[ طارق صالح يدشن مشاريع إماراتية خلال زيارته لتعز ]
للمرة الأولى منذ ثورة الـ11 من فبراير 2011 يصل شقيق الرئيس السابق الذي أطاحت به الثورة طارق محمد عبدالله صالح إلى مدينة تعز اليمنية، في زيارة أثارت العديد من التكهنات، وفتحت أسئلة كثيرة، خاصة مع تورط طارق في ارتكاب جرائم حرب بحق المدنيين منذ تحالف الرئيس السابق وجماعة الحوثي لشن حرب على تعز، عقب اسقاطهم للعاصمة صنعاء في سبتمبر من العام 2014م.
طارق في سلطة عمه
مثل طارق صالح الذي يحمل رتبة عميد في الجيش أحد القيادات العسكرية التي وصلت لمنصبها بفعل مكوث عمه في السلطة لعقود، وهي المدة التي مكن فيها صالح لعائلته من الوصول لمناصب رفيعة، وتوزعهم على مناصب حساسة في قيادة الجيش والأمن، ومثل ذلك أحد الدوافع لخروج اليمنيين في ثورة شعبية في العام 2011، وانتهت بالإطاحة بصالح، وإبعاد عائلته من مواقعها في الحكومة، كأحد أبرز أهداف الثورة، التي قطعت الطريق أمام التوريث السياسي للبلاد.
تنقل طارق صالح في العديد من المناصب التي قضاها جوار عمه خلال سنوات حكمه، وكان آخرها تولى قيادة الحرس الخاص واللواء الثالث حرس، وخلال تلك الفترة برز اسمه كأحد المتورطين في استهداف الشباب المنخرطين في الاحتجاجات المناهضة لصالح إبان فترة الثورة، خاصة في العاصمة صنعاء، التي شهدت أكبر مجزرة دموية في الـ18 من مارس 2011، فيما عرف بمجزرة جمعة الكرامة، التي أحدثت تحولا كبيرا في الثورة الشعبية.
تمرد وانتقام
مع خروج عائلة صالح من السلطة، وتولي الرئيس عبدربه منصور هادي أقيل طارق صالح من منصبه في أبريل 2012 بقرار من الرئيس هادي، وتحول حينها كقائد لحراسة عمه، الذي وجد نفسه خارج كرسي الحكم، بعد ثلاثة عقود قضاها في السلطة، وقيادة حزب المؤتمر الشعبي العام.
وفر ذلك الخروج لصالح وعائلته من الحكم الوقت للانتقام ممن اعتبروهم خصوما، وتحول صالح لأكبر معيق للعملية السياسية في اليمن، وفقا لتقارير الأمم المتحدة التي فرضت عليه وأفراد من عائلته عقوبات لاتزال سارية المفعول منذ العام 2014م.
ونفذ طارق صالح العديد من التمردات على الرئيس هادي، ورفض قرار تعيينه ملحقا عسكريا في ألمانيا، وقاد تمردا في اللواء الثالث التابع للحرس الجمهوري، رفضا لقرار إقالته، واعتبرت حينها منظمة هيومان رايتس ووتش تعيينه في منصب دبلوماسي أمر مقلق كونه كان من القيادات العسكرية المُتهمة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان في أحداث 2011، منها الاعتداء على المتظاهرين والاعتقال التعسفي والتعذيب وأعمال الاختفاء القسري.
التلويح بالعقوبات الأممية إزاء ذلك التمرد، دفع بطارق وكثير من القيادات في عائلة صالح للسكون، لكنهم عادوا مرة أخرى لتعكير الوضع في اليمن من خلال تحالفهم مع جماعة الحوثي، والمشاركة معها في إسقاط الدولة، بداء من التمرد والتصعيد في محافظة عمران، (شمال العاصمة صنعاء)، ثم محاصرة صنعاء ذاتها، وإسقاطها عسكريا، والدخول لاحقا في تحالف مع الحوثيين.
