السعودية تزيل "الطلاء" عن وجه صالح الذي رممته.. ما الرسالة؟
الخميس, 24 أكتوبر, 2024 - 09:00 مساءً

على وقع وهتافات شباب التغيير في صنعاء "الشعب يريد إسقاط النظام"، استهلت قناة العربية فيلمها الوثائقي عن "الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح"، هكذا وصفته، لأول مرة، واتهمته باغتيال الرئيس الشهيد، إبراهيم الحمدي، بالتعاون مع نظام البعث في العراق.

قبل أمس، أعادت القناة نشر الفيلم الوثائقي على موقعها في يوتيوب، تحت عنوان "صالح.. أنا ومن بعدي الطوفان"، ثم حذفته في وقت لاحق، لتثير الكثير من التساؤلات.

يبدو، أن السعودية تحاول إزالة بقعة "الطلاء" عن وجه صالح الذي رممته عقب تعرّضه للهجوم في مسجد دار الرئاسة العام 2011.

تضمن الفيلم اتهامات كثيرة؛ منها تهميش الجنوب ومحاربته، وأن صالح أصيب بخيلاء القادة التاريخيين وغرور الديكتاتورية عقب حرب صيف 1994.

عرّضت القناة بعلاقاته مع الرئيس الراحل صدام حسين، مؤكدة أنه كان معجبا بصدام لدرجة تقليده في الخطاب والحركات والخيلاء.

أما تحالفاته مع الحوثيين، فقد وصفت العلاقة بأنها كانت تحالفا باطنيا قبل العام 2011، ثم بشكل مُعلن، لاعتقاده باستخدامهم.

وقال التقرير إن صالح أضاع الحصانة والرئاسة والشعبية؛ نتيجة طمعه المعروف، ورغبته في الانتقام.

حسب تعبير القناة، "سقط أخيرا" بعد محاولات كثيرة في توظيف ورقة القاعدة والحوثيين؛ بسبب أنه أدخل نفسه في لعبة لم يكن يتوقع نتائجها.

كما وصف التقرير ثورات الربيع العربي بأنها ثورات التغيير، وأن صالح أضاع فرصا كثيرة، وراح ضحية ألاعيبه وابتزازه.

ورغم أن القناة عادت وحذفت التقرير، الذي سبق وأن أنتجته قبل تسع سنوات، لكن إعادة نشره، في هذا التوقيت، لا يخلو من رسائل ودلائل.

بالتأكيد، جرت مياه كثيرة خلال هذه الفترة، ويمكن القول إن رغبة السعودية في الانتقام من صالح تلاشت، خاصة وأنه قد نال ما يستحق، حسب توصيفات الفيلم.

أجمعت تعليقات المتابعين، في مواقع التواصل الاجتماعي، على أن للأمر علاقة بما تريد السعودية ترتيبه في المشهد اليمني، وما تواجهه من عقبات أيضا.

يرى هؤلاء أن ورقة ما تبقى من نظام صالح، التي تحاول الإمارات الدفع بها إلى تصدر المشهد، هي السبب الرئيسي، 
مؤكدين أن إعادة السعودية نشر الفيلم، والتذكير بسياسات وجرائم صالح، هو تصاعد خلافاتها مع أبو ظبي حول تطورات وترتيبات المشهد اليمني.

لذلك، عدّوا أن السعودية تضع ألغاما في طريق ما تبقى من نظام صالح، خاصة نجله الذي يتردد أن الإمارات تهيِّؤه ليكون لاعبا في المشهد.

وهناك أيضا قوات طارق صالح في الساحل الغربي، التي أعدتها الإمارات بشكل جيّد لتكون هي الأخرى قواتها عند الطلب.

ثمة كثير من تطوّرات المشهد اليمني، ورغبة المملكة نهمة لا يقف في طريقها سوى المليشيات المدعومة من أبو ظبي شمالا وجنوبا، كما يبدو.

في المقابل، طفح أنصار صالح بالشكوى، مؤكدين أن هذا التوجّه الآن لا يخدم سياسة المملكة، ولا التوجّهات المحلية لمواجهة الحوثيين.

لا شك أن الرسالة كانت مؤلمة، ليس فقط إلى جهة التوجيه، بل بسبب ما تضمنته من ألقاب وصفات قبيحة حول صالح.

عد أنصاره هذه المصطلحات توجّهات خطيرة؛ لأنها ذكرتهم بصفات زعيمهم من قِبل دولة محورية في المنطقة، حتى وإن كان المنتج قديما، فالحال والتوصيف لم يتغيّر، مؤكدين أن أية محاولات لاستهدافه على خلفية مشاكل وتباينات مع الحلفاء، ليس السبيل الصحيح، خلال هذه المرحلة بالذات.

لقد ظهرت حكمتهم كالعادة وآلمتهم الرسالة السعودية، فاستدعوا عبارات التحذير والتنبيه من شق الصف الوطني.

الحقيقة أن صالح كان من أكثر الشخصيات فهما وإدراكا لطبيعة وتركيبة مليشيا الحوثي، لكن حقده ونزوات انتقامه كانت أكبر.

صحيح أن التشفي بالنهايات المخزية ممكنة خاصة في حالات بعض أنصاره إظهاره كحمل وديع، وإيجاد مبررات وتخريجات لقصة انتقامه من الدولة والجمهورية، غير أن السعودية لديها أسبابها الخاصة في توجيه الرسائل وإعادة التذكير بها.

على سبيل المثال، في ذروة حروب صعدة، وبعد محاولات كثيرة لجر السعودية إلى الحرب، جرت اشتباكات بين حرس الحدود السعودي والحوثيين بالقرب من حدود محافظة جازان، وشن الطيران السعودي غارات جوية على مواقع الحوثيين.

في ذلك اليوم، خرج صالح مبتسما، وقال -في خطاب ألقاه خلال احتفال تدشين أول شحنة من مشروع الغاز الطبيعي المسال في اليمن- إن الحرب الحقيقية بدأت.

تبيّن للسعودية فيما بعد أن الرجل يريد توريطهم، كما حاول في تقديم إحداثيات خاطئة لضرب الجيش الذي يقوده اللواء علي محسن الأحمر.

شخصيًا، لطالما تساءلت في نفسي: أيهما أفضل للسعودية: يمن قوي مستقر أم بلد ضعيف مفكك وهش؟

في عهد صالح كانت الهشاشة مصدر قوّة له، ووسيلة تهديد ضد السعودية، ولطالما هدد صراحة وتلميحا بجيوش الفقراء والنازحين على الحدود، وعناصر تنظيم القاعدة، وانتقال الاضطرابات إلى عُمق الرياض؛ كانت المملكة تدرأ هذه المخاوف بدعم نظام حكمه فقط، أو كيانات قبلية فاعلة.

في حال توجّه الدعم منها أو من غيرها إلى التنمية العامة للبلاد، يلجأ صالح إلى استخدام حيله وأساليبه في التهديد.
لذلك، فإن ما فعلته المملكة العربية أن أعادت التذكير ببعض محاولاته الكثيرة لابتزاز السعودية والولايات المتحدة بورقتي القاعدة والحوثيين.

وقائع وحالات الابتزاز، والتصريح الصريح بالتورط في المؤامرات بشكل متبادل، كثيرة، وإن حاولت السعودية بدورها النأي بنفسها بعيدا عن تطوّرات المشهد قدِيمه وحدِيثه.

التعليقات