رغم مرارة تداعيات الحرب.. فنان تشكيلي يمني يسخّر حياته في سبيل التراث الشعبي
- متابعات الاربعاء, 04 يناير, 2023 - 04:56 صباحاً
رغم مرارة تداعيات الحرب.. فنان تشكيلي يمني يسخّر حياته في سبيل التراث الشعبي

منذ سنوات عديدة، يسخّر الفنان التشكيلي اليمني محمد سبأ ريشته في نشر تراث وثقافة بلاده التي تعاني أوجاع الحرب منذ نحو 8 أعوام.

 

يقيم الباحث محمد سبأ في العاصمة المصرية القاهرة، ويواصل نشر رسالته الفنية من المنفى، أملا في صنع واقع جمالي وفني بعيد عن أوجاع الحرب وتداعيات الصراع.

 

بدأ محمد الرسم منذ نعومة أظافره، حين كان يرسم بالأقلام المتوفرة القليلة للشح الكبير في أدوات الرسم والمكتبات والخامات الخاصة بالفن التشكيلي.

 

وفي لقاء مع وكالة الأنباء الألمانية، تحدث محمد عن بدء محاولاته في الرسم بالأقلام العادية التي كان يدرس فيها المرحلة الأساسية، ويشير إلى أنه في المرحلة الدراسية الثانوية انتقل إلى شراء أدوات الرسم من المدينة، بعد أن انحصرت حياته في ريف محافظة إب خلال المراحل الدراسية الأولى.

 

درس محمد في قسم التربية الفنية بجامعة إب، حيث كان من أوائل من اقتحموا هذا المجال في المحافظة الواقعة وسط اليمن، والتي تعد من أكثر المحافظات اليمنية سكانا وتوصف بأنها العاصمة السياحية للبلاد.

 

يقول: "درست بكل حب 4 سنوات في تخصص التربية الفنية بجامعة إب، وبعد التخرج عملت في الجامعة عامين، وتوقفت لفترة، ثم عدت لمواصلة الدراسات العليا في العاصمة المصرية القاهرة في مجال الفن التشكيلي".

 

وعن الدوافع التي جعلته يدخل مجال الفن التشكيلي، يقول "أحب هذا المجال.. أعشق الفن، وقد كان لي شغف بالرسم والفن منذ طفولتي، مما جعلني اختاره تخصصا جامعيا".

 

وأضاف "مما جذبني لدخول وحب الفن التشكيلي هو ما تملكه اليمن من طبيعة خلابة وجبال خضراء ومبان قديمة وقرى معلقة ومناظر بديعة مذهلة تشبه إلى حد كبير اللوحات الفنية، هذه المناظر الجذابة شجعتني على القيام بتحويلها إلى لوحات فنية".

 

معارض فنية

 

أقام محمد معارض فنية خلال دراسته في الجامعة، إضافة إلى إقامة معرض فني أثناء تخرجه منها عام 2007، حيث كانت حينها محافظة إب عاصمة الثقافة في اليمن، وشارك وقتها بلوحة فنية عن الملكة اليمنية القديمة الشهيرة "بلقيس".

 

وخارج البلاد، كان لمحمد أول معرض فني في القاهرة عام 2016، وقد احتوى على 30 لوحة، وكان المعرض تحت عنوان "اليمن تراث.. ماض وحاضر"، وفي العام التالي (2017) أقام معرضا فنيا تحت شعار "اليمن مهد الحضارة".

 

وفي عام 2018، أقام معرضا فنيا في أكاديمية الفنون بالقاهرة، بعنوان "اليمن.. مقتطفات فنية"، حيث احتوى على 50 لوحة فنية.

 

وفي عام 2019، نجح محمد في إقامة معرض فني في دار الأوبرا المصرية، تحت عنوان "في حبّ مصر واليمن"، واحتوى 60 لوحة فنية من مصر واليمن.

 

حب الموروث الشعبي

 

الفنان محمد سبأ يعشق كثيرا ما تحظى به بلاده من موروث شعبي فريد، مما جعله يركز كثيرا على نشر هذا المجال في السنوات الماضية، ونتيجة لذلك تخصص في "الموروث الشعبي" أثناء دراسته الماجستير في القاهرة، مما أوجد له شغفا أكبر بهذا التراث.

 

ومن الدوافع لاقتحام هذا الجانب، يقول محمد "شعرت أن تراث اليمن يندثر ولم يوثق، مما جعلني أبحث بشكل كبير وأكثف جهودي بالتعاون مع أساتذتي لتوثيق هذا التراث".

