الهجوم العسكري الأمريكي في رداع.. فشل استخباراتي أم خدمة متعمدة للانقلابيين؟ (تحليل خاص)
- عبدالسلام قائد الإثنين, 30 يناير, 2017 - 08:30 مساءً
الهجوم العسكري الأمريكي في رداع.. فشل استخباراتي أم خدمة متعمدة للانقلابيين؟ (تحليل خاص)

[ دونالد ترمب - الرئيس الامريكي ]

دشن الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، عهده بهجوم عسكري في مديرية رداع بمحافظة البيضاء، يوم الأحد الماضي، أسفر عن مقتل أكثر من ثلاثين شخصًا، بينهم نساء وأطفال، ومن بين الأطفال، الطفلة نورا العولقي (8 سنوات)، ابنة القيادي السابق في تنظيم القاعدة، أنور العولقي، الذي قتلته طائرة أمريكية بدون طيار في 30 سبتمبر 2011.
 
وأثار الهجوم العسكري الأمريكي في رداع استياءً شعبيًا واسعًا، وذلك لما ترتب عليه من سقوط عدد كبير من الضحايا الأبرياء، إضافة إلى أن الأشخاص المستهدفين بالهجوم هم شخصيات اجتماعية، وقيادات محلية في المقاومة الشعبية المساندة للسلطة الشرعية ضد الانقلابيين، ولا علاقة لهم بالإرهاب، ولم يسبق لهم أن مارسوا أنشطة إرهابية.
 
وبما أن هذا الهجوم يعد الأول من نوعه في اليمن، والأول من نوعه في عهد الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، فيا ترى، ما هي خفايا وخلفيات ودلالات هذا الهجوم؟ وهل يعكس فشل المخابرات الأمريكية، أم أنه يكشف عن توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب؟ وهل ستوظف الإدارة الجديدة الحرب على الإرهاب لخدمة بعض الجماعات المسلحة المرغوبة أمريكيًا، إضافة إلى خدمة حلفائها التقليديين والمستبدين الذين اندلعت ضدهم ثورات الربيع العربي؟ أم أن هناك توجهات أخرى لم يتم الإفصاح عنها، وسيكون ضحيتها المسلمون بشكل عام، بذريعة محاربة الإرهاب؟
 
دلالات التوقيت
 
يعد الهجوم في رداع، الذي تم عن طريق الإنزال الجوي، والقصف بالطائرات، أول عملية عسكرية أمريكية في عهد الرئيس الأمريكي الجديد، دونالد ترامب، إذ جاء بعد تسعة أيام فقط على تسلمه السلطة رسميًا، وكان ترامب قد تعهد، خلال حملته الانتخابية، بمحاربة الإرهاب بلا هوادة، وأبدى إعجابه بالحكام المستبدين، خاصة في العالم الثالث، وأكد أنه سيتعاون معهم، لأنهم -من وجهة نظره- شركاء جيدون في مكافحة الإرهاب.
 
محليًا، جاء الهجوم في وقت تعاني فيه الميليشيات الانقلابية التابعة للمستبد المخلوع علي صالح، وحليفه المستبد عبد الملك الحوثي، الهزائم والضغط العسكري في عدة جبهات، خاصة بعد عملية "السهم الذهبي" في الساحل الغربي لليمن، وتكبد الميليشيات الانقلابية هناك خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد العسكري.
 
وبحسب مصادر محلية في مديرية رداع، التي وقع فيها الهجوم، فإن الأشخاص الذين قتلوا في الهجوم، وعلى رأسهم القيادي في المقاومة الشعبية الشيخ عبد الرؤوف الذهب، كان قبل أيام قليلة من الهجوم ينسق مع السلطة الشرعية في محافظة مأرب لتشكيل جيش وطني في رداع ومحافظة البيضاء بشكل عام يسهم في تحرير المحافظة من الميليشيات الانقلابية، وبالفعل، فقد تم تجهيز كتيبتين عسكريتين، وأسندت قيادتهما للشيخ عبد الرؤوف الذهب، لتكونا نواة لتشكيل جيش وطني في محافظة البيضاء لتحرير المحافظة من الميليشيات الانقلابية.
 
