قال إن الشعب اليمني مضياف وأكد إمكانية مقاضاة توتال وشكر مسؤولين يمنيين
الصحفي الفرنسي كونتين مولر مُعد تحقيق المياه السوداء لتوتال في اليمن في حوار مع الموقع بوست: رد الشركة كاذب واستغلت ضعف الحكومة اليمنية
- حوار – عامر الدميني الثلاثاء, 25 أبريل, 2023 - 11:57 صباحاً
الصحفي الفرنسي كونتين مولر مُعد تحقيق المياه السوداء لتوتال في اليمن في حوار مع الموقع بوست: رد الشركة كاذب واستغلت ضعف الحكومة اليمنية

[ من صور نشرها الصحفي الفرنسي مولر في تحقيقه عن مياه توتال السوداء في اليمن ]

كان تحقيق صحيفة (لوبس) الفرنسية صادما حول التلوث الكبير الذي تسببت به شركة توتال في اليمن، بما تضمنه من معلومات، وكشفه من حقائق، ظلت الشركة تخفيها، محدثة بذلك أكبر كارثة بيئية في اليمن، في ظل سلطات يمنية متقاعسة، ووضع هش يعيشه البلد برمته.

 

الموقع بوست كان أول المواقع اليمنية التي نقلت مضامين ما نشرته الصحيفة الفرنسية للعربية، واستكمالا لتسليط الضوء على ما ورد في التحقيق الفرنسي أجرى الموقع بوست حوارا عبر (الواتساب) مع مُعد التحقيق الصحفي الفرنسي كونتين مولر (Quentin Muller)، الذي سافر إلى اليمن، وتمكن من كشف العبث الكبير لشركة توتال في مدن اليمن الشرقية.

 

مولر تحدث عن تجربته الصحفية، وعن اليمن أيضا، ولقاءاته بالمسؤولين اليمنيين، وعن الكارثة البيئية لتوتال، وهنا أتوجه بالشكر والتقدير له على تجاوبه في إجراء هذا الحوار القصير، الذي أبان فيه عن الكثير من الحقائق والدروس، علما بأننا توجهنا بالعديد من الأسئلة لشركة توتال الفرنسية لاستفسارها عن مضمون ما ورد في التحقيق، لكنها أحالتنا إلى ردها الذي زودت به الصحيفة الفرنسية، ورفضت التعليق.

 

*هل من الممكن تلخيص أبرز ما توصلت إليه في تحقيقك للقارئ اليمني عن التلوث الذي تسببت به شركة توتال في اليمن؟

 

**منذ العام 1996 إلى 2015، قامت "توتال" ببناء بعض المنشآت القديمة، بشكل غير قانوني، وخارج المواصفات العالمية، والذي تعد خطيرة على الصحة والبيئة.

 

لقد بنوا مئات من البرك المستأجرة، لأجل تجفيف المياه المخلفة، لذا، فإن جميع الكيماويات تتطاير في الهواء، وما يتبقى يظل في قعر تلك البرك كطين سام، شاهدت عرضا عبر الأقمار الصناعية يبين أن كمية الطين بأكملها، التي خلفتها توتال، قابعة في قعر تلك البرك، وعليه فإن البقايا تتصرف بفعل الرياح، الفيضانات، والأمطار، وهنا بالوسع القول إن كافة الأودية المحيطة في حكم الملوثة، فضلا عن ذلك، قامت توتال بوضع مليارات اللترات من تلك المياه المخلفة في آبار نفط قديمة فارغة، والذي يعد خطير وإجرامي، بسبب إمكانية إلى أحواض المياه الجوفية التي يشرب منها اليمنيون، ولأنه بعد فترة، لا تعد آبار النفط مقاومة للمياه.

 

*هناك رد لشركة توتال على ما جاء في تحقيقك، ونشرته الشركة في موقعها الإلكتروني، كيف تقيم هذا الرد، هل كانت الشركة دقيقة وصادقة في ردها أم ماذا بالضبط؟

 

**كانت تلك الاستجابة من توتال ردا على الأسئلة التي أرسلتها إليهم في فبراير الماضي، وكانت معظم إجاباتهم كذبا، بينما في البعض الآخر اضطروا للاعتراف، مثل أنهم لم يقوموا ببناء معمل لتنظيف المنتج المخلف عن آبار النفط، وكانت تلك المواصفات العالمية التي لم يستطيعوا إنكارها، كما أنهم لم ينكروا أيضا أن كافة تلك البرك المليئة بالمياه السامة خطيرة على السكان المحيطين، وكونها خارج المواصفات العالمية، لماذا لم تبنِ توتال منشآت صديقة للبيئة وتحترم صحة اليمنيين؟ هل لأن حياة اليمنيين غير ذي قيمة لديهم؟

 

*هل هناك ردود فعل للتحقيق الذي أجريته داخل فرنسا وعلى صانع القرار في باريس؟

 

**حتى الآن، تفاعل بعض السياسيين اليساريين مع التقرير، وطالبوا بتحقيق دولي في جرائم توتال المحتملة في اليمن، لكن على الحكومة اليمنية التفاعل أيضا.

