اليمن.. حين يتحالف "الأعداء" لخدمة الإمارات
- الأناضول - عزيز الأحمدي الثلاثاء, 09 يونيو, 2020 - 10:07 صباحاً
اليمن.. حين يتحالف

[ طارق صالح وعيدروس الزبيدي قائدا مليشيات الإمارات باليمن ]

منذ اندلاع النزاع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي في أغسطس/آب الماضي، تلاحق أطرافا عسكرية "شمالية" تدعمها الإمارات، اتهامات بالوقوف إلى جانب المجلس "الانفصالي" (ذراع جنوبي لأبو ظبي)، ودعمه بالعتاد والمقاتلين ضد القوات الحكومية.

 

هذا الدعم بات أكثر وضوحا مع اندلاع القتال في محافظة أبين (جنوب) منتصف مايو/ أيار الماضي، بين الجيش اليمني ومسلحي المجلس الانتقالي، الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله.

 

فإضافة إلى حديث نشطاء موالين للحكومة عن وجود أدلة حول مشاركة قوات تابعة لـ"العميد" طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح (1942 - 2017)، إلى جانب "الانتقالي" بالقتال الدائر في أبين، أفادت وسائل إعلام محلية، نقلا عن مصادر عسكرية الخميس، بوصول ثلاث دفعات من السلاح والمقاتلين إلى محافظة عدن (جنوب)، قادمة من الساحل الغربي.

 

المصادر أفادت بأن تلك القوات تابعة لطارق صالح، وتتم إعادة ترتيبها في معسكرات غرب عدن، تمهيدا لنقلها إلى خطوط المواجهة ضد القوات الحكومية في ريف مدينة زنجبار، عاصمة أبين.

 

وبالنظر إلى ماضي الصراع في اليمن، خلال العقود الثلاثة الماضية، فقد كان مفاجئا لكثيرين عودة أطراف في قوى الحراك الجنوبي، المنادي بفصل الجنوب عن الشمال، إلى احتضان رموز بارزة في نظام الراحل صالح، المتهم من قبلهم بشن الحرب على الجنوب في مايو 1994، وتدمير "الوحدة الطوعية" مع الشمال بداية من 1990.

 

ترتيب المشهد وفق مصالح الإمارات

 

في نهاية ديسمبر/ كانون أول 2017 وصل طارق صالح عدن فارا من "العاصمة" صنعاء، إثر مقتل عمه الرئيس بأيدي حليفته السابقة، جماعة "أنصار الله" (الحوثي)، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات بينها صنعاء (شمال) منذ عام 2014.

 

هذا الوجود حظى بترحيب عريض من رموز جنوبية، لطالما اعتبرت نظام صالح وأركان حكمه "عدوا" وهدفا "لكفاحها" الممتد منذ ما بعد حرب صيف 1994 حتى منتصف العقد الثاني من القرن الحالي.

 

فكيف مضت الأمور على هذا النحو الملتبس؟.. وما الذي جمع هذه الأضداد مرة أخرى تحت "مدفعية واحدة"؟

 

منذ أن أطلق التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة السعودية (جارة اليمن)، عملية "عاصفة الحزم" العسكرية، في 25 مارس/ آذار 2015، كان واضحا أن الإمارات (أبرز شريك في التحالف) تدفع نحو إعادة رسم المشهد السياسي بعيدا عن رؤية الحكومة الشرعية المستندة إلى نصوص وثيقة الحوار اليمني الموقعة من كافة الأطراف الفاعلة على الساحة اليمنية في 2014 .

 

ورغم أن أبو ظبي تدخلت تحت راية التحالف، الذي حدد هدفه بمساندة الحكومة ضد المتمردين الحوثيين وحلفائهم، إلا أن معطيات عديدة ظلت تؤكد وجود تنسيق إماراتي مع الطرف الثاني في "الانقلاب"، وهو نظام صالح، الذي أخطأته ومعظم رموز نظامه، الآلاف من غارات التحالف على صنعاء.

 

هذه المعطيات عززها تمسك أبو ظبي برموز بارزة في نظام صالح، أبرزهم نجله الأكبر أحمد، الذي كان يعده لوراثة "العرش"، والذي ظل يتنقل بحرية منذ 2015، ويرعى مصالح "العائلة الحاكمة"، واستثماراتها داخل الإمارات.

 

كما أوكلت أبو ظبي لرئيس جهاز المخابرات اليمني السابق، أحد رجال صالح، حمود الصوفي، وفق مصادر سياسية، إدارة "خلايا إعلامية"، لمهاجمة رموز الحكومة الشرعية، والجيش اليمني، وتلميع الدور الإماراتي داخل اليمن.

