الانقلابيون وإشكالية الدور السياسي والعسكري للقبائل اليمنية (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد - خاص الاربعاء, 30 نوفمبر, 2016 - 07:49 مساءً
الانقلابيون وإشكالية الدور السياسي والعسكري للقبائل اليمنية (تحليل خاص)

يواصل تحالف الانقلابيين في اليمن تعبئة القبائل الموالية لهم بغية حشد المزيد من المقاتلين والزج بهم في مختلف الجبهات، والاحتفاظ بالجزء الأكبر من القوات العسكرية المدربة حتى يكتمل استنزاف المخزون البشري من المقاتلين القبليين، ما يعني أنهم غير مستعدين لأي حل سياسي سلمي، وأنهم سيواصلون القتال حتى وإن ازدادت خسائرهم البشرية.
 
وفي مجتمع قبلي مثل اليمن، يبرز الدور السياسي والعسكري للقبائل اليمنية في أوقات الأزمات السياسية والعسكرية، وعادةً ما يعكس هذا الدور جهل الكثير من أبناء القبائل، وسطحية وعيهم السياسي، إضافة إلى عوامل مختلفة، مثل العنصرية، والالتفاف حول زعيم القبيلة، بصرف النظر عن صوابية موقفه السياسي.
 
كما أن المال السياسي يلعب دوراً كبيراً في توجهات الكثير من أبناء القبائل، والقبائل المقصودة هنا هي قبائل شمال الشمال، التي تمثل المخزون البشري للمقاتلين الموالين للانقلابيين (تحالف المخلوع صالح والحوثي)، كون النزعة القبلية تكاد تكون شبه معدومة في بقية المجتمع اليمني.
 
 استثمار التعصب القبائلي
 
برز دور قبائل شمال الشمال بشكل كبير منذ انقلاب المخلوع علي صالح والحوثيين على السلطة الشرعية، ثم عملية "عاصفة الحزم"، حيث حشد الانقلابيون عدداً كبيراً من المقاتلين القبليين ليكونوا وقوداً لمعاركهم ضد السلطة الشرعية والشعب اليمني من أجل الاستئثار بالسلطة والثروة، وما زال الحشد قائماً، ويطال حتى الأطفال، فيما غالبية أفراد الجيش الموالين لهم لم يشاركوا في المعارك بعد، حتى يتم استهلاك المخزون البشري من المقاتلين القبائليين.
 
تعتبر قبائل شمال الشمال أكثر القبائل اليمنية نزعة نحو التعصب القبلي، ويعود ذلك لموروثات متراكمة منذ عقود كثيرة، وقد حرص نظام الإمامة الزيدية على تغذية هذه النزعة، حتى يسهل عليه استثمار هذه القبائل في صراعه على الحكم مع المنافسين له، ثم عمل المخلوع علي صالح على ترسيخ هذه النزعة -أي التعصب القبلي- طوال سنوات حكمه، وأنشأ ما أطلق عليها "مصلحة شؤون القبائل"، وخصص لها ميزانية أكثر من الميزانيات المخصصة للتعليم والصحة وغير ذلك من القطاعات الخدمية.
 
صحيح أن هناك الكثير من أبناء قبائل شمال الشمال يقفون إلى جانب السلطة الشرعية ضد الانقلابيين، والكثير منهم يقاتلون ضد الانقلابيين في عدة جبهات، لكن الغالبية العظمى من أبناء هذه القبائل ما زالوا على ولائهم للانقلابيين، وترفد بعض القبائل مختلف جبهات القتال بالمقاتلين من أبنائها كلما طلب الانقلابيون منها ذلك.
 
وهناك العديد من العوامل التي جعلت هذه القبائل تتعصب تعصباً أعمى، دون أدنى شعور بالمسؤولية الوطنية، لعل أبرزها، انتشار الجهل والتخلف بين أفرادها، وعادة ما يتم ذلك بشكل ممنهج ومدروس، حيث عمل المخلوع علي صالح، ومن يطلق عليهم "الهاشمية السياسية"، على إبقاء هذه القبائل على جهلها وتخلفها، حتى يسهل عليهم شحنها طائفياً ومناطقياً وقبليا، بغرض استثمارها كوقود للمعارك عند الحاجة.
 
