[ الملاريا تفتك بالأطفال أيضاً في اليمن ]
تستمرّ معاناة اليمنيّين منذ بدء الحرب في البلاد في عام 2014. إضافة إلى الخوف والتهجير والفقر وغيرها، تنتشر الأمراض، خصوصاً الملاريا وحمى الضنك بسبب المياه الآسنة وانتشار البعوض. ولا يبقى أمام المواطنين غير الشكوى والصبر وانتظار الموت
كثيرة هي الأمراض التي يُصارعها اليمنيون منذ بدء الحرب في سبتمبر/ أيلول في عام 2014، خصوصاً في المناطق التي ترتفع فيها نسب الفقر، ولا تتوفّر فيها مراكز صحية. مؤخّراً، زاد عدد المصابين بالملاريا وحمى الضنك في بعض المحافظات اليمنية الشمالية والغربية، وقد أُصيب المئات في ظل ضعف الرعاية الصحية وندرة حملات مكافحة البعوض الناقل لهذه الأمراض.
وفي العديد من مناطق السهل التهامي في اليمن، ينتشر البعوض الناقل للملاريا، علماً أن سكان هذه المناطق الفقيرة لا يتبعون أساليب صحية لناحية الانتفاع من المياه، ما يساهم في انتشار المرض. في السياق، يقول فؤاد راحج، أحد سكان مدينة عبس الواقعة في تهامة (في الجهة الشمالية الغربية لمحافظة حجة)، إنّ الملاريا انتشرت مؤخراً في المديرية بعدما كانت قد تراجعت خلال الأشهر الماضية، مشيراً إلى أن انعدام الأدوية وغياب حملات رش البعوض الناقل للمرض من أهم أسباب انتشاره مجدداً. ويؤكّد أن المرض ينتشر بشكل كبير، وهناك مناشدات من المواطنين للسطات المحلية والصحية لتوفير العلاجات والمبيدات الخاصة في الأحياء التي يكثر فيها البعوض، إذ إن المياه الراكدة والمكشوفة في مواقع كثيرة تؤدي إلى سرعة انتشار المرض بين السكان.
وتحتلّ محافظة حجة المرتبة الثانية لناحية انتشار الملاريا بعد الحديدة، علماً أن المرض ينتشر في معظم المديريات في المحافظة، ويفتك بعدد كبير من المواطنين، من بينهم الأطفال سنوياً، وفقاً لتقارير صحية رسمية. ويؤكّد الطبيب محمد الخياط انتشار الملاريا والضنك في الحديدة وحجة، موضحاً أن أهم أسباب انتشار الأمراض في هذه المناطق الحارة هو توقف حملات الرش لمكافحة البعوض والحشرات الضارة، نتيجة عدم توفّر المواد والميزانية الخاصة في المرافق الصحية. يضاف إلى ما سبق انعدام الأدوية، وعدم دعم المراكز الطبية لمواجهة الحمّيات التي تنتشر بشكل كبير في عدد من مناطق محافظة حجة والحديدة. ويقول لـ "العربي الجديد": "فيضان مياه الصرف الصحي في أحياء كثيرة في الحديدة يؤدي إلى تكاثر الحشرات الناقلة للحميات الفيروسية، وبالتالي زيادة عدد المصابين بالملاريا، خصوصاً أن حملات الرش بالمبيدات متوقفة تماماً".
في السياق، يؤكّد مدير مكتب الصحة في مديرية عبس في حجة، إبراهيم عرام، أن أعداد المصابين بالملاريا وحمى الضنك باتت بالمئات، في مقابل ندرة الأدوية والمستلزمات الخاصة بمكافحة المرض. ويقول لـ "العربي الجديد": "الأدوية الموجودة، على غرار الأقراص، ليست كافية لعلاج جميع المرضى، كما أن كثيرين عاجزون عن شرائها". يضيف أن الأطفال المصابين يحتاجون إلى "أدوية شرب أو حقن وهي غير متوفرة في المرافق الحكومية، كما أن المواطنين غير قادرين على شرائها من الصيدليات الخاصة لارتفاع أسعارها. الظروف المعيشية صعبة للغاية وهذا أحد أهم أسباب انتشار المرض".
