[ مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين نضمته مؤسسة توكل كرمان في إسطنبول ]
شدد مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين الذي تنظمه مؤسسة توكل كرمان والمنعقد في إسطنبول اليوم السبت، على ضرورة مواءمة التعليم العالي اليمني مع التحولات العالمية عبر تطوير المناهج، وتفعيل التعليم عن بُعد، وتعزيز الشراكات الدولية، بما يتيح للطلبة مواكبة متطلبات سوق العمل المحلي والعالمي.
وناقش مؤتمر الباحثين والخبراء اليمنيين في أولى أيام المؤتمر عددًا من البحوث وأوراق العمل التي قدمها أكاديميون وخبراء، تناولت جملة من القضايا التي تمس جوهر القضية اليمنية.
وقال د. شاكر الأشول في بحثه المعنون "التوجهات الحديثة في التخصصات الجامعية: رؤية استراتيجية لمستقبل التعليم العالي في اليمن"، إن ما يقرب من 40% من المهارات الأساسية ستتغير بحلول عام 2030، فيما ما تزال الجامعات اليمنية بعيدة عن التخصصات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والأمن السيبراني.
من جانبه أكد أ.د. أحمد الدبعي في أولى جلسات اليوم الأول للمؤتمر أن اليمن كان عبر التاريخ مهدًا لحضارات معرفية كبرى، غير أن تراجع دور المعرفة وغياب المنهجية العلمية أديا إلى حالة “احتباس حضاري” في العصر الحديث. مشيرا إلى أن البحث العلمي يمثل الركيزة الأساسية لبناء الحضارة والدولة الحديثة.
دعوات لإنشاء مجلس وطني للبحث العلمي
ودعا الدبعي في ورقته الموسومة بـ"البحث العلمي في اليمن: من صناعة المعرفة إلى صناعة الدولة والحضارة" إلى إنشاء المجلس الوطني للبحث العلمي بتمويل مستدام، ووضع استراتيجية وطنية تستخدم المنهج العلمي في استغلال الموارد وحل مشكلات الأمن الغذائي والبطالة، وتطوير التعليم ليعزز الإبداع والابتكار، مع الاستفادة من قدرات الباحثين اليمنيين في الداخل والخارج لربط المعرفة بمشروع الدولة الحديثة.

من جهته قال د. سعيد أسكندر في بحثه عن “التغلغل الطائفي في الجامعات اليمنية (2014–2025م)” إن الحوثيين عمدوا إلى تحريف المناهج، وتوجيه أبحاث الدراسات العليا بما يخدم مشروعهم السلالي.
واستعرض أسكندر في بحثه مظاهر الاختراق الطائفي الذي طال مؤسسات التعليم الجامعي في مناطق سيطرة الحوثيين منذ انقلاب سبتمبر 2014، من خلال تعيين الموالين للجماعة في المناصب الأكاديمية، وإقصاء المخالفين، وتحويل الجامعات إلى ساحات للشعارات الطائفية والدورات الثقافية والمسلحة.
وأكد أن هذه الممارسات تمثل تهديداً مباشراً لحياد واستقلال الجامعات اليمنية ومستقبل التعليم الجامعي.
بدوره تناول د. علي الكازمي في ورقته "التعليم العالي في عصر الذكاء الاصطناعي: ردم الفجوة بين اليمن والتطورات العالمية"، الفجوة الواسعة بين الجامعات اليمنية ونظيراتها العالمية، نتيجة ضعف البنية التحتية وغياب السياسات الداعمة للتحول الرقمي.
وقال إن إدماج الذكاء الاصطناعي في التعليم العالي يتطلب سياسات وأطرًا أخلاقية واضحة، وتدريب الكوادر الأكاديمية، واعتماد حلول منخفضة التكلفة.
ولفت إلى أن البدء بخطوات تدريجية واقعية يمكن أن يضع الجامعات اليمنية على طريق التحول المعرفي رغم الأزمات.
معاناة الأستاذ الجامعي في اليمن وأثرها على مستقبل التعليم
في حين عرض د. محمد طاهر التبالي في بحثه "معاناة الأستاذ الجامعي في اليمن وأثرها على مستقبل التعليم العالي"، صورة قاتمة لوضع أعضاء هيئة التدريس في ظل الحرب والانهيار الاقتصادي، حيث يعاني الأكاديميون من تدهور المعيشة وانعدام الأمن وتوقف الرواتب، ما أدى إلى هجرة الكفاءات وانهيار البنى الأكاديمية.
ودعا التبالي إلى إنشاء صندوق طوارئ دولي لدعم الأساتذة والباحثين اليمنيين للحفاظ على الموروث العلمي ومنع انهيار منظومة التعليم العالي.
أ.د. مختار علي العمراني هو الأخر قدم بحثًا بعنوان "واقع طلبة الجامعات في اليمن خلال الفترة 2015–2025م: التحديات والحلول"، عرض فيه نتائج دراسة ميدانية شملت أكثر من 13 ألف طالب من مختلف المحافظات، كشف خلالها أن نسبة تسرب الطلبة نحو سوق العمل بلغت نحو 50% قبل إكمالهم الدراسة الجامعية، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة وانعدام فرص العمل.
