حلقة ثقافية في صنعاء تناقش رسالة الفن: هل يخدع الفنانون الجمهور؟
- القدس العربي - أحمد الأغبري الأحد, 04 يونيو, 2017 - 04:09 مساءً
حلقة ثقافية في صنعاء تناقش رسالة الفن: هل يخدع الفنانون الجمهور؟

يبقى السؤال الإشكالي المتعلق بفضاء (الفن للفن) متجدد الاختلاف في أروقة الفن في مجالاته واتجاهاته، إلا أن هذا الاختلاف المتجدد، الذي يكاد يتجاوز ظروف احتدامه التاريخي، قد تموضع عالمياً في الوقت الراهن، على إنسانية الجوهر الفني الجميل، استناداً إلى وعي حقوقي ما زال يتمدد ويتكرس عالمياً في الثقافة الإنسانية، وهو ما نقرأه واضحاً في ما بات عليه هذا الاصطفاف الإبداعي، إن جاز التوصيف، مع الإنسان وحقوقه في الحياة والحرية والكرامة والاستقلال والسلام وغيرها؛ وهو ما لم يكن بهذا الوضوح والاصطفاف في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين مثلاً، وهذا لا يعنى، أيضاً، موقفاً مؤيداً لمفهوم رسالية الإبداع والفن، بقدر ما هو موقف واضح للإبداع من إنسانية الإنسان في فضاء الحرية التي لا تُلزِم المُبدع بأي توجهات/ اتجاهات أو تخضعه لأي إملاءات أو تقيده بأي قيود.
 
مما سبق فالمسألة، هنا، تختلف عما كان عليه الواقع في مرحلة ظهور واحتدام الجدل حول الفن للفن والفن للناس، بينما بات الاختلاف الراهن تحت هذه اللافتة مرتبطاً بمستويات منسوب الحرية في ذات الفنان ووعيه، وما تفرضه على الذات والمنتج الإبداعي في آن، من تجردٍ وتمردٍ وانحيازٍ للإنسان وقيمه وحقوقه العليا، كما تتحدد مستويات هذا التجرد والتمرد والوضوح بما هو عليه إيمان ووعي المبدع بأهمية تحرره، وعدم خضوعه لأي تأثير أيديولوجي أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، على اعتبار أن مبدأ الحرية الذاتي الإبداعي الإنساني يكاد يكون مقدساً.
 
المشاركون في حلقة نظمتها مؤسسة بيسمنت (القبو) الثقافية وشبكة "Peace Direct" مؤخراً في صنعاء، ناقشوا إجابة السؤال: هل الفن قيمة جمالية مجردة؟ أم رسالة أخلاقية اجتماعية؟ وهذا السؤال، هو فحوى السؤال القديم نفسه: هل الفن للفن أم الفن للمجتمع؟ يبقى في الدائرة القديمة ذاتها، على الرغم مما في ظاهره من حصر للإجابة بين قيمة الجمال ورسالة الأخلاق، وهو ما يختلف تماماً مع السؤال القديم الذي كانت إجابته بين الفن باعتباره تجليا لذات الفنان، كقيمة فنية فردية مجردة، وهي القيمة التي انتزع منها -لاحقاً- الجمال وارتبطت بالفن فقط كحالة وجودية خيالية فنية، ومنها جاءت -مثلاً- تسمية الفنون التشكيلية بدلاً من الفنون الجميلة، والفن الموجّه وعلاقته بهموم المجتمع كمهمة رسالية إن جازت التسمية.
 
سلبيات
 
تفرعت نقاشات المشاركين، وهم مجموعة من الفنانين والأكاديميين والمهتمين، بين ثلاثة تساؤلات: هل يخدع الفنانون الجمهور ويقدمون أفكاراً لا معنى لها تحت مسمى الفن الحديث؟ هل تبنّي الفنان لأيديولوجية معينة يفقد العمل الفني قيمته؟ وهل يمكن فصل القيمة الجمالية للفن عن القيمة الموجهة؟