 

*هل يمكن الاكتفاء بالتحقيق فقط، ورد الشركة، أم سيكون هناك تحرك إجرائي لاحقا، على سبيل المثال رفع دعوة قضائية، أو مقاضاة الشركة في فرنسا؟

 

**أنا على اطلاع بتواصل محامين مع ضحايا يمنيين في حضرموت، متضررين من تلوث توتال، ولا أستبعد رفع قضية ضدها. 

 

اقرأ أيضا: تحقيق حديث يكشف تورط شركة توتال الفرنسية بعمليات تلوث واسعة في اليمن (ترجمة خاصة)

 

*برأيك لماذا تعمدت توتال فعل هذا؟ هل فعلت ذلك إخلالا بمسؤوليتها؟ أم استغلالا للوضع الحكومي المنفلت في اليمن، أم ماذا؟

 

**لقد استغلت توتال ضعف وفساد الحكومة اليمنية السابقة لتوسيع عائداتها وأرباحها، لكن ذلك التصرف قتل مئات اليمنيين بشكل غير مباشر.

 

*كيف تفسر موقف الحكومة اليمنية تجاه قضية مثل هذي، وصمتها إزاء ما حصل؟

 

**لقد كانت حكومة "علي عبدالله صالح" عميلة وغارقة في الفساد، وكانت وزارة النفط تدار بامتيازات الكُتل تماما كالأعمال العشوائية، حيث لم تكن البيئة والصحة تشغل قلقهم، كان على وزارتي النفط والبيئة العمل معا على فرض أنواع معينة من المنشآت التي تحترم صحة سكان المنطقة.

 

*من وجهة نظر قانونية هل يستطيع المتضررون من المواطنين في المناطق الملوثة رفع دعوى قضائية ضد توتال أمام القضاء الفرنسي؟

 

**بالتأكيد، بإمكان المتضررين عمل شيء ما، كون توتال اجترحت العديد من الأخطاء القانونية.

 

*لدى توتال سمعة سيئة في اليمن، وهناك اتهامات لها بالتواطؤ في تحويل جزء من منشأة بلحاف التي كانت تعمل فيها لقاعدة عسكرية تابعة للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وسجن تمارس فيه انتهاكات حقوق الإنسان؟ لماذا تتعامل توتال في اليمن بهذه الطريقة؟

 

**في الحقيقة، توتال تكيف نفسها مع الحكومة التي تتعامل معها، فإذا كانت الحكومة ضعيفة وقابلة للفساد بسهولة، فإنها تتصرف معها دون أدنى اعتبار، وفي حال كانت الحكومة قوية ولديها رقابة لصيقة على نشاطات توتال، فإنهم سيقومون بعمل نظيف، بالمقابل، قامت توتال بالقيام بأعمال جيدة لليمنيين أيضا، كإرسال بعضهم في منح إلى فرنسا، تطوير بعض المناطق في شبوة وحضرموت، وتمويل بعض المشاريع، لكن ذلك لم يكن ليعوض التلوث الذي أحدثوه.

 

*ما الصعوبات التي واجهتها خلال إعداد وتجهيزك للتحقيق؟

 

**بالنسبة لي كفرنسي، كان من الصعب جدا الحصول على فيزا لدخول اليمن (التأشيرة والترخيص)، لقد تطلب مني الإعداد لأشهر للحصول على تلك الأوراق، بعد ذلك وعلى الفور، كان من المخاطرة التحرك والعمل بحرية، نظرا لكوني فرنسي وعرضة للاختطاف بواسطة الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة.

 

لا أقول إن اليمنيين قد يشكلون خطرا علي، قطعا لا. فنسبة 99.99% من اليمنيين أناس مدهشون، ولم ألقَ شعب أكثر ضيافة وأمانة منهم، أنا أحب اليمن كما لو كانت بلدي، فضلا عن كونها البلاد الأجمل في العالم، وهذا هو السبب الكامن خلف المخاطرة والعمل الحثيث لنقل واستنكار الجرائم التي ترتكب في حق هذا البلد الرائع، إن اليمن هي قلب الوطن العربي، فلا ينبغي المساس بها.

 

*من وجهة نظرك ما الذي يتطلبه الأمر لمنع وقوع كارثة مثل هذه أو التصدي لها؟

 

**على وزارتي النفط والبيئة العمل معا والأخذ بعين الاعتبار صحة الشعب أولا وقبل كل شيء، عليهما مراقبة نشاطات شركات النفط الأجنبية وإلحاق العقاب بها إن تطلب الأمر، لا بد من تنفيذ القانون ووضع الحدود والعمل على عدم خرقها.