 

وبانهيار التحالف بين طرفي الانقلاب (الحوثي وصالح)، في صنعاء أواخر 2017، بدا واضحا وجود انحياز إماراتي لصالح الرئيس اليمني السابق وأركان حكمه في المعركة ضد الحوثيين.

 

ووصف مغردون ووسائل إعلام مقربة من حكام أبو ظبي القتال الذي اندلع في 2 ديسمبر/ كانون أول 2017، بين صالح والحوثيين في صنعاء بـ"الانتفاضة الشعبية".

 

غير أن الحوثيين، الذين كانوا قد وضعوا يدهم على أسلحة ومخازن وألوية الجيش، واستمالوا أو حيّدوا قطاعا عريضا من قبائل ما يعرف بـ"طوق صنعاء"، تمكنوا من قتل صالح، وحسم القتال لصالحهم في 4 ديسبمر/ كانون أول 2017، أي بعد يومين فقط من اندلاع القتال بين الطرفين.

 

عودة رموز نظام صالح إلى عدن

 

دفعت هذه الهزيمة، عددا من رموز نظام صالح، بقيادة طارق صالح، إلى الفرار باتجاه الجنوب، في إحدى المفارقات الغريبة للصراع الدائر باليمن.

 

وشهدت عدن منتصف يناير/ كانون ثاني 2018، تدفق مئات من جنود وضباط الحرس الجمهوري، الذين شرع طارق صالح بإعادة ترتيب صفوفهم تحت إشراف مباشر من قيادة القوات الإماراتية في المدينة، ترتيبا لمنحهم دورا عسكريا في الساحل الغربي لليمن.

 

ولا أحد يعرف حجم هذه القوات حاليا، لكن مصادر عسكرية ترجح أنها تتجاوز 20 ألف مقاتل، موزعين على أربعة ألوية عسكرية.

 

هذه الخطوة أثارت قلق الحكومة، ودفعت رئيسها آنذاك، أحمد بن دغر، إلى إعلان أن أي قوات لا تخضع لسيطرة وزارة الدفاع ستكون مرفوضة.

 

لكن هذه القوات مثلت ضربة أكثر إيلاما بالنسبة لأطراف بارزة في ما تُعرف بـ"قوى المقاومة الجنوبية"، ومكونات الحراك المنادي بفصل الجنوب عن الشمال .

 

وبإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي، على لسان رئيسه عيدروس الزبيدي، منتصف فبراير/ شباط 2018، دعمه لطارق صالح، واستعداده للتحالف معه، تم وضع أولى بذرور الشقاق مع "رفاق الكفاح" في الحراك الجنوبي.

 

فقد بدأت العديد من مكوناته الفاعلة بالتذمر، وصولا لمنح عناصرها ضوءا أخضر للانخراط في تظاهرات مناهضة للمجلس ومطالبة برحيله من عدن، في مايو/ أيار الماضي.

 

ويرى مراقبون أن قبول رموز المجلس الانتقالي الجنوبي بالتحالف مع خصوم ظلوا لأكثر من عقدين يدعون إلى الثورة عليهم، ألحق ضررا فادحا بسمعة المجلس.

 

كما اهتزت صورة المجلس في الساحة الجنوبية، وظهر كـ"أداة لتحقيق رغبات الإمارات"، المتهمة بالسعي إلى تحقيق أهداف خاصة بها في اليمن، بعيدا عن أهداف التحالف، وهو ما تنفيه أبوظبي.

 

والحال نفسه ينطبق أيضا على طارق صالح، الذي يواجه اتهامات بدعم الانفصاليين، انسياقا خلف الرغبات ذاتها.

 

واعتبر نبيل الصوفي، وهو صحفي مقرب بشدة من طارق صالح، شعار "الوحدة المقدسة" مجرد شعار عدواني ضد الجنوب.

 

وأضاف الصوفي، في تغريدة عبر حسابه بـ"تويتر" نهاية مايو الماضي: "يجب أن لا نخضع للمبتزين باسم الوحدة، والا ساقونا إلى مصالحهم كما فعلوا بشباب 2011 تحت شعار الثورة".

 

هذه المواقف، وفق خبراء، قاربت الصورة لصالح الاعتقاد السائد بافتقار هذه الأطراف لمشاريع وطنية، وارتهانها لمزاج حاكم أبو ظبي، ومصالحه متعددة الأوجه داخل اليمن.


التعليقات