وأكد العمراني أن تدهور البنية الجامعية وتراجع جودة التعليم وتغلغل الأيديولوجيا الطائفية أسهمت جميعها في إضعاف البيئة الجامعية، داعيًا إلى سياسات وطنية تضمن بيئة تعليمية آمنة وتكافؤ الفرص بين الجنسين.

وأكدت الجلسة الأولى في الختام على أن النهضة العلمية تمثل مدخلاً ضرورياً لإعادة بناء اليمن، وأن استثمار الطاقات البحثية والأكاديمية اليمنية في الداخل والخارج يمكن أن يسهم في وضع أسس دولة مدنية حديثة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة، وترسيخ قيم المواطنة والعدالة والمعرفة.
وفي وقت سابق اليوم دشّنت مؤسسة توكل كرمان، أعمال مؤتمر "الباحثين والخبراء اليمنيين" في مدينة إسطنبول، بمشاركة واسعة تضم أكثر من 40 ورقة علمية يقدّمها باحثون وأكاديميون يمنيون قدموا من داخل اليمن ومن أكثر من 15 دولة حول العالم، وبحضور ما يزيد على 200 مشارك ومهتم بقضايا اليمن وفاعل في المجال التنموي، وذلك لمناقشة أبرز تحديات وفرص التنمية في اليمن.
ويُعقد المؤتمر خلال الفترة 11 – 12 أكتوبر الجاري، ويتناول محاور متعددة تشمل التعليم، والصحة، والاقتصاد، والطاقة، والهوية، في إطار سعيه إلى رسم ملامح رؤية تنموية شاملة لليمن.
توكل كرمان: آن للشعب اليمني أن يستعيد قراره وينهض من بين الركام
وفي كلمتها الافتتاحية، عبّرت رئيسة مؤسسة توكل كرمان الناشطة الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، عن فخرها واعتزازها بلقاء نخبة من أهم العقول والكفاءات اليمنية من شتى أنحاء العالم، ووصفت المؤتمر بأنه "لقاء الفكر والعلم والأمل من أجل اليمن"، مؤكدة أن "الأوطان لا تموت، والشعوب لا تفنى، واليمن سينهض من بين الركام ويشفى من جراحه".
وقالت كرمان إن اليمن يمتلك من الطاقات والعقول ما يؤهله لاستعادة دولته وبناء مستقبله بعيدًا عن الوصاية الخارجية، مشيرة إلى أن "السياسة والحرب استأثرتا بالمشهد اليمني لعقد كامل، بينما جرى تهميش ملفات الاقتصاد والتنمية والتعليم والصحة".
وأضافت كرمان: "تأجيل هذه الملفات لا يعيد الدولة، بل يبعدها أكثر، فالدولة ليست كيانًا سياسيًا مجردًا، بل هي الخدمات ذاتها: المرتبات والتعليم والصحة والعدالة".
وانتقدت كرمان بشدة فشل الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وسلطات الأمر الواقع في القيام بواجباتهما تجاه المواطنين، مشيرة إلى أن المجالين الوحيدين اللذين يشهدان ازدهارًا في اليمن اليوم هما اقتصاد الحرب والفساد السياسي.
وقالت كرمان: "لقد سئم الشعب اليمني من فسادكم واستبدادكم، وآن له أن يستعيد قراره وينهض من بين الركام".
وأكدت كرمان أن اليمن ليس ضعيفًا ولا تابعًا لأحد، بل يمتلك ثروات طبيعية وبشرية هائلة تؤهله ليكون من أبرز دول المنطقة، مشددة على أن الإنسان اليمني هو الثروة الحقيقية التي لا تقدّر بثمن.
ودعت إلى إعادة بناء الدولة على أسس العدالة والشراكة والمصالحة الوطنية، معتبرة أنه "لا خلاص لليمن من دون تعليم ينهض بالعقول، وصحة تحفظ كرامة الإنسان، واقتصاد منتج يكسر معادلة الجوع والولاء".
كما حذّرت من تهميش العقل والاستخفاف بالعلم، مؤكدة أن ذلك "فتح الطريق أمام الجماعات الكهنوتية والمتطرفة"، وقالت إن "المعرفة تصنع الإنسان الحر، وتمنح المجتمعات مناعة ضد الجهل والخرافة والمشاريع التي مزّقت أوطاننا".
ويتضمن برنامج المؤتمر في يومه الأول 22 ورقة علمية يقدمها 26 باحثًا وأكاديميًا، تتناول موضوعات متنوعة من بينها: التعليم الأكاديمي في اليمن، مستقبل الحياة السياسية، الصحة العامة والبنية التحتية الطبية، وسبل الخروج من الأزمات الخدمية والاقتصادية.
وتُعد مؤسسة توكل كرمان منظمةً دولية غير حكومية أسستها الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل عبد السلام كرمان، وتعمل من أجل بناء السلام وتحقيق التنمية المستدامة عبر تمكين المجتمعات في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية والاقتصاد، وتعزيز دور المرأة والشباب في القيادة والحياة العامة، مع التركيز على قيم الديمقراطية والحكم الرشيد وحقوق الإنسان كركائز لتحقيق السلام والتنمية الشاملة.