الموقع بوست يزور منزله ويكشف لأول مرة قطوف من حياته وقصائده
الشاعر الراحل "سعيد علوان" مؤلف أغنية "نوح الطيور" أحرق قصائده كاحتجاج وعاش مغترباً ومات غريباً
- أكرم ياسين الإثنين, 10 أكتوبر, 2022 - 12:30 صباحاً
الشاعر الراحل

[ الشاعر الراحل سعيد علوان قضى شطر حياته الأكبر في الغربة ]

يعرف اليمنيون أغنية "نوح الطيور" التي غناها الفنان اليمني المعروف أيوب طارش عبسي، مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وهي الأغنية التي تثير جذوة الشوق، ولواعج الحنين للوطن والدار، ورددتها ومازالت شفاه اليمنيين، وحفظتها ذاكرتهم المثخنة بمتاعب الأسفار، ومحن الاغتراب، بيد أن الغالبية ممن أطربت أفئدتهم تلك الأغنية الخالدة، المفعمة كلماتها بمواجع وألام الغربة، وعواصف الحنين للأهل والوطن، يجهلون شاعر تلك الأغنية المرهفة، وظروف ولادتها.

 

قد يكون جهل الغالبية بشاعر تلك الأغنية رغم شهرتها الواسعة مُتفهما ومقبولاً، لكن ذلك الجهل او التجاهل - إن جاز التعبير- لم يكن مقبولاً ولا مبرراً من المشتغلين والمهتمين في المجال الأدبي والثقافي اليمني، نقاداً وشعراء وفنانين، والأمر ذاته ينطبق أيضاً على المثقفين والمسئولين في وزارات الثقافة، في الحكومات اليمنية المتعاقبة، طيلة ما يقارب أربعة عقود، والتي تجاهلت كاتبها والتعريف به وإنصافه، وصون إرثه الشعري الثمين، الذي بعثرته سنوات التجاهل الطويلة، وسوء تقدير أبنائه المؤسف.

 

إنه الشاعر سعيد علي علوان، الذي كان الموقع بوست أول وسيلة إعلامية تزور مسقط رأسه، وتلتقي بأبنائه ومعارفه، بُغية الحصول على سر الغموض الغريب، الذي اكتنف حياة شاعرا من جيل الشعراء الكبار، وإزالة تراب التجاهل والنسيان غير المبرر، الذي قُدر لسعيد علي علوان رُبيعه أن يدفن تحته، والكشف عن إبداعه الشعري، وإطلاع الجمهور والمهتمين عليه، والمطالبة بإنصافه بعد رحيله، وتكريمه بحفظ قصائده في ديوان شعري.

 

أكثر من باحث ووسيلة إعلامية وقناة فضائية سبقونا كما أخبرنا نجله الأكبر "ناصر" للحصول على سيرة وقصائد والده، فعادوا جميعهم بخفي حُنين، لكننا في "الموقع بوست" تمكنا بعد جهدٍ مضن ٍ من اقناع "ناصر" بفتح صندوق ظل مغلق لأكثر من نصف قرن، يحوي سيرة ودرر ونفائس شاعر جار عليه الجميع، جهلاً بكنهه وقيمته.

 

 

قصائد الشاعر " سعيد علي علوان رُبيعه" التي سنعرض مقتطفات من بعضها في هذه المادة تُخبر الجميع بفداحة الضيم، والنكران والجحود، الذي طاله من الأبناء والأهل، قبل الزملاء والوطن، وكل من له علاقة بالثقافة والأدب كتابةً ومسئولية.

 

البدايات الأولى

 

في دار عتيق يطل على وادي "أدهم" الخصيب في قرية "قَحفة الحَمام" بعزلة المساحين، التابعة لمديرية الشمايتين، جنوب غرب محافظة تعز- وسط اليمن - وُلد الشاعر سعيد علي علوان رُبيعه المساح عام 1939م، وهي الحقبة التي كان اليمن خلالها يرزح تحت نيران الحكم الإمامي، والمعروفة ببؤس الحياة، وانعدام فرص التعليم، وتوفي في العام 2001عن عمر يناهز 62عاماً، وهو النجل الأكبر لثلاثة أشقاء من والده، ومن عجائب القدر أن تنسب قرية الشاعر لطائر (الحَمَام) كرمز للمحبة والسلام، وأن يكون الشاعر أحد طيور الوطن المهاجرة.

