في حوار مطول
الكاتبة والروائية نجلاء العمري: أكتب للأوطان المتهاوية والشوارع العابقة بالحزن
- السياسة الثلاثاء, 07 فبراير, 2017 - 10:20 صباحاً
الكاتبة والروائية نجلاء العمري: أكتب للأوطان المتهاوية والشوارع العابقة بالحزن

[ الروائية اليمنية نجلاء العمري ]

تؤكد الروائية اليمينة نجلاء العمري أن المشهد الثقافي اليمني في هذه المرحلة هش ويكاد يتهاوى، ويناضل في سبيل الابقاء على أبسط أساسيات الحياة الثقافية التي كانت ضعيفة وذات بنى تحتية واهنة، غير أن الأدباء والمبدعون ينحتون في الصخر للخروج من هذه الكوة المظلمة.

 وتضيف أن المبدعة حالة شديدة التركيب تجتمع فيها كل المعاناة التي تشمل الانسان العربي بعمومة والمبدع بشكل خاص، فكما تعاني من ذات الأشياء التي يعاني منها الانسان والمبدع العربي، كذلك يضاف على تلك المعاناة مجموعة العقد التي تحملها مجتمعاتنا تجاه المرأة بشكل عام.
 
*الروائية نجلاء العمري الكتابة نداهة كل العصور، كيف سحرتك وكيف اكتشفتيها بداخلك؟
 
– الكتابة هي الطريق إلى العوالم الخبيئة في دواخلنا، نكتشفها من خلالها ونكتشف الأشياء من حولنا ونبدأ بها رحلة طويلة لا تنتهي، رحلة من العشق والعناء والتماهي في الاخ الكون، لقد اكتشفت حزني وانا اجلس في ساحة المدرسة وحيدة، كل صديقاتي انتقلن إلى الصف السابع في مدرسة جديدة وبقيت انا بعد ان رسبت في مادتين في الصف السادس، وكان النظام الدراسي حينها ان أحضر هاتين المادتين فقط فيما اظل بقية اليوم انتظر في الساحة، وهناك صاحبتني الكتابة كصديقة طيبة وحانية، وتفجر الحزن في صورة تأملات لا نهائية وأحاسيس عميقة.
 
*هل افادك عملك في حقوق الانسان وقضايا الديمقراطية أدبياً؟
 
– كل ما يصب في روحي وعقلي ووجداني يتغلغل في حروفي وتتلبسه شخوصي دون أن أشعر والانسان دائما هاجسي ووجعي الذي لا ينتهي وكل علم ومعرفة تزيدني رهافة وحساسية نحو هذا الكائن الجميل الجارح والمجروح في آن واحد، لذا اظل اتمثله واسقط في عذاباته دون أن أعي، والكاتب حينما يكتب هو يتلبس كل حين شكلاً من أشكال الوجع لعدد لا ينتهي من البشر لذا يصلب في الكتابة آلاف المرات لتغيبه العوالم القاسية حيناً وتطهرة عوالم ثانية احياناً أخرى.
 
* كيف ترين المشهد الثقافي اليمني شعراً ورواية وسرداً؟
 
/ للأسف كل شيء في هذه المرحلة هش ويكاد يتهاوى، والمشهد الثقافي يناضل في سبيل الابقاء على أبسط أساسيات الحياة الثقافية التي كانت أساسا ضعيفة وذات بني تحتية واهنة، غير أن الأدباء والمبدعون ينحتون في الصخر للخروج من هذه الكوة المظلمة، ولازلنا نجد الاصدارات الأدبية تتوالي وظهور أسماء شبابية مبدعة ومحاولات بعض المؤسسات الثقافية والمبادرات الشبابية لانعاش هذا المشهد مستمرة برغم كل المعاناة التي تعانيها اليمن من الحرب وحالة عدم وجود دولة واستقرار سياسي.
 
