لعبت المرأة دوراً بارزاً في ثورة 11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية، بأشكال مختلفة، سواء بالمشاركة في المظاهرات والفعاليات والمناشط المختلفة، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال نشر أفكار الثروة، وفضح استبداد نظام المخلوع، ونشر قيم الثورة وأبجدياتها، حتى أصبحت المرأة إحدى ركائز الثورة الأساسية.
شاركت المرأة في كل المظاهرات والمسيرات التي شهدتها اليمن مع انطلاق ثورة 11 فبراير، وكذا في كل ساحات التغيير والحرية، حيث طالبن بالحرية والعدالة والمساواة وإسقاط نظام المخلوع صالح.
وكأشقائها الرجال، تعرضت المرأة للقتل والاعتداء على يد بلاطجة ورجال أمن المخلوع صالح، فسقط منهن شهيدات وجريحات، منهن عزيزة عبده عثمان المهاجري، التي تعتبر أول شهيدة تسقط في الثورة الشبابية الشعبية السلمية أثناء مشاركتها بتظاهرة سلمية انطلقت من ساحة الحرية بمحافظة تعز، مروراً بعدة شوارع بالمدينة ومنها وادي المدام، وهو آخر الأماكن التي وطأت فيها أقدام الثائرة.
عزيزة.. أيقونة الثورة الشعبية
خرجت المسيرة من ساحة الحرية بتعز تجوب الشوارع تردد الشعارات المناهضة لنظام صالح وتضامنا مع ثوار صنعاء، وفي وادي المدام أقدمت عناصر مسلحة على إطلاق النار تجاه المسيرة، مما أضطر الشباب إلى الانسحاب، غير أن "عزيزة" تقدمت إلى الأمام في المسيرة وهي تصرخ بكل صوتها مخاطبة مطلقي النار: "يا ناس حرام عليكم، هؤلاء شباب وأطفال ليش تطلقوا النار عليهم، أيش ذنبهم، حرام عليكم حرا..."، ولم تكمل "عزيزة" عبارتها، حيث اخترقت الرصاصة جمجمتها من الخلف لتنفذ من مقدمة رأسها.
وكانت "عزيزة" ضمن خمس نساء تقدمنَ مسيرة اجتازت الحاجز الأمني في أول تظاهرة مرت أمام مستشفى الثورة الذي كان حينها مدججا بجميع أنواع الأسلحة التي يمتلكها الحرس الجمهوري التابع للمخلوع صالح المرابط بذات المكان، كما كانت ضمن المسيرة التي اجتازت مدرعات السلطة في تظاهرة حوض الأشراف بتاريخ 19 سبتمبر 2011 وسقط فيها ثلاثة شهداء وعشرات الجرحى.
كما أن "عزيزة" أيضاً واحدة من النساء اللواتي تم رشهن بخراطيم المياه في تظاهرة أمام مدرسة الشعب بتعز، ما أدى إلى إصابتها وسقوط خمارها، وهو المشهد الذي عرض في بعض القنوات الفضائية، وعندما نقلت إلى مستشفى الروضة رفضت الإفصاح عن اسمها أو التصوير أمام عدسات الإعلام وهي تقول: "نحن خرجنا لإسقاط نظام وليس لتصوير أو شهرة".
ولم تقف انتهاكات ميليشيات المخلوع صالح عند هذا الحد، فقد لحقت بـ"عزيزة" ثلاث شهيدات في مجزرة 11/11/2011 في جمعة "لا حصانة للقتلة"، وهن: تفاحة العنتري، وزينب العديني، وياسمين الأصبحي، اللاتي استشهدنَ في مصلاهن وأثناء هتافهن للقتلة "لا نريدكم تحكمونا"، وكلٌ لها قصة نضال في ثورة 11 فبراير.
تفاحة.. أم الثوار
الشهيدة تفاحة العنتري أطلق عليها اسم "أم الثوار"، كانت قيادية بالفطرة ومشهود لها بقوة شخصيتها وعزيمتها وإصرارها، ولم تتخلى في أصعب المواقف عن من حولها سواء من أقاربها أو أهلها أو أصدقائها ومن يحتاج إلى مساعدتها، كرست جل وقتها وجهودها لخدمة ثورة شعبها، فكانت أول المرابطين في ساحة الحرية وأكثرهم نشاطاً، بصمودها الذي فاق صمود الرجال، كانت تعود إلى المنزل والقول لأهلها -وكل أبناء اليمن أهلها- وقد بدأت ملامح الإرهاق والتعب على وجهها لتعد الكعك وأشياء أخرى لأبنائها في الساحة دعماً منها لهم ومشاركتهم لقمة العيش.
كان همها الوحيد خدمة الثورة وشبابها، وفي سبيل ذلك ضحت بنفسها وروحها الطاهرة رخيصة في سبيل ثورة شعب رفض البقاء خانعاً تحت ظلم الجبابرة، لم تكن نشاطاتها محصورة في إعداد الكعك وبعض الغذاء للثوار في الساحة، والتنظيم من خلال لجنة النظام في الساحة، وتعاونها مع لجان الخدمات والدعم وغيرها من اللجان، بل تجاوزت ذلك وتقدمت الصفوف في تلك المسيرات التي شهدتها تعز طيلة أيام الثورة رغم قمع آلة الإجرام التابعة للنظام لتلك المسيرات.