 

يروي ولده "ناصر" (43 عاما) قطوف من سيرة والده، وفقا لما سمعه منه، أو من خلال معايشته لمحطات من حياته، ويشير إلى أن والده كان محظوظا إلى حد ما بين أقرانه من أبناء قريته، وذلك عندما ألحقه والده بالكتاتيب، ليتعلم القرآن الكريم، وبعض من قواعد اللغة العربية، على يد أحد الفقهاء، وكان والده حريصا على تعليمه، رغم معاناته من الاغتراب، عندما هاجر إلى عدن، ومنها إلى جيبوتي بعد فشل ثورة 1948م، وتدهور الأوضاع المعيشية، وبعد فترة قصيرة، غادر سعيد ليلحق بوالده إلى جيبوتي، وهو لم يكمل السنة الثالثة عشر من عمره، وبعد أن تعلم القراءة والكتابة بقدر كاف،  لكن الأقدار شاءت له وضعا آخر، فقد توفي والده، وتجرع مرارة اليتم مبكرا، ولم يكمل عقده الثاني بعد.

 

رحلة الثقافة

 

عُرف "سعيد علوان" بشغفه بقراءة دواوين أشهر الشعراء العرب، كالمتنبي، وأحمد شوقي، ودفعه شغفه ذلك لاقتناء بعض منها، ككتاب "الأغاني لأبي فرج الأصفهاني"، وغيرها، واستفاد من غربته في إثراء ثقافته الأدبية من خلال تلك الكتب، وألهمه ذلك ليكتب قصائده الشعرية، والتي بدأ بإرسالها للفنان أيوب طارش عبسي، ومن تلك القصائد قصيدته "ثورة الأشجان"، والتي عُرفت لاحقا بـ "نوح الطيور" التي غناها الفنان أيوب طارش، وذاع صيتها، وانتشرت بشكل كبير.

 

وبالنظر الى قصيدة "الذكريات" المكتوبة بخط الشاعر، وهي القصيدة الوحيدة التي سمح نجله ناصر بتصوريها كاملة، يتضح التزام الشاعر بنمط الكتابة الذي تعلمه لدى فقيه "الكُتاب"، تقول القصيدة المعنونة بثورة الأشجان:

 

نوح الطيور أثار في الأشجان

لمن بقلبي حبهم تمكن

 

 وزادني فوق الهموم أحزان

 فراقي المحبوب وغربة الدار

 

أبكي وأنوح على فراق الأحباب

وأعيش في الغربة شاقي معذب

 

أسائل الناس من أتى ومن غاب

عن من لهم في القلب نصب تذكار

 

أعيش غريب حيران جسد بلا روح

أهيم وجدان والفؤاد مجروح

 

وكم أبات مع السهاد للصبح

أرسم لأحبابي صور وأشعار

 

أشتاقهم شوق الزهور للماء

شوق العيون للنور بعد ظُلمة

 

وأحلم بساعة التلاقي كلما

ذكرت ماضي بالنعيم يزخار

 

ليه يا زمن فرقت بيننا البين؟

وأحرمت من دنيا السعادة قلبين؟

 

ليا سنين أشكي الفراق والبين؟

وأستجدِ نفعاً من زمان قد جار

 

مالي من الدنيا وكل مُغري

مالم يكن جنب الحبيب وكري

 

قُرب الحبيب جنات نهور تجري

ومن فراقه العذاب والنار

 

لولا الأمل بالقرب والتداني

لذبت وجداً من أسى زماني

 

عسى الذي بالبعد قد بلاني

يجمعنا بعد الفرقة والتذكار

 

وبالنسبة للأبيات الأخيرة فقد حذفها الفنان أيوب طارش من أغنية "نوح الطيور"، وفقا لنجل الشاعر سعيد.

 

قضى "سعيد علوان" قرابة أربعين عاماً من عمره مغترباً عن وطنه، منها 30 عاماً في جمهورية جيبوتي، وقرابة عشر سنوات في المملكة العربية السعودية حتى عودته النهائية لأرض الوطن، بعد حرب الخليج الأولى في أغسطس/آب 1990، وامتهن بعد ذلك مهن حرة لإعالة أسرته، وخلال رحلة الاغتراب، كان يزور عائلته في مسقط رأسه كل أربع أو خمس سنوات، ويقيم معهم لبضعة أشهر، ثم يعود لحياة الغربة من جديد، وفقا لنجله ناصر.