ازمة المبدع
 
* هل أصبحت المعاناة أزمة ملازمة تصاحب المبدع اليمني؟
 
/ المعاناة ليست أزمه، بل هي التي تطلق الصوت الكامن في صدورنا، وتحررنا منا تحررنا من أنانيتنا وذاتيتنا والتمحور حول وجودنا، وكما قال نيتشة أن نحيا هو أن نعاني، أن نبقي على قيد الحياة هو أن نجد معنيً ما في المعاناة.

* ماذا عن روايتك «مراكب الضوء «؟
 
– هي روايتي الثانية تبلورت من خلال تجارب أليمة مع الموت، كان أكثرها ايلاماً وفاة والدي رحمه الله، وفيها الكثير من الأسئلة حول ثنائية الحياة والموت ووجع الفقد وفلسفة الحرية التي تتجسد في شخوصا ت الرواية ومنولوجات داخلية عميقه.
 
*الرواية تنقسم لروايتين «مراكب الضوء» و»ذاكرة لا تشيخ»، وفي كلا الروايتين نجد تسليطا قويا على مشكلات اجتماعية موجعة تتعرض لها النساء تحديدا لماذا؟
 
– عندما اكتب اتجول في ذاكرتي فتبرز لي الكثير من النساء البائسات اللواتي عايشتهن وعرفتهن واختزنت ذاكرتي احزانهن بتفاصيلها الموجعه. النساء أكثر عرضة للألم بكل أشكاله، خاصة في مجتمعات لا تعترف بعد بالكثير من حقوق النساء، لذا يسهل أن تصبح المرأة ضحية وأن تنتهك حقوقها دون أن يرى أحد أن ثمة حق قد انتهك. لذا تجد في رواياتي نجاة وآ منه تعرضت كل منهن لشكل مختلف من أشكال الانتهاك فالاولى تزوجت مبكراً ورغماً عنها والثانية حرمت من الزواج وانتزع حقها في الحياة ومع ذلك تجد نقاش هذه القضايا يسير ضمن سياقات أدبية منسجمة مع الوضع العام للرواية بسردها العميق لكل التفاصيل الانسانية والافكار الفلسفيه.
 
*في رواياتك الأخيرة يبدو انشغالك بالهم النسوي، كيف ترين ذلك؟ وهل يزعجك لو أدرج البعض كتاباتك في خانة الأدب النسوي؟
 
– روايتي «مراكب الضوء» وان تعرضت لأوجاع نسائية في اجزاء منها، الا انها برمتها تعالج صدمة الموت وآلآم الفقد والشوق والندم وهي مشاعر انسانية يمر بها الجميع على اثر موت شخص قريب وعزيز لهم، احاول في هذه الرواية أن اربط بين فلسفة الموت والحرية واسير بالقارئ من خلال شخوصات عدة إلى الاجابة على سؤال كيف تتحرر من هذا الالم؟ وكيف نعرفة ونعترف به ونطلقة عالياً حتى لا نظل أسري له إلى الأبد.اما فكرة الأدب النسوي فهي فكرة مرفوضة تماماً ولا يجدر بنا أن نفصل بين ما يكتبة الرجال وما تكتبة النساء لمجرد جنس الكاتب أ وموضوع النص والا اضطررنا إلى اعادة تصنيف كل الأدب الانساني والذي في كثير منه قام كتاب رجال بتسليط الضوء على أوجاع نسائية بحته.
 
*شخصياتك الروائية، هل تتمتع بحالة من الانعتاق من سلطة الكاتب اللغوية والفكرية؟
 
شخصياتي الروائية قوية ومستقلة وفي كثير من الأوقات هي التي تتسلط عليا وتتمرد – على السياقات التي اعتقد أن عليها أن تسير فيها، لكنني في حقيقة الأمر اقف في نهاية كل كتابة منبهرة بهذه الشخوصات التي تقودني بجنون وحكمة معاً، وغالباً ما ينتهي الصراع بيني وبين هذه الشخوصات لصالحها، لكنني اكون راضية ومنصاعة فهي التي تعرف أكثر مما أعرف وتبوح لي بمكنونات نفسها فأكتب.
 