وعن الوفيات، يؤكّد عرام عدم وجود وفيات بسبب هذا المرض حتى الآن في مديرية عبس، "ولكن هناك حالات دخلت مرحلة الخطر بعد أن وصلت الحمى إلى الدماغ ويتم تحويلها إلى المستشفيات الكبيرة في مركز المحافظة لتلقي العناية لعدم قدرة المرافق الصحية في عبس على تقديم العناية الخاصة لهذه الحالات". ويلفت إلى أن لدى المديرية أربع مرافق صحية إضافة إلى مستشفى عبس المدعوم من منظمة "أطباء بلا حدود"، والذي يؤمن العلاجات للحالات الخطيرة فقط.
في فصل الشتاء، تنتشر الملاريا في مناطق سهل تهامة بشكل كبير، ويعاني الناس من انتشار البعوض بعد هطول الأمطار في نهاية الخريف، والتي تعد رافداً لبرك ومستنقعات باتت أرضاً خصبة للبعوض. ويقول منسّق برنامج الملاريا في محافظة الحديدة (غرب اليمن)، عبد الرحمن القديمي، لـ "العربي الجديد"، إنّ "الملاريا من الأمراض الموسمية في محافظة الحديدة، وتبدأ في شهر أكتوبر/ تشرين الأول وتستمر حتى شهر مارس/ آذار من كل عام". ويشير إلى أن هذا المرض يعدّ أحد أبرز المشاكل الصحية وأكثرها تعقيداً وخطورة في سهل تهامة عموماً والحديدة خصوصاً، كما أنه لا يمكن للفقراء تحمّل تكاليف العلاج، لاسيما القاطنين في المناطق الريفية المطلة على ضفاف الوديان.
ويؤكّد القديمي أنّ الحديدة سجّلت خلال الأعوام الماضية ارتفاعاً ملموساً في نسب الإصابة بالملاريا في عموم المديريات، وبلغت نسبة الإصابة فيها 4.5 في المائة. ويعد الأطفال دون سن الخامسة والنساء الحوامل من أكثر الفئات إصابة بالملاريا، لافتاً إلى أن 60 في المائة من سكان اليمن معرضون لخطر الإصابة بالملاريا، إذ يقدر عدد حالات المصابين سنوياً بما بين 1.5 و1.8 مليون حالة، فيما تبلغ عدد حالات الوفاة الناجمة عن الملاريا سنوياً ما بين 15 و18 ألف حالة.
وعن مرض حمى الضنك، يوضح القديمي أنه "ينتقل عن طريق أنثى بعوض الايديس تزامنآ مع موسم انتشار مرض الملاريا، إلا أنه يستمر في الانتشار أكثر من مرض الملاريا". يضيف أنه يلاحظ ارتفاع الإصابه بهذا المرض من شهر مارس/ آذار وحتى شهر مايو/ أيار، ثم يبدأ بالانخفاض تدريجياً، مع العلم بأن مرض حمى الضنك في الحديدة واليمن بشكل عام اختفى منذ فتره طويلة، إلا أنه عاود الظهور في عام 2005 في محافظة الحديدة واختفى بعدها تماماً حتى عاد في عام 2010، من خلال مهاجرين أفارقة. ويصنّف اليمن ضمن المنطقة الأفريقية الاستوائية حيث تنتشر الملاريا المنجلية، وهي أخطر أنواع الملاريا، بنسبة 90 في المائة، وفقاً لتقارير دولية.
وكانت منظّمة "أطباء بلا حدود" قد أعلنت مؤخراً أن الملاريا تواصل تأثيرها على آلاف السكان اليمنيين، في ظل نظام صحي ضعيف من جراء الحرب الدائرة في البلاد منذ نحو ثلاثة أعوام. وتقول في بيان إنها عالجت خلال عام 2017 أكثر من عشرة آلاف مصاب بالملاريا. وفي فصل الخريف الماضي، كان من بين الاستشارات المقدمة والذي بلغ عددها 3225، 654 حالة مصابة بالملاريا. وتلفت إلى أن أودية محافظة عمران (شمال) من بين المناطق التي ينتشر فيها المرض.