 

سيرة معاناة وشخصية تكره الظهور

 

يسرد ناصر قصة والده لـ "الموقع بوست" بمزيج من الحسرة والحزن، فهي سيرة بالنظر إليها مزيج من الألم والبعد عن العائلة، والمعاناة من الاغتراب، واليتم المبكر، ويعلق على ذلك البقول: "لك أن تتخيل حجم الألم النفسي لصبي حُرم من حنان الأب، وعطفه، ورعايته، وحُرم من الوطن، بكل ما يعنيه من أرض، ومرتع، وأهل، وأمان، واحلام".

 

 غير أن تلك المعاناة وقساوة الظروف ومرارة الغربة، كما يتضح من عطاء "سعيد" الأدبي والثقافي، لم تزده سوى تشبثاً وحباً لوطنه اليمن، ولأهله وداره وهو ما انعكس على قصائده الزاخرة بمشاعر الحنين للأهل والوطن.

 

 

يشير ناصر إلى أن والده كان يتميز بالتواضع والبساطة، وذو شخصية خجولة، ويأنف الشهرة وحُب الظهور، وكان إذا جمعه مقيل مع الناس وطُلب منه اسماعهم بعضا من قصائده يعتذر خجلاً، لدرجة "أنني عرفت وأنا ولده الأكبر، وأقرب الناس اليه من ناس أخرين أنه صاحب كلمات أغنية نوح الطيور بسنوات.

 

يضيف ناصر مقيما وضع والده: " أثرت هذه العوامل بالإضافة للظروف الاقتصادية الصعبة، بشكل سلبي على موهبة والدي الإبداعية، وحالة نتاجه الشعري وجمهور المتلقين".

 

قصة نوح الطيور

 

بالنسبة للتعاون بين الشاعر الراحل سعيد علوان والفنان أيوب طارش، فقد توقف التعاون بينهما، رغم النجاح الكبير الذي حققته أغنية "نوح الطيور" ويحكي والده تفاصيل من تلك العلاقة، ويشير إلى أن والده أرسل كلمات الأغنية للفنان أيوب طارش، عندما كان مغتربا في جيبوتي، ويتذكر بأن والده أخبره أنه أرسل قصيدتين لأيوب، هما قصيدة "هيجت أشجاني ياذا المسافر" وقصيدة "متى أعود لقريتي وأهلي"، لكن أيوب لم يغنهما، بسبب مطالبة والده بحقوقه المالية.

 

يكشف "ناصر" بأسى عن خيبة الأمل المريرة التي انتابت والده بعد عودته من الغربة، وعدم اهتمام الجهات الرسمية بتكريمه كأحد الشعراء المميزين، ولقي الخذلان من الجميع، بما فيهم من يصفهم بالمتربحين من أغنية "نوح الطيور"، دون أن يمنحوا كاتب كلماتها أبسط حقوقه المادة والمعنوية حتى الآن.

 

ذلك التجاهل والخذلان غير المبرر أصاب والدي بحالة اكتئاب، دفعته لإحراق العشرات من قصائده في تنور الخبز، وما بقي بعد وفاته لا يمثل سوى النذر اليسير من إرثه الشعري الغزير.

 

أدب المهجر

 

الأكاديمي المختص في الشعر الغنائي اليمني الدكتور "نزار غانم" المقيم في جمهورية السودان يقول إن هموم ومعاناة الفنانين اليمنيين، وما آلت اليه أوضاعهم بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة أدى لتعطل الحركة الفنية في اليمن، وأجبرت عشرات الفنانين على هجرة العودة وربما الوطن، مشيرا في حديثه لـ "الموقع بوست" عن الشاعر الراحل "سعيد علوان" وأغنيته "نوح الطيور" إلى أنه يعيش حاليا نفس تجربة الاغتراب، وفراق الوطن التي عاشها الراحل "سعيد"، معتبرا ذلك يجعله كباحث أكاديمي وفنان يعيش ذات المعاناة اليوم.

