قال المحلل السياسي فيصل المجيدي- رئيس مركز إسناد لتعزيز القضاء وسيادة القانون: إن "المعارك الأخيرة التي تدور رحاها في شرق العاصمة اليمنية صنعاء، نقلت المشهد على أرض الميدان من مشاهد ثنائية قطبية في اليمن، ويقصد بها ثنائية مشهد الشرعية في عدن وما يتبعها من معارك غاية في الأهمية في تعز ومأرب والبيضاء، ومشهد المتمردين في صنعاء وما يتبعها من محافظات في الشمال".
ووصف "المجيدي"، في تصريحات خاصة لـ"شؤون خليجية"، معركة "نهم" بأنها أشبه بمعجزة، نظرًا للتضاريس الجغرافية والجبلية العالية في هذه المنطقة، والتي جعلت أحد قادة الحوثيين يقول لأتباعه وهو يرى التحصينات الكبيرة لسلسلة جبال نهم: "لو أن الدواعش- يطلقون هذا اللفظ كذبًا على المقاومة وأتباع الشرعية كما هو الحال مع شعارهم الخادع الموت لأمريكا. ..الخ- لو أنهم استطاعوا الوصول إلى هذه المنطقة فهم على حق".
وأضاف: "وقد كان يعني ذلك نظرًا لاستحالة الوصول إليها وحمل العتاد العسكري لها، وللأمانة فقد جلست أنا شخصيًا مع مشايخ من هذه المنطقة، وأكدوا استحالة السيطرة عليها عسكريًا، خصوصًا وأن الحوثي عمل في هذه الجبال والمرتفعات أخاديد وكهوف وفرق تسمى 34، وهي مزودة بأسلحة وذخائر ومؤن تكفي لأشهر".
وأشار إلى أن المؤرخين يتحدثون أن من أسباب خسائر الجيش المصري أثناء دعمه لثورة الشعب اليمني في 67، كانت هذه الجبال وغيرها، مستطردًا: "لكن ماذا حدث.. الحقيقة أن العملية تمت بدعم من قوات من الجيش وطيران التحالف، عبر مقاومين من أبناء هذه المناطق ذاتها سبق للحوثيين أن دمروا منازلهم ومزارعهم وتشرد العديد منهم، فأصبحوا أشبه بالفدائيين، إذ تسلقوا الجبال ليلًا في الظلام الدامس حاملين ما استطاعوا من السلاح والعتاد وقليل من الزاد، والكثير كان يقرأوا عليهم الفاتحة".
وأضاف "المجيدي": "لكن بالإرادة والعزيمة واستصحاب الحق استطاعوا مباغتة الميليشيات المسلحة في عقر دارهم، واقتحموا عليهم الجبال المحصنة واشتبكوا معهم، كما أنه سبق للمقاومة والجيش أن قاموا بعمليات التفافية على هذه الجبال، وبالتالي أول ما اقتحم الشباب المقاوم على الحوثيين المواقع وسمع إطلاق النار، ظن الناس أنه تم قتل المهاجمين وانتهت المغامرة، لكن المفاجأة كانت باتصالات من المقاومين للقوات الملتفة أن ادعمونا وعززوا، بعد أن فتحوا لهم بعض الممرات، وهكذا انتهى الموقع في يد المقاومة، واندحر الحوثي من داخل معسكر 312 المعروف باسم معسكر فرضة نهم".
وأكد أن هذا الفتح الكبير ولد خلافات بين تحالف المخلوع صالح والحوثي، إذ أن كل فريق اتهم الآخر بالتحالف، وكان أشد المنتقدين أحمد الصوفي، سكرتير صالح، إذ اتهم صراحة ميليشيا الحوثي بأنها سلمت المعسكر للقوى الغازية- على حد تعبير الصوفي.
وقال "المجيدي": "يبدو أن هذه التصريحات من طرف صالح، هي التي جعلت ميليشيا الحوثي ترد عليها بخروجها باحتفالات شكلية في 11 فبراير ذكرى الثورة، التي سقط فيها صالح، مع أن الحوثي وفي هذه الخطوة التي تعبر عن تقية سياسية، يعلم أن قوى فبراير هي التي تقاتله في الميدان، فضلًا عن كون 11 فبراير هي ذكرى ثورة الخميني عام 79، والتي تصادف ذات اليوم، وهي المناسبة التي أرسل الحوثيون فيها وفدًا إلى طهران برئاسة عبدالمجيد الحوثي ابن عم زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، كتعبير عن الصلة بين إيران وجماعة الحوثي".
وأوضح أن ما جعل لهذا الانتصار كل هذا الصدى، هو أن الأمر يتعلق بأن وصول المقاومة إلى "فرضة نهم" يعني أن المقاومة الشعبية بدأت بالوصول إلى ما يسمى بالحزام الأمني للعاصمة صنعاء، حيث إن مديرية نهم التي يوجد فيها هذا المعسكر على حدود مع مديريات أرحب، وهي المفتاح الغربي للعاصمة صنعاء، ومديرية همدان، ومديرية خولان الطيال، ومديرية بني الحارث، وهي التي بدأت قوات من المقاومة تصل إلى أطرافها استعدادًا للهجوم على منطقة بني غيلان، ومن ثم الوصول إلى معسكر بيت دهرة، وإذا تمكنت المقاومة من استعادة هذا المعسكر، فيمكن القول إنها ستشرف على المطار".
وأضاف "المجيدي": "يبدوا لكثير من المتابعين أن المقاومة لو استطاعت الوصول إلى هذا المستوى، فإن الحوثي سيكون في مأزق حقيقي، لأنهم إن أرادوا استعادة معسكر (فرضة نهم) والقيام بهجوم معاكس خشية من مواصلة المقاومة الدخول إلى صنعاء، فيجب أن يقوموا بسحب بعض من قواتهم المتمركزة في تعز والبيضاء وحرض وميدي، وسحب قواتهم من هذه المناطق وبالتحديد من تعز يعني خسارتهم للمعركة الكبرى في تعز، وما يعني ذلك من سقوط مدينة اب بالتبعية، ومن ثم مواصلة هجوم المقاومة حتى ذمار ومحاصرة صنعاء من الجنوب".
وأشار إلى أن الأمر ذاته ينطبق على البيضاء، التي تعني قطع الطريق لهم من شبوة ومن ثم الالتحام بالمقاومة في ذمار، قائلًا: "أعتقد أن المقاومة لو استمرت بهذه الحويية والجراءة واستمر الدعم العربي لها والجيش الوطني، وكذا فتح جبهة صعدة التي يعمل عليها الجيش الوطني والتحالف، فإننا سنشهد على المدى المنظور سقوطًا مدويًا للميليشيا وأتباع صالح".