(الموقع بوست) يرصد رحلة الشباب اليمني عبر الحدود هروبا إلى السعودية من جحيم الحرب (استطلاع خاص)
- خاص الأحد, 25 ديسمبر, 2016 - 10:59 صباحاً
(الموقع بوست) يرصد رحلة الشباب اليمني عبر الحدود هروبا إلى السعودية من جحيم الحرب (استطلاع خاص)

بعد أن منحت المملكة العربية السعودية أكثر من نصف مليون يمني مقيم بصورة غير شرعية إقامات مؤقتة وجوزات سفر في مايو الماضي, قرر المئات من الشبان المغامرة بحياتهم في رحلة الموت إلى الحدود السعودية للاستفادة من هذه الفرصة بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية في اليمن، فمنهم من نجح، ومنهم من انتهت حياته على بعد أمتار من حلمه المنشود.
 
طرق غير مشروعة، وتكلفة باهظة، وحياة مهددة، قليل من كثير يتجرعه اليمنيون في طريق رحلتهم إلى السعودية بالطرق غير الشرعية، ورغم خطر الموت المحدق بهم على الحدود المشتعلة منذ عامين، إلا أن ذلك لم يثنيهم عن السفر حتى وإن كان الثمن حياتهم.
 
يغامر العشرات من الشبان بحياتهم كل يوم في سبيل الوصول إلى السعودية التي أصبحت حلماً بعيد المنال بعد أن كان السفر إليها، لا يكلف سوى تسلل حذر عبر مديرية حرض الحدودية بمحافظة حجة شمال غرب اليمن، التي تحولت إلى مسرحا للمواجهات.
 
ورغم اشتداد المواجهات على الحدود السعودية اليمنية بين الحوثيين وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جهة, والقوات السعودية المشتركة وقوات الجيش الوطني الموالي للحكومة الشرعية، إلا أن المهربين الذين يحفظون مسالك ودروب الحدود اليمنية السعودية عن ظهر قلب، مستمرون في عمليات التهريب، إلا أن عمليات التهريب صارت محدودة، وتقتصر يوميا على العشرات، بعد أن كانوا يقومون بتهريب الآلاف يوميا عبر مديرية حرض الحدودية.
 
الموت المصير المحتوم
 
في العام الأول لانطلاق عاصفة الحزم، التي ينفذها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ضد مليشيا الحوثي والمخلوع، شهدت الجبهات الحدودية، معارك عنيفة، أجبرت السكان على المغادرة، خصوصا من مديرية حرض الحدودية، وبالرغم من ذلك، فقد استمرت عمليات التهريب عبر الحدود، شاملةً تهريب شباب يمنيين وأفارقة، إلا أن هؤلاء كان مصيرهم الموت، بنيران المدفعية والجيش السعودي، كون المناطق التي يتسللون عبرها هي مناطق عسكرية.
 
 ومع توسع المواجهات واشتدادها على الحدود اليمنية السعودية توقف تهريب المتسللين عبر مديرية حرض، فحول المهربون وجهتهم إلى محافظة صعدة, شمال اليمن مع اختلاف الطرق والوسائل والأسعار، لكن المواطنين الذين اكتووا بنار الحرب لم ييأسوا واضطروا لدفع مبلغ 5 آلاف ريال سعودي للمهرب عن الشخص الواحد مقابل توصيله إلى أول قرية سعودية عبر مديرية قطابر الحدودية بمحافظة صعدة والتي ينشط سكانها في تهريب القات والمخدرات إلى السعودية، منذ سنوات بتسهيل من قيادات حوثية تعمل في التهريب بكل أشكاله وتجني منه مبالغ خيالية.
 
مأساة شاب حاول التسلل
 
يروي محمد من إحدى قرى مديرية عبس التابعة لمحافظة حجة شمال اليمن قصة أخيه الأصغر الذي شاهد الموت في رمضان الماضي أمام عينيه أثناء محاولته التسلل إلى الأراضي السعودية عبر محافظة صعدة.
 
وقال متحدثا عن مأساته: "قبل إندلاع الحرب بأيام قامت السلطات السعودية بترحيل أخي الأصغر المقيم بصورة غير شرعية في إحدى القرى بمنطقة جازان التي يقطن فيها مع زوجته وطفلتيه بعد أن سافر إلى السعودية برفقتهم قبل اندلاع الحرب بعامين، وبعد اندلاع الحرب حاول أخي السفر عبر حرض، إلا أن أمي منعته من ذلك".
 
واستطرد متحدثا لـ(الموقع بوست): "وبعد أن طال أمد الحرب سافر في رمضان الماضي مع أحد مهربي المواشي في المديرية بعد أن دفع له مبلغ 4 ألف ريال سعودي اقترضناها له من أحد الأشخاص، بعد إصابته بحالة نفسية بسبب بعده عن زوجته وأولاده.
 