كان الاختلاف سائداً بالتأكيد، وهو اختلاف ممتد عبر التاريخ تحت هذه العناوين، وقد انقسمت الآراء، فرأي قال إن فكرة الفن للفن تراجعت تماماً بعدما كانت في أوج حضورها في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ليبدأ واقع مختلف في النصف الثاني من القرن العشرين، لأسباب كثيرة منها، سطوة الأيديولوجيا وتأثير النزعة الدينية، علاوة على ما في فكرة الفن للفن من سلبيات، من وجهة نظر أصحاب هذا الرأي، الذين يعتقدون أن سلبيات هذه النظرية أكثر من إيجابياتها، فمن سلبياتها، مثلاً، أنها تهتم بالشكل أكثر من المضمون، علاوة على أنها لا تؤمن بالمتلقي، وبالتالي فأعمالها لم تكن تصل للناس، وإن وصلت لا يجيد الكثير فهمها، وهو ما أثّر كثيراً في حضورها وتأثيرها وعزز من نخبويتها، كما أن مرحلة ظهور هذه النظرية كانت لها ظروفها وأسبابها، بينما الواقع الآن بات مختلفاً.

 التطور

وفي المقابل رأى آخرون أن المسألة ليست مرتبطة بظروف بقدر ارتباطها بمبادئ ذات علاقة بالحرية، ونظرية الفن للفن، تعني التحرر من أي قيود، ومثل هذا التحرر يمنح الفن قدرته على التطور والتطوير، فالفن للفن، كما يرى أصحاب هذا الرأي، هو أساس تطور التجارب الفنية العالمية، بدليل ما عاشته وتعيشه الفنون في أوروبا، التي ما تزال فيها الفنون متحررة من أي قيود، وفي الوقت ذاته ما زال الفنان هو محور العمل الفني. كما تؤكد التجارب أن أي أعمال موجهة مهما كانت هي أعمال تولد ميتة، وتبقى في الأخير أعمالاً دعائية لا يكتب لها عمر، ولهذا فالتاريخ لا يحفظ منها شيئاً، مؤكدين أن الفنان حُر في التعبير، وهو يستنبط قواعده من ذاته وليس من تأثير الآخرين. وفي هذا رأى البعض أهمية التفريق بين القيم الفنية الجمالية التي تحكم العمل الفني والقيم التي تحكم المجتمع، كما ليس بالضرورة أن يأتي العمل متوافقاً معها. وهنا نوه آخرون بأهمية امتلاك المتلقي خلفية فنية تعزز من قدرته على تذوق العمل الفني، لاسيما وقد أتاحت شبكة الإنترنت إمكانات الاطلاع والمعرفة، وفي هذا تعقيب أشار إلى أن نظرية الفن للفن تخص الفنان، لكن الذائقة تختلف بين المتلقين، وهنا يصبح العمل الفني النابع من ذات الفنان أكثر قدرة على فتح قنوات متعددة للقراءة لدى المتلقي، بينما الأعمال الموجهة تفقد قيمتها وفق أصحاب هذا الرأي.
 
إلى ذلك، أكد البعض الآخر على فكرة أن الفن يعبر عن الجوهر الإنساني حتى لو لم يدافع عن فكرة معينة. كما أن الفن للفن لا يعني العبثية، معتبرين ألا علاقة بالضرورة تربط بين الجمال والأخلاق، فثمة أعمال قد تتعارض مع الأخلاق لكنها في غاية في الجمال، وبعضها حقق نجاحاً باهراً، كشخصية زوربا الروائية، مؤكدين على أن المسألة فنية بجوهر إنساني جميل.
 
عوداً على ما قاله كاتب السطور في المقدمة، فإن إنسانية الجوهر الفني صارت هي المحك الذي تحتكم إليه جودة وقيمة العمل الفني، كما أن "الإنسانية الفنية" مرتبطة بمدى تعبير العمل الفني عن الجوهر الإنساني الجميل، تجلياً لوعي الذات ومفهومها وحالتها، وبأي طريقة وبأي مستوى، بعيداً عن أي ارتباطٍ بمصلحة أو تعبير عن رسالة لأي طرف أيديولوجي أو غيره، فالحقوق تجاوزت مفهوم "الرسالة" وأصبح معها الحديث عن "المصلحة" في الفن حديثا ترفيا وغير صحي في آن، فالمتلقي لم يعد غبيا، كما أن المدارس النقدية في مختلف مجالات العمل الفني تنطلق في قراءاتها وتقييمها من وعي المتلقي ورؤيته الإنسانية الحقوقية والجمالية القائمة على العدل الحقوقي والانسجام الجمالي، وبالتالي فإن أي عمل يتعارض مع جوهر وجمال الوعي الإنساني لا تكتب له الحياة إلا بقدر تماهي التعبير الذاتي (الفردي) الحر بجوهر الإنسان وجماله.
 


التعليقات