعي أنه متفوق على الآخر أو أنه من نسل مقدس، ارسم العري لكي أثبت أن نحن جميعا كائن واحد، فقط الظروف هي من صنعت الفروقات الكبيرة بيننا.

 

ثاني شيء هي قدسية الجسد ظهور الاعضاء التناسيلية يعد شيء معيب في عدة ديانات حول العالم، لأنها تجرح الحياء العام.

 

لا أرسمها بطريقة وحركات توحي بالإباحية والجنس، بل أريد اكتشاف العلاقة العاطفية والروحية الكامنة من اندماج الذكر والانثى، والتركيز أن الجنس أداة روحية وعاطفية تنمي أرواحهم وأنفسهم وجعلهم أكثر كمالا.

 

وهذا الشيء قمت به لأن الجنس أصبح أداة عنف كاملة في مجتمعنا حتى أنه أصبح أداة للعنف السياسي أيضا ضد أعدائهم.

 

الجنس يمتلك هالة محظورة في مجتمعنا و هو واحد من أكثر التابوهات حساسية، لا أجادل فيه لكي أحصل على الشهرة، بل أجادل فيه لأثبت نظرتي نحوه، لأكتشف العلاقة الكونية والبشرية التي ساعدتنا على الاستمرار لآلاف السنين.

 

*ما الفرق بين الرسم على الجدران "فن الشارع" والرسم على الورق؟

 

**فن الشارع هدفه عام جداً لتحويل الشوارع إلى متحف عام، وأيضا ساحة للاحتجاج السياسي والمطالبة بالحقوق، هو أيضا ساحة لأقول موقفي تجاه قضية معينة، وهو يمتلك فضاء واسع جدا أستطيع القيام بأي شيء فيه.

 

بالنسبة للرسم بالورق هي عبارة المخطوطات والمسودات الأولية لما أريد القيام به في الشارع، هي صغيرة وحساسة جدا، كلاهما بنفس الدرجة يحتاجان للوقت والجهد والدقة مع اختلاف جوهرية بينهمها.

 

*هناك من يرى أن فن الشارع (الجرافيتي) آني وقد لا يحقق أهداف فنية بعيدة المدى بقدر ما يطرق المسألة الاجتماعية والاقتصادية، كيف يمكن التوفيق بين أن تكون ناشطاً اجتماعياً وفناناً مقتدراً؟

 

**فنان شارع هي الصفة التي أعرف بها نفسي أمام الجميع، حتى عندما أحضر ورشات عمل مع متخصصين وخبراء في مجالات عديدة يستغربون من تعريفي هذا.

 

وهذا يرجع لأن فن الشارع ما زال مصطلح ومجال يتعرض للجدل، هو حديث نسبيا ولم يمتلك شرعية كبيرة مثل شرعية المدارس الفنية لكنه استطاع اثبات نفسة بوجود فنانين عالمين استطاعوا الوصول لشهره واسعة ويبيعون أعمالهم بأسعار خيالية وذلك لدخولهم عالم المزادات والمتاحف. هذا الشيء الذي جعل هذا المجال معترف به.

 

هناك مدن عالمية خصصت شوارع خاصة للرسم عليها، وأصبحت مع الجدران التي رسم عليها أشهر الفنانين مزارا للسياح والمهتمين والمعجبين بهذا الفن.

 

فن الشارع يتعرض لكل الظروف لأنه أمام الناس. هناك اعمال انية عن قضايا يومية وهناك أعمال بالورق تلصق في الجدران، فهو عرضة لإنتهاء رخم القضية وتعرض العمل للطمس، انه لا يمتلك الحماية وهذه ليست سلبية فيه، لأن هناك فنان ما سيأتي لرسم شيء جديد في نفس المكان.

