[ هاجر اليمنيون خلال العقود الماضية إلى جيبوتي ]
لم تكن أديس أبابا جزءا من عملي الصحفي يوما، لكنها كانت مرتبطة بكل العواصم الأفريقية التي زرتها (الصومال وإريتريا وجيبوتي والسودان)، فهي عاصمة أفريقية كبيرة تؤثر على جوارها وتتأثر.
ووددت أن أزورها في عمل صحفي قبل سنوات، لكن الفرصة لم تأتني، إلا أني وجدت نفسي عقب اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 أحجز تذكرة من الدوحة إلى أديس أبابا برفقة أصدقاء، وقد رأيت عشرات اليمنيين يقصدونها ويتواعدون من شتى بقاع الأرض للقاء هناك، وأكثرهم يفعل بسبب وجود أفضل أصناف القات ويسمى (الهري). ونبتة القات هي نبتة يتعاطاها بعض اليمنيين.
وفي صنعاء تحديدا عرفت إثيوبيا، فهناك المطاعم الإثيوبية والقهوة الإثيوبية، حيث كانت المدن اليمنية ملجأ للكثير من الإثيوبيين خلال سنوات الحرب في إثيوبيا وما بعدها.
وفي تعز أيضا في الطفولة -أي بين الثمانينيات والتسعينيات- وجدتني بين الحين والآخر أشاهد جيرانا بعدد الأصابع من إثيوبيا بتلك الملامح السمراء المميزة.
لكن قصة اليمن وإثيوبيا في ذاكرتنا بدأت في التراث المحكي، وقد كانت بين الدولتين حضارة مشتركة وحين هاجر المسلمون إلى الحبشة في الهجرة الإسلامية الأولى بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام كان اليمنيون من أوائل أولئك المهاجرين.
وفي التاريخ الحديث اندمج اليمنيون مع إثيوبيا في حروبها وسياستها واقتصادها ووجدوها في كثير من الفترات ملاذا آمنا؛ ولو أنهم خلال ذلك واجهوا الكثير من الأخطار.
وفي الحرب الأخيرة التي بدأت عام 2015 وجد اليمنيون أنفسهم يعيدون السيرة الأولى للهجرة إلى أثيوبيا كما فعلوا أيضا عندما هاجروا إلى الصومال، وجيبوتي الدولة الصغيرة، وأصبحوا من جديد مهاجرين ولاجئين في بلدان كان اليمن يستقبل عشرات الآلاف من اللاجئين منها بسبب الحرب والفقر.
وكنت أحد الزائرين اليمنيين الكثر إلى أديس أبابا في 2015 و2016 ولقيتهم هناك أمام المطاعم اليمنية التي تطبخ الأكل اليمني الشهير في كل بلاد العالم والذي رغم جودته وفرادته فإنه لم يجد حتى اليوم من يقدمه بشكل لائق به.
وهناك في بلاد الهجرة الأولى (الحبشة) يتقاسم اليمنيون أوجاعهم في بلد ليس بأفضل حال، فالفقر مضاف إليه الحروب المستمرة وعدد السكان الذي يقدر بنحو 125 مليون نسمة والحروب الإقليمية والمحلية تجعل من الصعب على إثيوبيا التحرك بسرعة للحاق بركب التطور رغم محاولاتها.
ولم تغب عن بالي كلمة "مولد" بضم الميم وفتح الواو وتشديد اللام، وهي كلمة تطلق على اليمنيين الذين تزوج آباؤهم في إثيوبيا، فوُلدوا هناك، وعاشوا جزءا من حياتهم فيها واستكملوا بقية عمرهم في اليمن أو أنهم ولدوا في اليمن وعاشوا فيها لأم إثيوبية وأب يمني.
الصحفية اليمنية أفراح ناصر المقيمة حاليا في السويد، كتبت عن تجربتها كمولّدة وكيف مكنتها الكتابة مؤخرا من التحرر من فكرة انتمائها بعد معركة الهوية الداخلية وتعقيداتها الخاصة لأنها كانت تعيش في صنعاء وهذا يتطلب جهدا للتبرير، تبرير الهوية وتبرير الشكل واللون واللغة والانتماء.
تقول أفراح إنها تصالحت مؤخرا مع هويتها، وغمرها وضوح عجيب، وبالتأكيد فهي تعبر عن جيل كامل انتابته نفس الأحاسيس.
ولقد جسد الروائي اليمني محمد عبد الولي قصة الغربة والاغتراب في إثيوبيا، وهو يعد رائدا من رواد القصة والرواية في اليمن، وقد ولد لأب يمني وأم إثيوبية ومعظم أعماله تعالج الوطن والهجرة، لكنه جسّد في روايته القصيرة "يموتون غرباء" التي كتبها في السبعينيات قصة المهاجرين اليمنيين في إثيوبيا والدول الأفريقية الأخرى وصراع الهوية والانتماء التي تواجههم.
كلما زرت مدينة أعود محمّلا بالكثير من الأسئلة التي تطل من حدث أو تاريخ أو فكرة أو سياحة كما حدث مع أديس أبابا أو "الزهرة الجديدة" كما يطلقون عليها باللغة الأمهرية.
*نقلا عن الجزيرة نت.