[ مبادرة الحوثيين جاءت في وقت لافت - فرانس برس ]
مع اقتراب موعد عقد مجلس الأمن الدولي، جلسة لمناقشة الأوضاع في اليمن، باتت التطورات اليمنية، في الجانب السياسي على الأقل، مرتبطة بنتائجها، وذلك في ظلّ طرح مبادرتين. الأولى دعا القيادي في جماعة أنصار الله (الحوثيين)، محمد علي الحوثي، مجلس الأمن لتبينها، وسبقها جدل في الشارع اليمني، حول مبادرة أطلقها الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد.
وكان محمد علي الحوثي، رئيس ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، وأحد القادة البارزين في الجماعة، قد كشف أمس الخميس، عن رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ولأعضاء مجلس الأمن الدولي، تضمّنت "مبادرة لإنهاء المآسي التي جلبها" ما وصفه بـ"العدوان على اليمن"، في إشارة للعمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية. وتضمنت الرسالة ستة بنود، أولها "تشكيل لجنة مصالحة، ثم الاحتكام لصندوق الانتخابات لانتخاب رئيس وبرلمان يمثل كل الشعب اليمني وقواه السياسية، ووضع ضمانات دولية ببدء إعادة الإعمار وجبر الضرر، مع أي اعتداء من دول أجنبية على اليمن، وإعلان عفو عام وإطلاق كافة المعتقلين من كل طرف، وأخيراً، وضع أي ملف مختلف عليه للاستفتاء". واعتبر الحوثي في رسالته، أن "أي حلول لا يمكن أن تكون جذرية ما لم يتم إيقاف ما وصفه بـ"العدوان" (عمليات التحالف) وكذلك رفع الحصار البري والبحري والجوي، عن البلاد.
ومثّلت دعوة الحوثيين، مجلس الأمن، إلى "اعتماد مبادرة، تدعو للاحتكام لصندوق الانتخابات"، خطاباً لافتاً، لهم وهم الذين عُرف عنهم، استخدام السلاح للتوسع والسيطرة على مركز الدولة اليمنية. إلا أن المبادرة الحوثية، خلت من الحديث عن الترتيبات العسكرية والأمنية المفترضة، التي من الممكن أن توفر بيئة مناسبة للانتخابات، بما جعلها أقرب إلى "كلام في الهواء"، وفق تعليقات العديد من النشطاء المعارضين للحوثيين، الذين رأوا أن "المبادرة"، لا تتمتع بأهمية، لأسباب عدة، منها أن ما يُسمى بـ"اللجنة الثورية العليا"، كيان ليس له صفة اعتبارية رسمية، خصوصاً منذ تشكيل ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، الذي حل محل "اللجنة الثورية"، كواجهة للسلطة في مناطق سيطرة الحوثيين وحلفائهم.
وكان محمد علي الحوثي قد أصدر في السادس من فبراير/شباط 2015، ما سُمي بـ"الإعلان الدستوري"، الذي قامت بموجبه الجماعة بحل مؤسسات الدولة (الرئاسة، والحكومة، والبرلمان)، وسلّمت السلطة لـ"اللجنة الثورية العليا". وتألفت الأخيرة من 15 عضواً برئاسة محمد الحوثي نفسه، وقد استمر الأخير، بممارسة مهام الرئيس في مناطق سيطرة الجماعة، في الفترة التي تلت ذلك، وحتى يوليو/تموز 2016، عندما اتفق الحوثيون وحزب المؤتمر برئاسة الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، على تشكيل "المجلس السياسي الأعلى"، وإعادة البرلمان للعمل. وعلى الرغم من أن الاتفاق لا يعترف بأي صفة لـ"اللجنة الثورية"، (في الحكومة الانقلابية)، إلا أن محمد الحوثي، ظهر في أكثر من مناسبة، بصفته رئيساً للجنة، وآخرها، الرسالة التي بعثها للأمم المتحدة.