/ ألم يحدث أن تورطت في تحميل احدى الشخصيات قناعاتك الخاصة، فحملت البطل مهمة الذود عن أفكارك المخبأة؟
/ من يستطيع ان ينكر ذلك، غير أن الكاتب يزداد قدرة على تحرير شخصياته منه مع الوقت، وتصبح تلك الشخوصات أكثر صرامة في التعبير عن نفسها بمعزل عن الكاتب المتلصص أحياناً والمتربص أحياناً اخري، وهنا يكمن قمة السحر لدي الكاتب الروائي ويتقلص الصراع الدائر بينهم ويصبح الروائي طرف ناقلاً لتلك الاصوات التي لاتمتلك أصابعاً لتكتب ويصبح الكاتب أكثر بصيرة وأقل نزقا،
*صدر لك من قبل مجموعتين قصصيتين الأولى بعنوان «أوجاع بنكهة الليمون «و» قلبك ياصديقي «، عنها.
 
– كتابة القصة فن مختلف تماماً عن كتابة الرواية، هي أشبة بالتقاطة كاميرا ذكية وحساسة، الانطباع الاول الفكرة الاولي، الاحساس الأول، التفاصيل الصغيرة السريعة والمقتضبة وشخصية بسيطة ومركزة تسرقك منك لدقائق ثم تتركك منهكاً ومذهولاً. في مجموعتي الاولى «أوجاع بنكهة الليمون» يغلب عليها الخيال فيما في «قلبك يا صديقي» اقترب أكثر من الواقع واصبح أكثر قدرة على التكثيف والايجاز وهذا ما يجعلها الأقرب الي.
 
القصة القصيرة
* ما رأيك بالقصة القصيرة جدا؟
 
– أي عمل يستطيع أن يترك أثرا في نفسك يستحق الاعتراف به وعلى القصة القصيرة جداً أن تكون قادرة على فعل ذلك والا لن تستطيع الاستمرار.أما بالنسبة لي شخصيا فلم يسحبني بعد هذا النوع من الكتابة على قدر شغفي بلغة الايجاز والتكثيف في القصة القصيرة جدا غير أن البناء القصصي للقصة القصيرة وبناء الشخصيات يستهويني أكثر ويأسرني.
*كيف ترين مقولة «زمن الرواية»؟
 
– يعجبني في ذلك ما قالة بهاء طاهر في انه لا يؤمن أن فنًّا يمكنه أن يزيح فنًّا آخَر، واتفق معة في ذلك تماما فكل فن له أدواتة للتعبير عن دواخل أنفسنا وماحولنا وفي رأيي أن الفنون تكمل وتغذي بعضها وكما قال ايضا أن الفنون تزدهر معا وتنحسر معًا.
* هل الكتابة تمرد؟
 
– الكتابة ضرب من الجنون، عندما يتلبسك شيطان الابداع تغيب كالمغشي علية الا من أصابعك التي تتحرك من تلقاء نفسها لتعبر عما لم تكن تعرف أو تدرك، لا تسمع ولا ترى ولا تتكلم حتى يتحرر جسدك وذهنك من شيطانك وتعود إلى وعيك مندهشا مما كتبت كيف ومن ومتى.
* الأسماء التي تأثرت بها؟
 
– أكثر الكتاب تأثيرا على هو رائد القصة القصيرة الروسي تشيخوف والذي انتزعني من خواطري وعوالمي الشعرية لأقتحم عالم القصة القصيرة الساحر والملهم، كاتب في غاية العمق والسلاسة أو كما يقال السهل الممتنع، كما شدني الأدب الروسي بشكل عام من مكسيم غوركي في رائعتة الثورية الأم إلى دستوفسكي في الجريمة والعقاب وتحليلاتة النفسية العميقة وتولستوي في الحرب والسلام والكاتب الأفاري العظيم رسول حمزاتوف.
 