ويلاحظ أن مناطق هذه القبائل محرومة من أبسط الخدمات، ويتم تمجيد ثقافة النهب والسلب في أوساطها، والسخرية من الكثير من المهن ومن التعليم، والاكتفاء بمهنة الزراعة وبيع القات، وذلك ليظل أبناء هذه القبائل فقراء، ويقبلون بالوظائف العسكرية رغم محدودية الرواتب، كل ذلك من أجل استثمارهم في أوقات الصراع السياسي والحروب الأهلية، وقبول حتى من لم يلتحقوا منهم بالجيش أن يكونوا مقاتلين تحت الطلب، وبأقل الأجور، بسبب الحاجة الماسة للمال، ما يعني أن تجهيل هذه القبائل وإفقارها خطط كانت مدروسة من قبل نظام المخلوع علي صالح.
 
إرث تاريخي
 
هناك ما يمكن وصفه بـ"الإرث التاريخي"عند التأمل في إشكالية الدور السياسي والعسكري للقبائل اليمنية، أو بالأصح قبائل شمال الشمال، هذا الإرث يرتبط بعوامل جغرافية وأخرى تاريخية، وكل هذه العوامل تجعل القبيلة بمثابة حجر عثرة أمام بناء دولة قوية متحررة من ضغوط أبناء القبائل، وقادرة على أداء مهامها الدستورية والقانونية على أكمل وجه.
 
فمن الناحية الجغرافية، ظلت القبائل التي تقطن الجبال المرتفعة متمردة على السلطات المركزية، وعصية على الغزاة الأجانب، وذلك بفضل الحماية التي توفرها لها الجبال والكهوف والمغارات من هجمات السلطة المركزية، فيما يكون أبناء المناطق السهلية والساحلية أكثر رغبة في وجود دولة قوية ومستقرة، وذلك لأن الطبيعة الجغرافية لمناطقهم لا توفر لهم الحماية سواء للتمرد على السلطة المركزية أو الحماية من غزوات الأجانب، وبالتالي، فخضوعهم للسلطة المركزية يعني بدرجة رئيسية حاجتهم لهذه السلطة لتحميهم من الغزوات الأجنبية، وتعمل على ترسيخ الأمن والاستقرار في مناطقهم.
 
ومن الناحية التاريخية، رسخ الأئمة الزيديين، خلال سنوات حكمهم لليمن، ثقافة النهب والفيد بذريعة الزكاة والخمس وغير ذلك في أوساط قبائل شمال الشمال، وأجبروها على اعتناق مذهبهم، مقابل تجنيد أبناءها، ودفعهم إلى المناطق الأخرى لحكمها ونهب ثروات وممتلكات أبناءها، وتقاسمها مع الأئمة، وما زالت هذه هي العقلية التي تحكم سلوك تفكير الحوثيين، والتعامل مع السلطة كوسيلة للنهب والفيد، وليس وسيلة لخدمة المواطنين وتحسين مستواهم المعيشي وإقامة العدل.
 
والعجيب أن ثقافة النهب والفيد عادت بقوة بعد سيطرة الإماميين الجدد على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات، بل ويمكن القول إن ما نهبه الحوثيون خلال سنة ونصف يتجاوز ما نهبه أجدادهم الأئمة خلال ألف ومائة عام، فالنهب في ذلك الزمن كان يقتصر على الممتلكات الموجودة، مثل الأبقار والأغنام والحبوب والعسل والسمن، أما النهب اليوم فقد طال الدولة بكل ممتلكاتها، وطال شركات وبنوك ومصانع ومزارع، ووصل إلى نهب المواطنين مباشرة.
 


التعليقات