ازدواج المعايير
 
إذا كانت دلالات التوقيت تكشف عن بعض خفايا العملية العسكرية الأمريكية في رداع، فهناك أيضًا ما يسندها، عند العودة قليلًا للوراء، ذلك أن الأحداث التي شهدتها البلاد منذ العام 2011 وحتى الوقت الحالي، فيما يتعلق بمكافحة الولايات المتحدة الأمريكية للإرهاب في اليمن، جميعها تكشف أن هناك معايير مزدوجة لدى الولايات المتحدة بخصوص حربها على الإرهاب في اليمن، ذلك أن هذه الحرب تستهدف فقط خصوم المخلوع علي صالح وحلفائه الحوثيين، حتى وإن كانوا غير إرهابيين، وتستثني الإرهابيين الحقيقيين، خصوم السلطة الشرعية، وفيما يلي توضيح ذلك:
 
- بعد اندلاع ثورة 2011 الشعبية السلمية ضد المخلوع علي صالح، خرج أعضاء تنظيم القاعدة إلى العلن، وأعلنوا سيطرتهم على مناطق كثيرة في محافظة أبين، التي سلمها لهم المخلوع علي صالح، ونصبوا النقاط العسكرية في الطرقات، وسيطروا على المباني الحكومية، ومع ذلك، لم يحرك الجيش الأمريكي حتى طائرة بدون طيار لتقتل بعضًا من أفراد التنظيم، رغم ظهورهم للعلن، وظلوا مسيطرين حتى تم طردهم من قبل الجيش اليمني بعد تولي الرئيس عبد ربه منصور هادي للسلطة.
 
- بعد انقلاب الحوثيين والمخلوع علي صالح ضد السلطة الشرعية، وبعد وصول ميليشياتهم إلى محافظة البيضاء، واندلاع مواجهات مسلحة بعد تشكيل المواطنين لمقاومة شعبية ضد الميليشيات الانقلابية، كثف الجيش الأمريكي من غاراته الجوية حينها بواسطة طائرات بدون طيار، مستهدفًا مواقع المقاومة الشعبية في رداع والبيضاء بذريعة محاربة الإرهاب، وأسهم التدخل الأمريكي في ترجيح كفة المواجهات العسكرية لصالح الميليشيات الانقلابية.
 
- ظهر أعضاء تنظيم القاعدة للعلن مرة أخرى في محافظة حضرموت، بعد تحرير محافظة عدن من الميليشيات الانقلابية، وسيطر التنظيم على عدة مدن ومناطق هناك، بما فيها مدينة المكلا عاصمة المحافظة، ونشر النقاط العسكرية في الشوارع، وسيطر على المباني الحكومية، ومع ذلك، لم يحرك الجيش الأمريكي حتى طائرة واحدة بدون طيار ويقتل حتى بضعة أفراد من منتسبي التنظيم، وظل التنظيم مسيطرًا على أغلب محافظة حضرموت حتى تم طرده منها من قبل الجيش الوطني وبمساندة دول التحالف العربي، وحينها فقط أرسلت الإدارة الأمريكية عددًا من الخبراء في مجال مكافحة الإرهاب، وصلوا إلى حضرموت بعد أن تم طرد أفراد القاعدة منها.
 
- في الوقت الذي كانت تمارس فيه ميليشيات الحوثيين والمخلوع علي صالح أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في المناطق التي تسيطر عليها، والتي تشمل القتل العمد، والاختطاف، والإخفاء القسري، والتعذيب الشديد في السجون، واتخاذ المعتقلين من الإعلاميين والسياسيين دروعًا بشرية، وقد قتل بعضهم بسبب ذلك، وبدلًا من أن تقوم الإدارة الأمريكية بضم هذه الميليشيات وزعماءها إلى قائمة الجماعات والشخصيات الإرهابية، بسبب ممارساتها الإرهابية ضد المواطنين، إلا أنها عمدت إلى ضم مسؤولين حكوميين في السلطة الشرعية وقيادات في المقاومة الشعبية إلى قائمة الإرهاب، رغم أنهم يحاربون تحت لواء السلطة الشرعية ضد ميليشيات الحوثيين والمخلوع صالح وليس ضد المصالح الأمريكية.
 