وكان واضحاً أن رسالة الحوثي جاءت في سياق الخطوات التي استبقت اجتماع مجلس الأمن المرتقب في 27 من الشهر الحالي، لمناقشة تقرير فريق الخبراء، الذي نُشر بنسخته النهائية، منذ أكثر من أسبوع. ورأى الفريق، أن "محمد علي الحوثي، يستوفي معايير إدراج الشخصيات في لائحة العقوبات الدولية المفروضة على يمنيين، نظراً لدوره في قيادة الأحداث التي شهدتها صنعاء مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي وقتل خلالها الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح". وهي الأحداث التي ذكر التقرير أنها "تشكل تهديداً للسلام والأمن في اليمن".
ومنذ أسابيع، باتت أغلب التطورات السياسية اليمنية، مرتبطة بدرجة أو بأخرى، بالجلسة المرتقبة في مجلس الأمن، المقرر أن تبت بالعقوبات المفروضة على الرئيس الراحل ونجله الأكبر أحمد، المتواجد في الإمارات، والذي دشن أنصاره منذ أيام، حملة إلكترونية، تطالب بشطب اسمه من قائمة العقوبات، وذلك بعد أن انفضّ التحالف بين أنصاره وبين الحوثيين وما رافق ذلك من تطورات. كما أن الجانب الرسمي اليمني في الشرعية، لم يحدد موقفاً معلناً على الأقل، برفع العقوبات من عدمه، غير أن أبوظبي والرياض، والأولى على نحو خاص، تدفعان نحو رفعها.
وفي سياق الحديث عن مبادرات، ولكن بعيداً عن مجلس الأمن، أثارت مبادرة أطلقها الرئيس اليمني الجنوبي الأسبق، علي ناصر محمد، نقاشات في الأوساط السياسية اليمنية، وذلك بعد أن رأى خلال مشاركته في مؤتمر "فالداي" للحوار، بالعاصمة الروسية موسكو، يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين، أن "الحل في اليمن، يكمن في ثماني نقاط، وهي إيقاف الحرب وتوفير مناخ سياسي ملائم للحل، والشروع بعد وقف اطلاق النار بخطوات لاستعادة الثقة بين المتصارعين بموجب تشكيل مجلس رئاسي لإدارة المرحلة الانتقالية، وتشكيل حكومة توافقية من كافة المكونات السياسية، بالإضافة إلى تشكيل لجان عسكرية محلية وإقليمية ودولية لجمع السلاح الثقيل والمتوسط من الجماعات المسلحة ومركزتها تحت سلطة وزارة الدفاع الوطنية، والبدء في حوار بين كافة المكونات السياسية والاجتماعية للتوافق على شكل الدولة الفيدرالية وقيام الدولة الاتحادية من إقليمين، وتشكيل لجنة دستورية لتنقيح المشاريع الدستورية المطروحة، وتشكيل لجنة انتخابية لوضع الأسس لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وعقد مؤتمر دولي لتمويل وإعادة إعمار ما دمّرته الحرب، ودعم مجلس الأمن الدولي لهذه الخطة لتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تحت إشرافه".
ورحّبت قيادات حوثية بالمبادرة التي أعلنها علي ناصر محمد، ووصفها القيادي في الجماعة، عبدالملك العجري، في تصريح له، بأنها "مبادرة مسؤولة وواقعية تمثل في معظمها مخارج جيدة للحل السياسي في اليمن"، غير أن "المجلس الانتقالي الجنوبي"، هاجم المبادرة. وقال القيادي في المجلس، لطفي شطارة، إن "الرئيس الأسبق علي ناصر محمد الذي نكن له كل الاحترام، ومهما اختلفنا مع طروحاته بالنسبة للحلول السياسية للخروج من الوضع الذي تمر به اليمن، والتي يطرحها هنا أو هناك، وخاطبه بأن الواقع تجاوز هذه الرؤية التي أعلنها من موسكو، وأن الجنوب واقع جديد وهناك تعاطٍ دولي مع المجلس الانتقالي".