 

الأسلوب الفني الجديد والفريد من نوعه والقضية التي تطرحها هي الوسيلة التي نقوم بها بجذب العامة إلى العمل الفني وفتح نقاش واسع حوله واهتمام الصحافة به، لا لم يعد الفنان بحاجة إلى محكمين فنيين من المؤسسات الفنية، بل يحصل على شرعيته من الجمهور.

 

*يلاحظ اهتمامك بالجسد البشري على اللون ما دلالة غياب المهرجان اللوني في لوحاتك؟

 

**بالنسبة لي العالم هو مجرد عالم رمادي وكل الألوان جوهرها الأصلي هو الرمادية، سوف تتدرج الألوان جميعها إلى أن تصل للرمادي.

 

غياب الألوان يعني غياب التصنيف، أريد أن أبحث عن حقيقة المفاهيم والوجود والقيم من ناحية أحادية، ولكي لا أقدم مساحة بأي لون لتجعل أعمالي تحتمل تصنيف معين.

 

أريدها أن تظل رمادية بدون قيمة أو مفهوم أو معيار وهذه اقتبست من حياتنا الرثة التي غيبت كل الحقائق وجعلت الوهم الكاذب هو السائد.

 

استخدم أحيانا الألوان، وذلك لكي أغير الروتين الفني، بنفس الوقت أعيش تناقضات فنية وهذا الذي يجعلني أعيش الفن كتجارب وكشغف دائم.

 

*كيف يمكن أن يخدم الفن التشكيلي في قضايا السلام في اليمن؟

 

**الفن والثقافة هي بالنسبة لي تعويذة لتحقيق هذا الشيء، ولو تابعت المبادرات الفردية والجماعية في السوشيال ميديا التي تستخدم الفن والثقافة سوف ترى كيف تنظم لها كل الفئات من كل المناطق من دون وجود أي تفرقة.

 

هي رموز مشتركة تحمل كل مفاهيم المجتمع داخلها. وتصهر كل إختلافاتهم، مهما تحارب اليمنيين سيظل الفن هو الذي يحمل الجوهر الكامن لحقيقة وجودهم الإجتماعي.

 

الفن والثقافة هي البنية التحتية لبناء السلام، فكما ترى أن كل الأطراف تحاول إلغاء الآخر وبث خطاب الكراهية و بناء ثقافة جديدة قائمة على نزعة الإنتقام والقتل والتدمير.

 

وهذا الشيء يهدد وجود المجتمع اليمني. لذلك لكي نساهم في بناء السلام، يجب علينا استخدام الفن في وقت الحرب لحماية المدنيين وعند فض النزاع لبث الثقة وفي بناء السلام للعمل على لملمة جروحهم  بالفن، وأيضا بعد الحرب في العدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا وعدم تراكم العداوات. والفن في السلم يعني حرية الرأي والتعبير وركيز أساسية من ركائز الديموقراطية.

 

*كيف أثر غياب الفن التشكيلي كمجال أكاديمي في الجامعات في اليمن على حركة الفن وتطوره؟

 

**أثر من ناحية عدم وجود حركة فنية في اليمن فكلها تعد إسهامات فردية، وجدت حركات فنية لكنها أجهضت من قبل الفنانين أنفسهم. عدم وجود معارض ومتاحف ومراكز ثقافية وأهم شيء لعدم وجود كتب فنية ليستفيد منها الهواه.

 

*كيف أثرت الحرب في اليمن على الفن التشكيلي؟

 

**جانب سلبي، سلبت الحقوق والحريات والمجال المفتوح لممارسة فنهم، جعلت الاهتمام الكامل هو في توفير قوت اليوم.

 

الجانب الآخر ليس ايجابي طبعا، لأنه لا يوجد معيار إيجابي في الحرب.

 

لكن خلال السنوات الأخيرة ظهر جيل من الشباب والشابات من لديهم أساليب فنية عديدة ويسخرون فنهم للمجتمع.

 

وهذا أتى بسبب انفتاحهم في الفضاء الاليكتروني وتعلم التقنيات الجديدة وصولا للتصميم الجرافيكي وغيره.