انخراط مع الحوثيين
عند انطلاق العمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن نهاية مارس 2015م بدأت مرحلة جديدة في مسيرة طارق صالح، إذ برز اسمه من جديد كأحد القيادات العسكرية الأكثر إخلاصا لجماعة الحوثي، من خلال تجهيز القناصة لاستهداف المناوئين للطرفين في عدة محافظات يمنية، كان أبرزها في محافظة تعز، وكذلك تدريب القوات، ونقلها لجبهات القتال ضد الجيش الحكومي، المدعوم من السعودية.
ظهر طارق صالح حينها مع عمه محرضين على استهداف المدن والأحياء السكنية التي قاومت تمددهم، ورفضت الخضوع للاجتياح الحوثي المشترك مع قوات صالح، وارتبط اسمه بشكل كبير مع كتائب القناصة، التي استهدفت العشرات من المدنيين الأبرياء، والجنود والقيادات العسكرية، وعطلت الحياة العامة للسكان.
ومع تمكن الحوثيين من الانقضاض على شريكهم الرئيسي علي عبدالله صالح، وقتله في الـ4 من ديسمبر 2017، فر طارق صالح من العاصمة صنعاء، في عملية لاتزال غامضة، حول كيفية نجاته منها، وظهر لاحقا وتحديدا في 12 من يناير 2018 بمحافظة شبوة، ليبدأ طور جديد من مسيرة الرجل.
أجندة إماراتية
عقب ظهوره في شبوة بدأ طارق صالح مسيرة لا تختلف عن سابقاتها من التمرد والتورط، لكنه في ذلك الوقت بات في رعاية دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمثل الشريك الثاني والأهم للسعودية في الحرب داخل اليمن، وقاد طارق حملات عسكرية وإعلامية ضدها، ولعل أبرزها المجزرة التي تعرض لها جنود إماراتيين في قاعدة عسكرية بمحافظة مارب يوم الجمعة الرابع من سبتمبر 2015.
لم تجد الإمارات حرجا من استضافة طارق، بل وفتحت له المجال بشكل أكبر، مستغلة له كورقة ضد الرئيس عبدربه منصور هادي، وامتنع حينها عن الانخراط والالتحاق بالشرعية اليمنية، وذهبت أبوظبي إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما دعمت ومولت تسليح فصيل مسلح لطارق صالح، تلقى دورات تدريبية في معسكر في منطقة بئر أحمد بإشراف وتأسيس القوات الإماراتية شرقي مدينة عدن بعد سيطرة الانتقالي على عدن وطرد الحكومة اليمنية منها.
وتطور الأمر لاحقا عندما أحلت الإمارات تلك العناصر المسلحة التي يقودها طارق محل ألوية العمالقة وقوات المقاومة التهامية التي خاضت المعارك مع الحوثيين في الحديدة، وفي 19 أبريل 2018 مكنت الإمارات طارق صالح على منطقة المخا، ومنطقة باب المندب، وعلى مناطق واسعه في الساحل الغربي اليمني ومحافظة الحديدة، وعُرفت لاحقا بالعديد من المسميات، منها القوات المشتركة، وحرس الجمهورية، وقوات المقاومة الوطنية.
وفي 25 مارس 2021 أعلنت تلك القوات إشهار مكتبا سياسيا برئاسة طارق صالح، بدعم إماراتي، لتبدأ مرحلة جديدة من نفوذ أبوظبي في الساحل الغربي، وجعلت منها إمارة مستقلة، تعمل بعيدا عن الحكومة اليمنية، وبخضوع وإشراف كلي من الإمارات، التي مدت نفوذها للسيطرة على الساحل، والجزر اليمنية.
أوجدت الإمارات لطارق صالح إمارة مستقلة في الساحل الغربي، ومولت مشاريع – لم تتضح حقيقتها بعد – في سبيل إعادة توطينه، وتمكينه من البقاء هناك، وارتكب خلال ذلك العديد من الانتهاكات بحق السكان، وتحول معها طارق صالح لمنفذ حصري لأجندة الإمارات، وبدأ من هناك سلسلة تحركات بهدف العودة لمدينة تعز، لكن تلك التحركات باءت بالفشل.
