[ أزمة مياه ومعاناة في محافظة إب ]
تشهد محافظة إب (وسط اليمن) أزمة مياه خانقة، منذ منتصف العام 2018، لكن ازدادت حدتها مع مطلع العام الجاري، بحسب سكان المدينة.
اضطرت آلاف الأسر بالمدينة في الآونة الأخيرة -تحت وطأة حكم جماعة الحوثيين التي لا تشعر بالمسؤولية وتحت ضغط العامل الاقتصادي وتناقص قدراتها الشرائية- إلى التخلي عن شراء المياه، وبدأت فعليا البحث عن مصادر بديلة مجانية حتى لو لم تكن آمنة صحيا.
ولجأ غالبية السكان في المدينة إلى الاعتماد على مياه الأمطار لإرواء عطشهم، بينما يعتمد البعض على "الصهاريج"، ويبلغ سعر الصهريج 16 ألف ريال.
وأصبحت مشكلة المياه في محافظة إب (اللواء الأخضر) حديث الناس السائد في الحارات والمساجد في المحافظة الغنية بالمياه.
تلاعب حوثي
ويشكو المواطنون من انقطاع المياه في غالبية أحياء المدينة، في حين تتوفر في بعض الأحياء، وهو مؤشر على أن هناك أيادٍ خفية للتلاعب بالمياه، من بينهم المدرس أحمد الكامل.
يقول أحمد الذي يقطن بأحد أحياء مديرية الظهار في حديثه لـ"الموقع بوست" إن الماء يأتي مرة كل شهرين بينما أحد أقاربه الذي يقطن في منطقة حراثة فإن مشروع المياه يأتي بشكل متواصل وإذا انقطع يأتي مرتين في الأسبوع.
يضيف: "طبعا الماء يأتي بشكل متواصل إلى منطقة حراثة لأن غالبية السكان هناك برجوازيون ينتمون للحوثيين (هاشميين)، بينما بقية الأحياء الفقيرة لهم الله".
يتابع أحمد بحسرة وألم: "نحن أسرة كبيرة مكونة من تسعة أفراد، راتبي متوقف منذ قرابة أربعة أعوام وعاطل عن العمل ولا يوجد أي مصدر للدخل، غالبية الأيام ننام من دون عشاء، فمن أين لي أن أدفع قيمة صهريج الماء 16 ألف ريال؟".
استثمار حوثي
وتقوم مؤسسة المياه في إب شهريا بتوزيع فواتير لكل المشتركين وبأسعار مضاعفة وارتفاع 100% لقيمة الوحدة الاستهلاكية.
وهو ما أكده المواطن بشير السياني قائلا بأن القيمة الاستهلاكية التي كان يدفعها لقيمة الوحدات الاستهلاكية لا تتجاوز ألفي ريال، ومنذ مطلع العام الجاري رفعت المؤسسة القيمة الاستهلاكية إلى أكثر من الضعف، مشيرا إلى أن أقل فاتورة تصله خلال الأشهر الأخيرة تتجاوز أربعة آلاف ريال، رغم قلة استهلاكه للمياه، لافتا إلى أن المياه كانت تأتي سابقا أربع مرات في الشهر بينما في الفترة الأخيرة مرة واحدة فقط بالشهر.
يقول السياني لـ"الموقع بوست" إن أزمة المياه في إب مصطنعة من قبل جماعة الحوثي، وبأن الجماعة تتعمد سياسة التعطيش كي يبقي المواطنون أسرى احتياجاتهم يبحثون عن أبسط مقومات الحياة وهو الماء.
ويتهم الأهالي في إب جماعة الحوثي بالتلاعب بالمياه واستثمار ذلك، مشيرين إلى أن القائمين على مؤسسة المياه يتعاملون مع بعض عقال الحارات من أجل دفع مبالغ مالية مقابل أن يظل مشروع المياه متوفرا في تلك الحارات، وهو الأمر الذي يتسبب بانقطاعه في بعض الأحياء لمدة أكثر من شهرين.
جباية
وتفرض جماعة الحوثي التي تسيطر على مدينة إب منذ منتصف أكتوبر 2014، على المواطنين تسديد فواتير المياه كل شهر، حتى وإن لم يكن هناك مياه.
ويستغرب المواطنون من توزيع مؤسسة المياه -الخاضعة لسيطرة الحوثيين- فواتير على المشتركين من دون مياه، من بينهم علي النظاري.
يتساءل النظاري في حديثه لـ "الموقع بوست": "بأي حق ندفع هذه المبالغ ونحن نظل طوال الشهر منتظرين وصول الماء ونتفاجأ بوصول الفاتورة ولا يوجد ماء أصلا.. العداد متوقف والاستهلاك صفر؟".
واعتبر النظاري فرض الحوثيين تسديد فواتير المياه "حيلة" جديدة لنهب أموال المواطنين إلى جانب الجبايات والإتاوات التي فرضوها سابقا على التجار والشركات كمجهود حربي لتمويل مقاتليهم في الجبهات.
صورة تظهر اختلاف بالقراءة من العداد إلى الفاتورة
مبررات واهية
وأرجعت مؤسسة المياه -في تقرير لها صادر في أغسطس/ آب العام الماضي- أسباب أزمة المياه في المحافظة يعود إلى نضوب 9 آبار جوفية في الأحواض المائية، وإلى حفر الآبار الارتوازية العشوائية في منطقة السحول وميتم، وإلى استقبال المدينة لمئات الآلاف من النازحين من المحافظات المجاورة مما زاد من عملية الاستهلاك.
لكن مصادر في المؤسسة -طلبت عدم الكشف عن هويتها خلال حديثها مع "الموقع بوست"- أشارت إلى أن هناك تلاعبا وفسادا في المؤسسة لأغراض استثمارية، بينها تعاقدات من قبل نافذين بالمؤسسة مع أصحاب ومالكي مضخات المياه، لتأزيم المواطنين وإجبارهم على شراء صهاريج المياه، والتي يدفع ملاك المضخات مبلغا ماليا على كل صهريج، وكان سعر الصهريج قبل الأزمة خمسة آلاف ريال واليوم 16 ألف ريال.
إلى جانب ذلك، تواصل "الموقع بوست" أكثر من مرة مع مؤسسة المياه في إب عبر هاتف خدمة المشتركين، للاستفسار عن الأسباب الحقيقة لأزمة المياه، وأرجعت ذلك إلى عدم توفر الوقود (ديزل)، وتارة تبرر ذلك بنضوب الآبار الجوفية، وأخرى تقول إن المضخات معطلة.
وانتشرت خزانات "مياه السبيل" في بعض الأحياء بالمدينة (صهاريج مجانية يضعها فاعلو الخير في الأحياء)، لكن كمية المياه لم تفِ بالغرض نتيجة توزيعها على الأسر بالحارات.