[ تسببت المليشيا بجرائم عديدة بحق المواطنين ]
لم تترك مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية في محافظة تعز بيتاً إلا وتركت آثاراً لا تنسى داخل تلك البيوت، وذلك من خلال بصمة قاسية رسمتها على جدرانها، فشهيد هنا، ومعاق هناك، وآخر بترت يده أو قدمه.
لم يكن يتوقع أهالي محافظة تعز أن تصل حجم معاناتهم إلى هذا القدر، فقد بلغ عدد النازحين من تعز بفعل الحرب الدائرة أكثر من 800 ألف نازح.
مأساة النزوح من المستطاع نسيانها والتأقلم معها وإن كانت صعبة، ولكن ما لا يستطيع أحد نسيانه هو فقدان شخص أو مجموعة من الأشخاص من عائلة واحدة للأبد.
"فقدت الزوج واختار الله أطفالي الذكور معه كلهم وأبقى البنات لحكمة ماذا أفعل بالحياة بعدهم؟"، بهذه العبارات بدأت الحديث زعفران الصلوي من قرية الجبجبة بعزلة القابلة بمديرية الصلو الواقعة في ريف تعز الجنوبي الشرقي.
زعفران هي أم لاثنين شهداء وزوجة شهيد أيضًا، في مجزرة بشعة ارتكبتها المليشيا الانقلابية يوم الجمعة 28 أبريل الماضي، جراء سقوط صاروخ كاتيوشا على المنزل الذي نزحت إليه في وقت سابق من قرية المقاطرة هروباً من شبح الموت.
تقول زعفران لـ"الموقع بوست" إنها "فقدت الزوج والولد وقبله الأب وآلام جراح لاتندمل وفراق لا يوصف بقي معي صراع البقاء".
وتابعت "فراق أطفالي لم يكن بالأمر السهل، جار الله عمر كان يبلغ 8 أعوام وأنعم كان في السابعة من عمره، لا يوجد أقسى وأمر من فقدان أم لأطفالها وما زاد من وجعي فقدان زوجي عمر أنعم غالب بنفس الوقت بقصف الحوثيين".
وتضيف "نزحت قبل مدة من منزلي في قرية المقاطرة بعد استهداف الحوثيين للقرية بالقذائف، هربت أنا وزوجي وأطفالي من الموت إلى منزل ابن أخت زوجي في قرية الجبجبة، إلا أن صواريخ الحوثيين لحقت بنا إلى مكان نزوحنا لتقضي على زوجي وأطفالي الذكور ولم يتبقّ لي إلا البنات، أصبحنا بدون عائل لنا ولا سند للبنات في مستقبلهن، فقد فقدن السند، ماذا تعني الحياة بدون أخ يساندهن".
وواصلت "بقينا لوحدنا هي أيام وتمضي"، وذلك قبل أن تختنق الكلمات بفم زعفران ولم تعد تستطيع النطق بكلمة واحدة بعدما تفجرت عيونها بدموع كانت قد حاولت كثيراً إخفاءها أثناء حديثنا معها، والله يعلم ما في القلب من مرارة.
زوجها الشهيد عمر أنعم غالب عابد الصلوي كان يعيش حياة البسطاء، حياته كلها السماحة، يعرفه كل أبناء القرية بطيبة قلبه وحلاوة لسانه وبشاشته، ليس العنفوان من طبعه، أما وضعه المعيشي فقد كان من الطبقة السفلى سابقاً أي ما قبل الحرب، ولكن بعد أن حولت المليشيا الانقلابية مديرية الصلو إلى ساحة حرب زاد من وضعه المعيشي الطين بلة وكان بالكاد أن يجد وجبتين في اليوم.
ابنته علا عمر أنعم (14 عاما) هي إحدى الناجيات من صاروخ المليشيا، قالت لـ"الموقع بوست": "نحن أيتام، الله أخذ أبانا لفقره، فكان يكفينا وجوده، يكابد الحياة، ويخرج من عندنا عند بزوغ الشمس ويعود عند غروبها حاملا معه أكياس وهي عبارة عن إما كيلو سكر وكيلو دقيق، أما اليوم زادنا القدر أطنانا من الهم والفاقة وأرطالا من الجروح".
أما مادرين فشعورها غير وهي تمسك الجوال بيدها اليسرى لكون يدها اليمنى نالت شظية من شظايا صاروخ المليشيا ودموعها لا تجف، بالكاد تنطق بكلمات معدودة تتمتم بكلمات متعثرة تتمنى الشهادة واللحاق بوالدها عمر وأخويها جار الله وأنعم.
محمد سعيد الحاج نجل شقيقة الشهيد عمر هو الآخر قال لـ"الموقع بوست": "خالي عمر أنعم اصطفاه الله من بين أربعة إخوة، هو الثالث بالترتيب، كان خير الناس وأنفعهم، وفراقه لنا نزل علينا كصاعقة، وانا أتذكر صوته قبل يوم من استشهاده وبعد أن علم أني سوف أذهب إلى الهند لزراعة الكبد ولكونه لا يملك غير روحه وجسده ليقدمه للصغير والكبير فقد كانت آخر كلماته لي: إذا تريد كبدي أعطيتك، أي والذي رفع السماء أنها كانت هذه الكلمات آخر عهدي به".
وأضاف "الحاج عمر ضرب أروع الأمثلة في صلة الرحم، أصبحت اليوم أستحي من دموع أمي وهي تتذكر وتقص علينا مواقفه، فرغم جفاف الحياة الروحية من حوله والمادية إلا أنه لا يضاهى به أحد في رفع الهمم والكسب الحلال".
مات المواطن عمر أنعم ولا يوجد في المنزل الذي نزح إليه ما يسد به جوع عابر سبيل غير الماء الذي كانت تأتي به مادرين على رأسها من الآبار.
كثيرة هي العائلات التي فقدت أبناءها بسبب قصف المليشيا الانقلابية، ولكن أن تفقد زعفران زوجها وطفليها بلحظة واحدة فهو أمر صعب جداً على أن يتحمله قلب الأم.