لم يخض طوال تلك الفترة طارق صالح معركة مع الحوثيين، بل قاد عملية تراجع واسعة من الأراضي التي كانت بعيدة عن الجماعة، في واحد من أشهر عمليات الانسحابات العسكرية التي مهدت الطريق لعودة الحوثيين في تلك المناطق، وأصبحت القاعدة العسكرية التي قادها في الساحل الغربي مصدرا لتزويد جماعة الحوثي في صنعاء بالعشرات من القيادات العسكرية التي كانت تتلقى التدريب والتسليح، ثم تغادر عائدة إلى صنعاء، وتعمل مع الحوثيين من جديد.
مجلس القيادة الرئاسي
في السابع من أبريل 2022م جرى الإعلان من العاصمة السعودية الرياض عن إقالة الرئيس عبدربه منصور هادي، وتشكيل مجلس قيادة جديد برئاسة رشاد العليمي، وعضوية سبع شخصيات كان طارق صالح أحدهم.
أدى ذلك القرار لخلق واقع جديد، وبداية تحولات قفزت على الكثير من الثوابت التي ظلت مرفوعة منذ اندلاع الصراع في اليمن، كمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، والقرارات الأممية المتصلة، المعنية بالوضع في اليمن.
منح مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح ما لم يتمكن منه منذ خروجه من العاصمة صنعاء، وفتح له الباب الذي ظل مغلقا في وجهه لعدة سنوات، رغم الدعم الإماراتي الذي تلقاه في الساحل الغربي.
وتحت يافطة توحيد الصف، والاستعداد لمواجهة الحوثيين، أو الدخول في عملية سلام معهم، وفق ما تضمنه إعلان ولادة مجلس القيادة الرئاسي، بدأ طارق صالح التحرك بدعم إماراتي سعودي في أكثر من صعيد، ولم يعد اسير منطقة الساحل الغربي فقط.
مشاريع إماراتية
قدم طارق صالح نفسه بصفته الجديدة عضو مجلس القيادة الرئاسي، وبدأت التحرك، رافعا الدعم الإماراتي كوسيلة إغراء للعودة من جديد، خاصة في محافظة تعز اليمنية، التي قاومته في السابق، وتصدت للمحاولات المتكررة لتوغله في المدينة، ولعل المشاريع التي وعد بتنفيذها بدعم إماراتي خلال زيارته للمدينة ولقائه بالمحافظ نبيل شمسان في الأول من مارس الجاري، دليلا على تحركاته المدعومة من الإمارات، فقد وعد عن طريق من مدينة المخاء إلى تعز، وحفر 10 آبار ارتوازية بتمويل إماراتي.
في تعز التقى طارق بالسلطة المحلية وقيادة محور تعز العسكرية، مكررا من جديد ما وصفه بتوحيد الجهود لمواجهة الحوثيين، واستعادة الدولة، وهي الزيارة الأكثر لفتا للأحداث، وضمت قيادات عسكرية كانت في مواجهة طارق صالح من قبل، وتعرضت للاستهداف العسكري المباشر من عناصره المسلحة خلال فترة تحالفه مع الحوثيين.
ردود فعل منددة
تلك الزيارة التي جاءت بطارق صالح على متن عربة عسكرية إماراتية لقيت ردود فعل قوية نددت بها، وجددت التذكير بما اقترفه الرجل بحق المدينة ومواطنيها، والخراب الكبير الذي ألحقه بها، ووصفتها الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان بـ "يوم الخزي والعار"، واصفة طارق صالح بـ "قناص أطفال تعز".
وأصدر مجلس شباب الثورة بيانات وصف فيها طارق صالح بـ "قائد مليشيات الساحل" وندد بزيارته لمدينة تعز، مؤكدا تورطه بارتكاب جرائم ضد اليمنيين والمتظاهرين السلميين منذ 2011.
وأعاد ناشطون يمنيون إلى الواجهة من جديد مواقف طارق صالح، والأعمال التي تورط فيها، في إطار التذكير بالممارسات التي ارتكبها، والوضع الذي آلت إليه مدينة تعز، جراء ما تعرضت له من طارق صالح وعناصره المسلحة خلال الفتة السابقة.