[ تخوّف من مرحلة جديدة يطلقها الحوثيون ضد خصومهم - الأناضول ]
في ظل الضبابية التي تخيم على المشهد السياسي في اليمن، يبدو أن جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، وبعد خسارة العديد من الأوراق خلال عامين من الحرب، لجأت أخيراً إلى إعادة تعريف المعركة على جبهتين، الأولى مع التحالف العربي وقوات الشرعية في الجبهات، والأخرى في مناطق سيطرتها، على محور النفوذ حيث الصراع مع حليفها حزب "المؤتمر" الذي يترأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومع ما أطلقت عليه "الطابور الخامس"، الذي بدا مصطلحاً عمومياً يمكن أن ترفعه الجماعة في وجه كل من يقول لها لا.
وكان الحكم الذي أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة التي يسيطر عليها الحوثيون، يوم الأربعاء الماضي، وقضى بإعدام الصحافي المعتقل في سجون الجماعة وحلفائها منذ ثمانية أشهر، يحيى عبدالرقيب الجبيحي، بمثابة التصعيد الخطير وغير المسبوق، والذي وضع الجماعة في حرب بلا هوادة مع الصحافة اليمنية والدولية عموماً، إذ يُعد سابقة تقرع أجراس الإنذار ويشير إلى أن الحوثيين يتحولون بمعركتهم من جبهات القتال مع القوات الحكومية، إلى مناطق سيطرتهم، حيث تعتقل الجماعة الآلاف في سجونها.
ووفقاً للمعلومات التي نشرتها وكالة الأنباء اليمنية الرسمية بنسختها الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فقد واجه الصحافي والكاتب اليمني المعروف، الجبيحي، في محاكمة أمنية لم يسبق أن جرت، تهمة بالتخابر مع دولة أجنبية، وهي السعودية، التي يعتبرها الحوثيون دولة "العدوان"، ليُصدروا بحقه، في ثاني جلسة من المحاكمة، حكماً بالإعدام، في تطور شكّل صاعقة بالنسبة للأوساط السياسية والإعلامية في اليمن، مثلما كان خبراً صادماً لقطاع واسع من اليمنيين، بما فيهم مناصرون للحوثيين.
ومن بين عشرات التعليقات المستنكرة والتي وضعت علامات الاستغراب، أنه في بلد تتدخل فيه السعودية على نطاق واسع وتقود تحالفاً لدعم الحكومة الشرعية، عسكرياً واقتصادياً، وتحصل على تأييد من قوى وأحزاب سياسية معتبرة، جاء حكم الإعدام من نصيب صحافي، دخل الستينات من عمره، رفض مغادرة منزله في صنعاء أثناء الحرب، وبقي فيه إلى سبتمبر/أيلول العام الماضي، حين اقتحمت قوات الأمن الموالية للحوثيين وصالح، منزله وقامت باعتقاله مع أحد أبنائه، وفي مشهد لا يكاد يصدق، ظهر خبر الحكم على الصحافي بالإعدام، من بين آلاف المعتقلين، أغلبهم بتهمة تأييد التحالف الذي تقوده السعودية.
في المقابل، تباينت تفسيرات اليمنيين وتعليقاتهم على هذه الخطوة التي وصفها البعض بـ"المجنونة"، والتي تقفز بالحوثيين وحلفائهم إلى حرب مع الأوساط المدنية والإعلامية والحقوقية في البلاد والعالم. إذ ذهبت العديد من التفسيرات، إلى أنها قد تكون بمثابة تدشين لمرحلة سوداوية في مناطق سيطرة الجماعة تجعلها في حرب مع من لا يحملون السلاح، بتهم شتى، وهناك من اعتبرها تصعيداً بوجه الصحافة والإعلام على نحو خاص، بعد أن كال زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، في خطاب سابق الشهر الماضي، سيلاً من التهم والتحريض ضد الإعلام والإعلاميين. ومع ذلك فقد بدت خطوة عصية على التفسير، بقدر ما هي تصعيد يضع الجماعة في حرب مع فئات جديدة من المجتمع.
وجاء الحكم الصادم في صنعاء، بعد أيام من خطوة أخرى أثارت الجدل، مع إصدار ما يُسمى "المجلس السياسي الأعلى"، قراراً بتسمية مفتٍ للديار اليمنية ورئيسٍ لهيئة الإفتاء اليمنية، وهو شمس الدين شرف الدين، أحد المحسوبين على الجماعة، قبل أن تعلن مصادر مقربة من حزب "المؤتمر" مساء الخميس الاتفاق على إلغاء هذا القرار.
قرار تعيين شرف الدين قبل التراجع عنه، مثّل محطة في معركة النفوذ والاستمرار بالسيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة في صنعاء، وهي المعركة التي برزت في الفترة الماضية، في أكثر من صعيد، بين جماعة الحوثيين وحليفها حزب "المؤتمر" الذي يترأسه صالح، ولا تزال قابلة للتصعيد في الفترة المقبلة.
وكان زعيم الجماعة قد أطلق في خطاباته الأخيرة العديد من الإشارات والتوجيهات بالحديث عن الترتيبات في مناطق سيطرة الجماعة، والإشارة إلى ما وصفه بـ"الطابور الخامس"، وهو اتهام عمومي، أثار جدلاً وردود فعل واسعة، مع اعتباره مؤشراً على توجه الجماعة إلى وصم خصومها أو منتقديها في المناطق التي تسيطر عليها، بهذه التهمة، خصوصاً مع دعوة الحوثي إلى تفعيل "قانون الطوارئ"، وهو قانون غير موجود أساساً، لكن هناك تسريبات عن سعي الجماعة لإصداره واتخاذه غطاءً في معركتها بمناطق السيطرة والنفوذ.