 

نجح محمد في إعداد كتاب مهم عن الموروث الشعبي اليمني، حمل عنوان "حكايات من التراث الشعبي اليمني"، ضمّن فيه 150 حكاية شعبية متنوعة، تشمل حكايات تاريخية، إضافة إلى حكايات الأرض والزراعة والحكمة، وكذلك الحكايات المرتبطة بالحب والعشق، فضلا عن الحكايات الشعبية المرتبطة بالجن والكواكب، وكذلك الحكايات الفكاهية.

 

واستطاع أيضا تأليف كتاب "فنون التشكيل الشعبي في اليمن"، وهو مشروع تخرجه في دبلوم الماجستير، ويتحدث عن فنون الزخرفة والفنون التراثية في اليمن بمختلف مجالاتها، سواء المرتبطة بالعمارة الشعبية أو تلك المرتبطة بالمعادن والحلي، أو تلك المتعلقة بالنبات والأخشاب، وكذلك فنون التطريز والأزياء، وخامات الطين بما فيها من عمارة تقليدية وفخار وغير ذلك.

 

دمار فني

 

يشرَح الفنان بأسى كيف أثرت الحرب بشكل كبير على الموروث الشعبي في البلاد، حيث قال إنها أدت إلى اندثار الكثير من هذا التراث، وإلى هجران الكثير من عناصر التراث الشعبي، إضافة إلى تدمير العديد من المتاحف التي كانت مهتمة بالتراث الشعبي، وكذلك توقفت مشاريع توثيق التراث الشعبي التي كانت سارية قبل اندلاع الصراع.

 

يقول: "كانت هناك مشاريع توثيق التراث في اليمن من قبل وزارة الثقافة والصندوق الاجتماعي للتنمية، وجهود شخصية ومكتبات ومتاحف خاصة لحماية هذا التراث؛ هذه كلها توقفت تماما بفعل الحرب".

 

لوحات منوعة

 

قام الفنان محمد سبأ برسم العديد من اللوحات الفنية الجذابة، أبرزها لوحات من التراث اليمني والقرى والمناظر الطبيعية، ومنها لوحات تاريخية من الحضارة اليمنية، إضافة إلى لوحات تعبّر عما يجري حاليا من صراعات وحروب وأوجاع وغيرها.

 

وعن الصعوبات التي واجهها في مجاله الفني، يقول "واجهت عوائق في التعليم والدراسات العليا، مثل توقف منح الطلاب الدارسين في الخارج، وتوقف رواتب الموظفين الحكوميين داخل اليمن، إضافة إلى المشاكل التي خلّفها لنا الصراع الدائر، مثل مواصلة مسيرتنا الفنية خارج البلاد بدلا من الداخل. وهناك كثير من المعاناة التي تواجهنا، وهي على علاقة بما يجري من تداعيات الحرب في اليمن".

 

وعن واقع الفنانين التشكيليين في اليمن، يتحدث محمد بأنهم يعانون أشد المعاناة في واقع مرير وصعب، جراء تداعيات الحرب المستمرة منذ نحو 8 سنوات.

 

وأضاف أن الفنانين يعانون من توقف الفعاليات الثقافية، وعدم وجود أي دعم لهم في مواصلة فنهم، وكذلك لا توجد حاليا قاعات ومعارض لتقديم إنتاجهم الفني، إضافة إلى ندرة وجود أقسام ومعاهد مخصصة لتدريس الفنون.

 

وشدد على أن الفن في اليمن يحتاج أولا إلى استقرار وأمن وأمان، داعيا إلى ضرورة دعم الفنانين والقوى الناعمة التي تنشر الثقافة اليمنية بالشكل اللائق.

 

وفيما يتصل بالخطط المستقبلية التي ينوي العمل عليها، يفيد محمد بأنه "يعتزم مواصلة الفن التشكيلي والعمل في إحياء التراث الثقافي الشعبي وترويجه والحفاظ عليه، وعقد مؤتمرات ومعارض ونشر أبحاث فيما يتعلق بكل ما يخدم التراث والثقافة اليمنية".

 

وأشار إلى أنه سيحرص على العمل مع المتخصصين في المجال الثقافي؛ من أجل الحفاظ على تراث اليمن والتعريف به خارجيا وداخليا.

 

وبشأن رسالته لليمنيين في هذه الظروف، يقول "أوجه رسالة حب ووفاء، وأحث على ضرورة دعم العدالة والمساواة ومبادئ الجمهورية، والقيم النبيلة التي سنصل إليها من خلال الشباب الواعي المثقف".

 

وشدد على ضرورة العمل من أجل السلام والحفاظ على اليمن والمساواة بين الجميع.

*المصدر : الألمانية + الجزيرة نت


التعليقات