 

*ما هي هموم وتطلعات الجيل الجديد من الفنانين التشكيليين الشباب في اليمن في الوقت الحالي؟

 

**تطلعاتنا توثيق ما يحدث الآن، لكي لا يتكرر أبدا، أيضا الحفاظ على ما تبقى من ثقافتنا وفننا وتراثنا، والاسهام في تعافي المجتمع من جروح الحرب، والهموم هي في خساراتنا المتكررة للمتنفسات التي نستغلها في ممارسة الفن.

 

يوجد الكثير من المشاكل بخصوص الفن التشكيلي في اليمن، أنه لا توجد معارض فنية متخصصة في عرض الاعمال الفنية والترويج للفنانين.

 

وأهم شيء هو غياب النخبة وكبار التجار والاثرياء  وجهلهم لقيمة الفن، اللوحات الفنية تعد تحف، واستثمار بنفس الوقت،  غيابهم جعل الفنانين يلجؤون إلى المجالات الاعلامية والتجارية واستخدام فنهم فيها.

 

أهم شيء أريد الاسهام فيه خلال الفترات القادمة، هو تسخيرها في الاستثمار المعرفي في التبادل الثقافي.

 

نحتاج أن ننقل الفن اليمني للخارج ونقل ما يحدث هنا، وأيضا استقطاب فنانين من كل المجالات وعقد شراكات مع الفنانين اليمنيين وتبادل الخبرات، وهذا سوف يساهم أولا في نقل معرفة الوضع الحالي اليمني للدول العظمى كتلك قرار دولي بشأن الحرب في اليمن. وجعل المجتمعات المحلية هناك تتعاطف مع قضية اليمن ومطالبة سلطاتهم في التفاعل الايجابي للتأثير في قرارات السلام والحرب وصفقات بيع الأسلحة.

 

وجانب آخر في تبادل الخبرات الفنية، ومواكبة الفنانين اليمنيين للفنون العصرية.

 

*ما هي أهم المعارض التي شاركت بها؟

 

**لم أشارك في معارض، خلال العشر سنوات من عملي، ركزت فيها على الشارع فقط، شاركت في معرض في 2013 وأحرقت أعمالي الفنية بعد ذلك.

 

لدي مشاريع فنية مشتركة مع فنان في بريطانيا، تناقشنا في فترة كورونا، وتحدثنا عن الحياة في اليمن والحرب وبشكل أعمق عن الفن، وقام بإستخدام بعض كتاباتي ورسوماتي وتحويلها لملصقات، تم طباعة ألف ملصق ونشر بعضها في جميع انحاء المدينة.

 

 تم انشاء فيلم وثائقي قصير عن المشروع، ما زال لدينا الكثير من المراحل، المشروع باسم رسائل من اليمن، ونريد تحويله لمشروع أكبر.

 

المشروع الآخر تواصلت مع فاعلة ثقافية سويسرية من حوالي عامين ونحن على تواصل دائم. في فترة كورونا أنشأنا عدة أعمال فنية، كانت تلتقط صور من مدينة بيرن السويسرية وأرسم فيها رقميا قصص وأحداث من اليمن باسم "لحظات مهربة".

 

وفي الشهر الماضي تم إدراجي معها من قبل مجلس الفنون السويسري وهي منظمة حكومية تتبع المكتب الفيدرالي للثقافة. في مشروع تبادل ثقافي بعيد المدى بين سويسرا والمنطقة العربية.

 

*ما الذي تنوي القيام به في المستقبل؟

 

**أنوي القيام بأشياء كثيرة، أريد الرسم على شوارع عالمية، والقيام بمعارض وبيع لوحات، والأهم هو البحث في كيفية تطوير الفن في اليمن من خلال التبادل الثقافي، أريد إنشاء شبكة واسعة من الفنانين لكي نستطيع التطور بشكل يواكب العصر.


التعليقات