 

يقول غانم بأن اليمنيين هم أكثر شعوب العالم عدداً وأسبقية في مواطن الاغتراب، ومنافي الشتات، فلا يوجد بلداً في الكرة الأرضية إلا وفيه لليمنيين حضوراً متميزاً وفعالاً، لما يتسم به اليمني من دماثة أخلاق، وأمانة وتفانيه في عمله، وقدرته على التكيف والتعايش مع مختلف القوميات والثقافات، الأمر الذي أكسب اليمنيين قبولاً ومكانة في مواطن الاغتراب، لدرجة وصول الكثير منهم الى تبوء مناصب مهمة في الكثير من الدول.

 

 

ويردف بالقول: "ولأن المعاناة تولِد الإبداع كما يقال، وكون الغربة ليست نعيماً كما يتوهم الكثيرون، فهي وإن توفرت فيها سبل الراحة يظل مُرُ عيشها وموحشة لياليها، ومن وقع الالام ومكابدات الغربة تمخضت إبداعات شتى عُرفت بأدب المهجر."

 

ويشير إلى أن كلامه هذا يأتي بغرض تعريف القارئ بعلاقة اليمني الأزلية بالغُربة، وما تعنيه من مشاعر الفُقد والحرمان، والحنين الدائم لمسقط الرأس والاهل والوطن، فهي عناء ويأس واشتياق وغربة كما صورها الراحل محمود سامي البارودي، ولذلك انعكست معاناة المغتربين في أعمال إبداعية مختلفة، شعر وقصة ورواية وغيرها، ويكاد يكون الشاعر "سعيد علي علوان رُبيعة" من أبرز شعراء وأدباء المهجر اليمنيين الذين صوروا معاناة المغترب اليمني، في مواطن الاغتراب، بلغة شعرية، رغم بساطة ألفاظها إلا أنها مترعة بمشاعر اللوعة والحنين الحزينة.

 

يضيف الدكتور نزار بالقول: "حين تستمع لأغنية "نوح الطيور" للشاعر سعيد علوان التي أضفى لحن الفنان الكبير أيوب طارش وصوته تأثيراً وجدانياً ساحرا لكلمات الأغنية تجعلك تعيش مع المغترب محنة الاغتراب وتشاركه مكابداتها."

 

وأستطرد غانم في حديثه "للموقع بوست" قائلاً: "في لحظة اشتياق عاصفة تناهى الى مسامع الشاعر "سعيد علي علوان" صوت طيورٍ نائحة، فهيجت أشجانه لمراتع صباه، وأهله، ووطنه، فاستل يراع المعاناة ليكتب بحبر المأقي كلمات أغنية (نوح الطيور) التي ذرف الألاف من المغتربين اليمنيين دموعهم الحرى على إيقاعها المرهف الحزين، وكيف يعيش المغترب حياته في الغربة جسداً معذباً، فيما روحه وقلبه ظلا مزروعان في تراب الوطن، يعوفان كل إغراءات الغربة الخادعة".

 

يستعرض الدكتور نزار غانم أبيات أغنية "نوح الطيور" ويقول بأن تلك القصيدة، وأغلب قصائد الراحل "سعيد علوان" تنقل الوطن بأجوائه وناسه وأشجاره الى موطن الاغتراب، وهي قصائد تحفل بمشاهد الحياة اليومية البسيطة لأبناء اليمن، وخاصة في الريف فتجد "المشاقر، والحناء، والحضائر، والمراعي، والبن، والمهاجل....إلخ، وتنقل المُقيم في داخل الوطن الى حياة الغربة وقسوتها وعذاباتها، وكيف يعيش فيها حيران جسد بلا روح، مجروح الفؤاد، ينهشه أرق الليالي بلا رحمة، إنه بث وجداني حي، عابر للحدود، يعبر عن روح الانتماء للوطن ومتانة الارتباط بترابه، حسب وصفه."

 

شاعر غنائي كبير

 

نقلنا جزء من قصائد الشاعر الراحل "سعيد علي علوان" التي سمحت عائلته بتصويرها إلى الأكاديمي المختص بالفن اليمني نزار غانم للتعليق عليها، وقراءتها من وجهة نظر ثقافية وفنية.

 

يقول "غانم" معلقا عليها بالقول "على الرغم من أن الراحل لم يؤرخ لميلاد كتابة كل قصيدة على حده، حتى يعرف الباحث التسلسل الزمني لكتابة القصائد، لكن يتضح من تلك القصائد التي بين أيدينا أن علوان شاعر غنائي بامتياز، يكتب القصيدة الغنائية (الحُمينية) بإحساس وجداني مرهف وتمكن.