 

*الصحفي اليمني يعاني من صعوبات شديدة في إعداد تحقيقات من هذا النوع، كيف تمكنت بنجاح في التحضير والإعداد لهذه القضية والعمل عليها، والخروج بتلك المعلومات والوثائق؟

 

** لقد تم مساعدتي في هذا بواسطة يمنيين رائعين، بمن فيهم محامون زودوني ببعض تلك الوثائق من محكمة سيئون، أخذ ذلك مني وقتا طويلا في تجميع تلك الوثائق (بدأت بالتحقيق في سبتمبر الماضي)، لكنني كنت محظوظا ببعض اليمنيين الشجعان الذين زودوني بكل تلك المعلومات، وكان علي بعد ذلك ترجمة بعض الوثائق المكتوبة بالعربية من قبل دبلوماسيين يمنيين أثق فيهم.

 

*كيف تشكلت الفكرة لديك عن التلوث الذي تسببت فيه توتال في اليمن، بمعنى آخر ما الذي لفت انتباهك لتعمل على هذه الفكرة، وتعد تحقيقا عنها؟

 

** في نهاية العام 2020، قمت بقراءة تقرير ممتاز بواسطة "مركز صنعاء" حول التلوث النفطي في حضرموت، كنت أفكر منذ سنوات للتحقيق في هذا الموضوع واستنكار بعض الجرائم التي ترتكبها شركات النفط الأجنبية في اليمن، في ذلك الحين، لم أكن لأعرف أن شركة توتال متورطة في الأمر، لقد اكتشفت ذلك بالصدفة وعلى الفور.

 

اقرأ أيضا: مياه توتال السوداء.. الموقع بوست ينشر نص تحقيق "L’Obs" حول تداعيات التلوث التي تورطت بها الشركة في اليمن

 

*قلت في تحقيقك أنك زرت اليمن، هل من الممكن شرح تجربتك بالسفر والتنقل باليمن، وكيف وجدت اليمن؟

 

** المرة الأولى التي زرت فيها حضرموت كانت في العام 2021. كنت هناك ليوم واحد كترانزيت إلى جزيرة سقطرى، في ذلك الوقت، كان من المفترض أن أصل جزيرة سقطرى لشهرين في تدريس اللغة الفرنسية وكتابة بعض التقارير.

 

لقد كانت المرة الأولى لي في اليمن، وكنت متحمسا جدا كون تاريخ البلاد قد أصابني بالذهول منذ سنوات، لقد عملت جاهدا لاستخراج الفيزا والدخول إلى البلاد، لا زلت أتذكر عندما بدأت الطائرة بالهبوط في مطار سيئون، وأنا أشاهد من النافذة تلك المناظر البديعة.

 

كانت عيناي تذرف الدموع من البهجة؛ كنتُ وزوجتي السابقة متأثرين بشدة، ستظل تلك اللحظة واحدة من الأكثر جمالا في حياتي: الهبوط في سيئون، وعقب زيارتنا للمدينة وللقلعة تلك الليلة، توجهنا بعدها مباشرة إلى سقطرى، وبعد أشهر فقط، عدتُ إلى هنا مجددا، ولكن كصحفي لتغطية القضايا اليمنية في كل من حضرموت، مأرب، وعدن، وكانت جوهر عملي في اليمن.

 

*كيف وجدت تعاون الجهات اليمنية معك خلال زيارتك لليمن، ولقاءك بمسؤولين يمنيين؟

 

**العمل في اليمن كصحفي أجنبي متعب للغاية، كونك بحاجة لتصاريح عديدة للتنقل داخليا في البلاد، بينما لا تجد مساعدة كبيرة من السلطات في ذلك، لكنني حصلت على بعض المساعدة من بعض اليمنيين البارزين أمثال السفير اليمني في فرنسا- الدكتور رياض ياسين، وكذلك سلطان العـرادة، فإني أتوجه إليهما بالشكر، وكذلك للسلطات في حضرموت على السماح لي بحط الرحال في المحافظة.

 

*ما الدرس الذي يمكن للصحفيين تعلمه من خلال التحقيق الذي أعددته، والمعلومات التي جمعتها، بماذا يمكن أن تنصح الصحفيين من واقع تجربتك؟

 

** التحقيق الصحفي عبارة عن لغز هائل، عليك أخذ الوقت الكافي لتجميع مختلف القطع وإعادة تشكيل القصة، يجب أن تصاب بالشك كذلك، مع كل قصة يخبرك بها الناس من دون أدلة. من المهم بمكان تجاوز الشهادات لتحاشي الأخطاء والدعاية. على أية حال، اليمن مليء بالصحفيين الماهرين أمثال "علي السكني" و "يحيى السواري"، الذين أعتبرهم نماذجا لي.

 

*من الملاحظ وجود فجوة كبيرة بين الإعلام الخارجي الذي يتحدث عن اليمن، وبين المتلقين في اليمن، بسبب اللغة وغيرها، فعلى سبيل المثال التحقيق الذي أجريته ربما لن يعلم به كثير من اليمنيين، بسبب حاجز اللغة، كيف يمكن ردم هذه الفجوة؟

 

**هذا هو السبب ذاته المهم جدا والذي جعلني أترجم تحقيقي إلى العربية، ونشره على موقعي الإلكتروني بشكل مجاني لليمنيين، وهذا التحقيق مخصص أصلا للجمهور اليمني أولا وقبل كل شيء.


التعليقات