ويواصل حديثه:  وعند وصوله إلى صعدة سلمه المهرب إلى مهربين آخرين يقودون المواشي عبر دروب جبلية بمديرية قطابر، وبعد نحو نهار كامل من المشي على الأقدام في طرق وعرة سمعوا صوت طائرة مروحية فاختبئوا خلف إحدى الصخور الضخمة وهم يرقبون برعب مقاتلة الأباتشي التي كانت تطلق صواريخها إلى قمة جبل مجاور، فأغلق عيناه وهو يدعوا ويبتهل لله أن ينجيهم من القصف وبعد توقف القصف قرر العودة مع أحد المهربين إلى القرية الحدودية وبعد يومين من الحادثة وصل إلى المنزل مصفر الوجه وهو يقسم بأنه لن يسافر مرة أخرى متسللاً حتى وان استمرت الحرب أعواماً عديدة".
 
ويضيف محمد وهو ينظر إلى الأفق البعيد: "بعد سفره بنحو شهرين ازدادت حالته سوءاً فحاولنا أن ندخل السرور عليه بشتى الوسائل واقتنينا له هاتفاً نقالاً ليتمكن من الاشتراك في برنامج الواتس اب، ورغم أنه كان أمياً إلا أنه تعلم كيف يتبادل الصور والرسائل الصوتية مع زوجته وطفلتيه إلا أن ذلك زاد الطين بله وعادوته بقوة فكرة السفر مجدداً وعندما أقنعناه أننا لا نمتلك مبلغ 5 آلاف ريال سعودي التي طلبها مهرب آخر خلاف السابق قرر بيع بيته المكون من غرفة ومطبخ وحمام وحوش صغير وحاولنا أن نثنيه ونخوفه من السفر إلا أنه صمم على السفر حتى ولو دفع حياته ثمناً لذلك وباع بيته فعلاً وسافر مع مهرب المواشي عبر محافظة صعدة ونجح هذه المرة بتوفيق من الله بالاجتماع بأولاده حيث وصل إليهم سالماً غانماً في اليوم السادس من سفرة".
 
معاناة وألم نفسي
 
أحمد شيخ، شاب يمني من مديرية الزهرة شمال محافظة الحديدة، يروي لـ(الموقع بوست)، رحلته إلى السعودية، والتي كما يبدو لن ينساها طوال حياته، وما لاقاه من معاناة وألم بدني ونفسي وخوف وفزع خلال الرحلة.
 
يؤكد أحمد أن رحلته من اليمن للسعودية كلفت أكثر من أربعة ألف ريال سعودي، منذ خروجه من منزله حتى وصوله إلى أول قرية سعودية إستقبله فيها مواطن سعودي كان أحمد يعمل لديه قبل اندلاع الحرب، لافتاً إلى أنه سيحكي قصة سفره لأحفاده إن أطال الله في عمرة.
 
يقول أحمد: "عانيت كثيراً في رحلتي حيث طلب مني المهرب الذي يقود شاحنة تحمل مواشي إلى صعدة الجلوس بجانبه وفي بعض المناطق كان يطلب مني أن أصعد فوق الشاحنة حتى يوهم النقاط الأمنية المنتشرة على طول الطريق أنني مساعدة الذي يقوم بالانتباه والعناية بالمواشي حيث أخبرني أن الحوثيين يقبضون من المهربين مبلغاً كبيرا عن كل شخص متسلل، وعند وصولنا لصعدة سلمني لمهربين آخرين يقودون المواشي، وطوال رحلتي التي استمرت يوم وليله رأيت الموت أمام عيني أكثر من مرة ولن أنسى ما حييت دوي القصف المدفعي وأزيز الطائرات فوق رؤوسنا ونجونا بأعجوبه لمعرفة المهربين بالطرق والمسالك الجبلية الآمنة حتى وصلنا إلى حوش كبير داخل مزرعة بقرية سعودية حدودية وارتحت هناك حتى وصول صديقي الذي أوصلني بسيارته إلى محافظة أبو عريش بجازان".
 
سوء الاحوال المعيشية دافع اساسي
 
وبالمقابل، قال "الصقر"، كما يلقبه رفاقه، والذي يعمل في مجال التهريب عبر الحدود اليمنية السعودية، منذ ست سنوات، لـ(الموقع بوست)، "إن السبب الرئيسي لتدفق المتسللين من عدة محافظات إلى السعودية، هو سوء الأحوال المعيشية للبعض ورغبة البعض الآخر في تحسين وضعه المعيشي والبحث عن مستقبل أفضل حيث تتوفر فرص عمل في السعودية لليمنيين في كافة المجالات".
 
وأشار إلى أن إرتفاع تكاليف السفر تعود إلى المعارك الدائرة على الحدود في حرض وميدي، وانتقال المهربين للتهريب عبر محافظة صعدة، مضيفاً أن جزء كبير من المبلغ يذهب للمهربين الآخرين الذي يستقبلون المسافرين وكذلك النقاط الأمنية المنتشرة على طول الطريق والتي تأخذ مبالغ مالية كبيرة من المهربين.
 
ويبقى السفر إلى السعودية حلماً يراود الآلاف من الشباب اليمنيين الذين يعيشون واقعاً أليماً في ظل الظروف المالية الصعبة، وزيادة البطالة حيث أصبح الفقر ينهش كافة الفئات في هذا البلد الذي يئن تحت وطأة حرب مستمرة منذ أكثر من عامين.
 


التعليقات