 

وعبر الأكاديمي "نزار غانم" في ختام تصريحه لـ"الموقع بوست"" عن أسفه الشديد أن يبقى الشاعر "سعيد علي علوان" مجهولاً كل هذه السنين الطويلة، ويُحرم الوطن من التغني بقصائده الفريدة، فمهما جار الزمن عليه إلا أن الشاعر لأسباب خاصة نجهلها قد ساهم في إهدار فرص ثمينة، ولو كانت هناك ظروف أفضل بكثير فيما لو أحسن استغلالها ستضعه دون شك في المكانة اللائقة به رفقة كبار الشعراء الغنائيين اليمنيين، وفق تعبيره، داعياً أبناء الشاعر بسرعة تجميع إرث والدهم الشعري الثمين، وإصداره في ديوان شعري، كأقل ما يمكن فعله لسعيد بعد أن ظلم بما فيه الكفاية.

 

من أبرز قصائد الشاعر

 

(1) الذكريات كاملة

 

هيجت أشجاني ياذا المسافر

ذكرتني بصنعاء والمعافر

 

حسيت في صدري كأن طائر

ينفل جناحه من بلل ماطر

 

ذكرتني بقريتي الجميلة

والجدول المنساب والخميلة

 

ذكرتني بالأعين الكحيلة

وللحُلي والحناء والمشاقر

 

ذكرتني براءة الغواني

ونكهة القهوة من الصياني

 

ذكرتني بمن سكن حناني

ومن أسر حسي مع المشاعر

 

ذكرتني بالكاذي والخُزامة

فأضرمت نار الشوق والندامة

 

ذكرتني للزرع والسنابل

وموسم الأمطار والمهاجل

 

ذكرتني بالبُن زهور وحامل (1)

 والجانية بين الغصون داير

 

ذكرتني شمس الشتاء وبردُه

ذكرتني فل الربيع وورده

 

ذكرتني صيف اليمن ورعده

والرِعية والبوش (2) والحضائر

 

ذكرتني للطل فوق الأزهار

يهدي لشمس الصُبح بريق ساحر

 

ذكرتني ظلال آذار ومَبكر (3)

مع النسيم يداعب الضفائر

 

 ذكرتني ولم أكن ناسي

حديقتي الغناء وأرض ناسي.

 

معزة الأحباب فوق رأسي

وإن قسى دهري فإني صابر

 

1- حامل يقصد البُن حين يتحول إلى حبوب حمراء فوق الشجرة، والجانية: المرأة التي تجني ثمار البن.

 

2-الرِعية مهنة الرعي، والبوشي هو نبات الحشائش الذي تأكله الحيوانات.

 

3- مَبكر اسم زراعي يطلق في ريف محافظة تعز لشهر بذر الحبوب في الأرض وبداية موسم نزول المطر.

 

(2) قلب الغريب وتتكون من 14بيتاً

 

مر النسيم فذكر المُفارق

لمن معه بودهم وثائق

 

وماهيج الأشواق والحرائق

إلا شذى العوسج والزنابق

 

ليت النسيم تجنب الإشارة

ولم يزيد لوعته مرارة

 

أما درى أنه رقيق حساس!

يهمه مالا يُهم بقية الناس

 

يعرف إذا الريح أتت بأنفاس

من الحبيب والعبير عابق

 

(3) ثورة الأشواق 14بيتاً

 

لي ذكريات تهيج المشاعر

لي ذكريات مع حبيب فاخر

 

أبا الزمان أن يَجبُر الخواطر

 ونلتقي ولو لقاء عابر

 

قسوة الأيام والليالي

قد بعثرت ما كان في خيالي

 

(4) قصيدة الربيع 15بيتاً

 

عاد الربيع بفرحته وعرفُه

يشمل جميع أهل الهوى بعطفه

 

ما من محب إلا وعاد لألِفُه

يشم عرف الورد قبل قطفه

 

نسنس شذى الكاذي من الملامح

وخرس الريحان بخد ناعس

 

وفاح عرف الفل من العرائس

وأنت دون الناس وحيد بائس

 

(5) طبع الهوى 18بيتاً

 

الله معك يا قلبي المعذب

بحب من يبخل بنظرة العين

 

احِرَق وذوب ومن دموعك اشرب

مادام تُحب احمل لواعج البين

 