- وأخيرًا، عندما بدأ بعض قيادات المقاومة الشعبية في مديرية رداع بالتنسيق مع السلطة الشرعية لتشكيل جيش وطني في رداع ومحافظة البيضاء للإسهام في تحرير المحافظة من الميليشيات الانقلابية، وموافقة السلطة الشرعية على ذلك، نفذ الجيش الأمريكي عملية عسكرية مزدوجة، شملت الإنزال البري والقصف الجوي، وقتل عددًا كبيرًا من الأبرياء بينهم نساء وأطفال، بالإضافة إلى بعض قيادات المقاومة الشعبية الذين بدؤوا في التنسيق مع السلطة الشرعية لتشكيل جيش وطني في المنطقة.
 
فشل المخابرات
 
قد يقول قائل إن الهجوم العسكري الأمريكي في رداع بمحافظة البيضاء ربما يعكس فشل المخابرات الأمريكية في اليمن، بدليل أن من يعملون مع المخابرات الأمريكية في اليمن هم من الموالين للمخلوع علي صالح وعائلته ولميليشيات الحوثيين، ولهذا، فهم يرفعون التقارير الاستخباراتية إلى الإدارة الأمريكية بالشكل الذي يخدم المخلوع صالح وعائلته وميليشيات الحوثيين المتحالف معها.
 
هذه الفرضية قد يكون فيها جانب من الصحة في حال كان هناك حالات محدودة جدًا شكلت الضربات العسكرية الأمريكية خدمة للمخلوع صالح وحلفائه، لكن أن يتكرر الأمر على مدى أكثر من ست سنوات، فذلك أمر غير معقول، كما أن أجهزة المخابرات الأمريكية احترافية، وتعتمد على عدد كبير من الشبكات والعملاء الذين يتم تجنيدهم وفقًا لمعايير صارمة، ويتم تحليل بيانات التقارير التي يرفعونها من كل مكان، كما أن وسائل الإعلام تشكل مرجعًا رئيسيًا لأجهزة المخابرات.
 
ورغم ما سبق إيضاحه، فهل يعقل أن الإدارة الأمريكية لم تعلم بخروج أعضاء تنظيم القاعدة إلى العلن مرتين في أبين وحضرموت، واستمر ذلك لعدة أشهر، فلماذا لم تقم بتصفيتهم دفعة واحدة، بدلًا من المتابعة المملة عبر المخابرات، واستهدافهم كأفراد هنا وهناك بعد عمليات رصد لتحركاتهم قد تستمر أسابيع أو شهور، وأيضًا التركيز على استهداف المعارضين للمخلوع صالح والحوثيين، وترك المعارضين للحكومة الشرعية يسرحون ويمرحون بدون منٍ أو أذى من قبل الطائرات الأمريكية بدون طيار؟
 
وبناء على كل ما سبق، يمكننا القول بأن الإدارة الأمريكية توظف الإرهاب سياسيًا بما يخدم مصالحها وتوجهاتها الجديدة، بدليل أنها لم تضم جماعة شيعية واحدة إلى قائمة الإرهاب في اليمن أو سوريا أو العراق، فيما الجماعات والأحزاب والشخصيات السنية كل يوم تضاف إلى قائمة الإرهاب، خاصة في سوريا، حيث ضمت الإدارة الأمريكية كل الجماعات التي تقاتل ضد بشار الأسد إلى قائمة الإرهاب، واستثنت كل الجماعات والميليشيات الشيعية التي تقاتل إلى جانبه.
 
ويبقى السؤال الكبير: لماذا دشن دونالد ترامب عهده بهجوم عسكري في اليمن أسفر عن سقوط عشرات القتلى الأبرياء، بينهم نساء وأطفال، دون دليل بأن الأشخاص المستهدفين بالقتل سبق لهم ممارسة أنشطة إرهابية، كل ذلك ليثبت جدارته في محاربة الإرهاب، فيما الجماعات الإرهابية الكثيرة العدد والعنيفة تتواجد بكثرة وتسيطر على مساحات واسعة في العراق وسوريا وليبيا وشمال أفريقيا، وتتواجد بكثرة في سيناء بمصر وفي باكستان وأفغانستان، فلماذا أهمل ترامب كل هذه الجماعات الإرهابية وأجاز لجيشه قتل أبرياء في اليمن بينهم نساء وأطفال ليثبت جدارته في الحرب على الإرهاب؟
 


التعليقات