*ما أبرز المعوقات التي تواجة الأديبة والكاتبة اليمنية؟
 
– الأديبة اليمنية من أكثر الاديبات جرأة وقدرة عن التعبير عن ذاتها ومجتمعها بلغة قوية ومكثفة لكن ربما ينقصها التراكم الابداعي اذ أن أكثر الأديبات ظهرن في التسعينات فيما الأديبات اللواتي ظهرن في السبعينات على ندرتهن الا انهن توقفن عن الكتابة بعد عمل أو اثنين.

* هل اثرت ثورات الربيع العربي على النتاج الابداعي؟
 
– ثورات الربيع العربي ولادة جديدة لشعوب عاشت تحت الاستبداد لفترات طويلة انها الحبل السري الذي بدأت تتنفس منه وتستعيد به وعيها ووهجها، ورغم كل هذه الخيبات والأوجاع التي صاحبت هذه الولادة الا أنها تمت بالفعل، فهل أثرت في الانتاج الأدبي اقول بالتأكيد فعلت ذلك ولكن لا أظن أنة حتى اليوم استطاع الأدباء التعبير عنها كما ينبغي.
 
*هناك من يرى أن هذه الثورات كشفت فشل النخبة المثقفة وتراجعها عن أداء دورها. ما رأيك؟
 
– لا أعتقد ذلك، النخب المثقفة أسهمت في تشكيل الوعي العام بصورة أو بأخرى وشاركت في امداد الثورات برؤى متجددة وكشفت للشباب الأهمية القصوي للتغيير عبر تراكم معرفي ونقدي لسنوات عدة، كما استمرت في تجذير فكرة الثورة وتعميقها والدفاع عنها بكل الطرق الممكنة.وفي رأيي أنها استطاعت حمايتها من كل محاولات الثورات المضادة لجعل الجميع يكفرون بها، وساهمت في ابقائها جذوة مشتعلة وستستمر في الدفاع عن كل مكتسباتها.
 
* كيف تنظرين إلى المثقّف اليمني في هذا الزمن، وهل هو يعيش على الهامش وفي ظلال السلطة السياسية بدل أن ينخرط في لحظة الثورة التاريخية؟
 
– المثقف اليمني هو جزء لا يتجزأ من المجتمع يعيش كل تفاصيلة التي لا يستطيع أن ينفصل عنها لذا كل ما عاناه المجتمع من ويلات الانقسام والتمزق عاني منه المثقف أيضا، فهناك من سقط في هذه اللحظة التاريخية وتحول إلى بوق من أبواق السلطة وهناك من تحمل مسؤوليتة كمثقف يسهم في تشكيل وعي المجتمع والنهوض به وكان على قدر المسؤولية ولايزال.
*لمن تكتبين اليوم وغداً؟
 
– دعني أبوح لك بسر، انا اكتب كي أتنفس لذا لا خيار لي في أن أكتب أو لا أكتب، اكتب لروحي التي تنمو بالكتابة، تحلق وتتخفف، كما اكتب للأرواح التي تعشق الفضاآت الفسيحة والمدي الرحب، واكتب للأوطان الباهتة المتهاوية للجسور المدمرة والمرأيا المتكسره، اكتب للخرق الممزقة البالية وللشوارع العابقة بالحزن، اكتب، لا استطيع الا ان اكتب لذا اكتب لكل شيء يشبهني، متشرد ومنثور مثلي، وعابئ بصورة موجعة.

*ما جديدك؟
 
/ لدي الكثير من الأعمال الجاهزة منها مجموعة شعرية، واكتب رواية جديدة بعنوان «أشواقي امرأه«كما أتمنى أن أنجز عملا عن ثورة. 11 فبراير العظيمة في اليمن لكن ربما لن يكون في الوقت القريب.
 
 


التعليقات