طبع الهوى بالحالتين غلاب

حزني فرح ساعة عذاب سنتين

 

ما كلفك لعشقة الثريا

وفي الثرى كم من جميل ساحر

 

(6) برج السماء 12بيتا

 

كل القلوب تابت وقلبي ما تاب

اذا سمع داعي الهوى أجابه

 

وفي سبيل الحُب كم تعذب

ولا وفى عند الحبيب نصابه

 

يزرع زهور الحُب ويحصد أتعاب

والصد والحرمان من حسابه

 

(7) متى أعود 14بيتاً

 

متى أعود لقريتي وأهلي؟

واحط من بعد المشقة رحلي

 

وأي حين يا رب عيشي يحلي؟

بلقاء من يفرحوا بوصلي

 

أي حين أعود وتلتئم جراحي؟

وارتاح من أناتي من نواحي

 

وافرح اذا ما لاح لي صباحي

من بعد ليل حالك لم يرق لي

 

(8) سحر الجمال وتتكون من 16بيتاً

 

قمري اليمن ما فيش قمر مثلك

ولا رأت عيني نظير حسنك

 

طيب العطور من عرف ورد خدك

والشهد والترياق رحيق ثغرك.

 

إنته أمير الغيد بلا منازع

من نازعك مُلك الجمال ضائع

 

سحر الجمال إنته مليح رائع

ما سحر هاروت إلا بعض سحرك

 

وإن يكن منك الصدود عادة

فإنه لي مصدر السعادة

 

وإن نفذ حلمك بلا إفادة

أنا بأمر الحُب مطيع أمرك

 

(9) مصدر الفرحة وعدد أبياتها 14بيتاً

 

من أين لي يا ناس قلب سالي؟

وأنا بعُرف أهل الهوى مثالي

 

وكيف طعم العيش ما صفى لي؟

من يوم خطر غصن القنا قُبالي.

 

وما على من حب حُب طاهر

من لوم إذا لم يألف المساخر

 

ماناش حجر لي قلب ولي مشاعر

والعِفة من طبعي ومن خصالي

 

(10) نار المحبة وتتكون من 16 بيتاً

 

يا فاتني والفتنة أشد من القتل

جهد الصبابة فيك ما أُعاني

 

أشكي لمن؟ وأنت الغريم والعدل (1)

ولامعي غيرك حبيب ثاني

 

شاموت شجن وأنت ترى وتسمع

أفديك بروحي ارحمني من شجوني

 

1-العدل اسم يطلق في ريف محافظة تعز ومنطقة الحُجرية على عاقل القرية.

 

(11) ساجي العيون وتتكون من 14 بيتاً

 

ساجي العيون حُبك بقلبي نازل

حَط الرحال بين الضلوع داخل

 

حُبك جرى بالدم والمفاصل

مابيش فراغ كُلي بحُبك آهل

 

الطائر يغني للوطن

 

يغلبُ الطابع الحزين على كل قصائد الشاعر "سعيد علي علوان" التي اطلعنا عليها وعددها 30 قصيدة، بما فيها تلك التي تغزل فيها بالمحبوبة، كترجمة طبيعية لحنين قلب حرمته الغُربة القهرية حتى من متعة اللعب مع أترابه من الأطفال، ناهيك عن الحقوق الأخرى.

 

ومع ذلك الوجدان الإنساني الطافح بالحنين للوطن، والأرض والإنسان، كتب شاعرنا الراحل أيضا لليمن، ويتضح ذلك من القصيدة التي كتبها بعيد الثورة السبتمبرية الخالدة 26سبتمبر/أيلول1962، والمعنونة بـاليوبيل الفضي لثورة النور، والتي ننشرها هنا لأول مرة:

 

اليوبيل الفضي لثورة النور

قد هَل علينا والجميع مسرور

 

وجيشنا المغوار مهاب منشور

وأرضنا بالمنجزات معمور

 

يهناك يا شعب اليمن بعيدك

والله من خيره الوفير يزيدك

 

فأقرأ من القرآن على شهيدك

وارعَ النعم خليك شكُور مشكور

 

يوم الخميس قد قامت القيامة

على الظلام والظلم والإمامة

 

وثاروا الأحرار للكرامة

وأسسوا عهد العدالة والنور

 

من مننا لم تشمله الفوائد؟

المدرسة والطب والمعاهد

والكهرباء والأمن مضاء بالدور


التعليقات