فما من مسيرة قمعت إلا وكانت تفاحة من أوائل المشاركين فيها بكل قوة وصمود ولا تهاب رصاصات الخوف والخنوع التي يسقطها موالون للنظام على المحافظة، ونالها من ذلك القمع ما نالها، تمنت الشهادة منذ أول يوم خرجت فيه إلى الساحة وكان لها ما تمنت بأن حقق الله أمنيتها في أفضل أيام الله في السنة وهي عشر ذي الحجة، وأفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة.
ياسمين الثورة
أما "ياسمين" الثائرة فهي منذ بداية انطلاقة ثورة 11 فبراير توقفت عن دراستها لتشارك أبناء وطنها ثورتهم، وكانت إحدى فتيات تعز الثائرات، شاركت في المسيرات التي كانت تنطلق من ساحة الحرية، وكان لها نشاطا كبيرا وملفتا للنظر في الساحة، وبعد محرقة ساحة الحرية في 29 مايو 2011، سعت "ياسمين" جاهدة لإعادة وهج الساحة ونشاطها من خلال المشاركة في المسيرات اليومية الصباحية والمسائية.
"ياسمين" كانت مخطوبة و تتمنى أن تقيم عرسها في الساحة، فباعت دبلتها وجمعت التبرعات لإعادة المنصة (منصة ساحة الحرية)، أفضل مما كانت فكان لها ما أرادت، وزُفت من الساحة شهيدة في يوم الجمعة الذي له في حياة المسلمين فضلاً ومكانة، وله عند اليمنيين ميزة خاصة، ففيه دخلوا في دين الله أفواجاً حباً وطواعية.
زينب العديني.. الشهيدة الحافظة
أما الشهيدة الحافظة زينب العديني فقد تخرجت من حلقة مسجد أم القرى التابع لجمعية معاذ العلمية لخدمة القرآن الكريم والسنة النبوية، والذي عكفت فيه خمسة أعوام لتنهل من العلوم الشرعية على يد كوكبة من المشايخ الأجلاء، بعد أن قضت عامين في حفظ كتاب الله في مركز الزهراء التابع لجمعية معاذ العلمية. حفظت كتاب الله إجازة وسنداً وراجعته وختمته مرتين، الأخيرة كانت على يد الشيخ علي المسوري، وكانت تتأهب لختمه مرة ثالثة، وحصلت على إجازة مفتية من عدة مشايخ، لتصبح شيخة علم ومعلمة وحافظة لكتاب الله، ودرست الفقه في كثير من المساجد في تعز، منها مسجد التقوى ودار القرآن وجامع الإيمان، بالإضافة إلى شهادات عديدة يصعب حصرها، إلا أنها لم تعش حياتها لوحدها، بل عاشتها لمجتمع بأكمله، وكانت نموذجاً في الفكر والدين والأخلاق وساعية إلى الخير لتمسح دمعة اليتيم وتفرج هم المهموم وتساعد الفقير، مختتمة مسيرة حياتها الحافلة بالبذل والعطاء بأن قدمت روحها هدية لوطنها الكبير.
عملت مدرسة في جامع الإيمان التابع لمشروع الشفيع مؤسسة التواصل لتنمية في حي كلابة، وكانت من أحب الناس إلى الناس ومن أنفع الناس إلى الناس، وكانت تتعامل مع طالباتها كأم لهن وليس كمعلمة، فقد كانت المشجعة لمواهبهن، والمحبة لإبداعهن، وكانت الحريصة دائماً أن تعمل على خدمة كتاب الله وعلى ما ينفع طالباتها وينمي مواهبهن، وكانت الشهيدة تُغسل الأموات، وتُخرج من مالها وذهبها لصالح الجانب الخيري.
الشهيدة "زينب" عشقت ساحة الحرية وخيامها، ووضعت بصماتها في كل عبارة ثورية خطتها أناملها، فقد كانت صاحبة الخط الجميل والذوق الرفيع والصوت الشجي وهي تتلوا آيات من القرآن الكريم، وحرصت على المشاركة في المسيرات التي تخرج في تعز الثورة منذ انطلاقة ثورة الشباب السلمية، وكانت أشد شغفاً وحباً لساحة الحربة، وكانت إحدى العاملات في لجنة التفتيش والنظام.
وبعد محرقة ساحة تعز واستعادة الساحة انخرطت في تكتل "مناضلات ثورة اليمن"، وكانت أكثرهن نشاطاً وحيوية في تقديم الأطباق الخيرية ومساعدة الجرحى وأسر الشهداء وكتابة اللوحات في المسيرات وفي الفعاليات التي ينظمها تكتل "مناضلات ثورة اليمن" و"شباب 11 فبراير".
وفي جمعة "لا حصانة للقتلة" يوم أن أمطرت قوات صالح سماء تعز بالقذائف، مستهدفة ساحة الحرية وقت صلاة الجمعة، ارتقت الشهيدة "زينب"، كما هو حال رفيقاتها "تفاحة" و"ياسمين"، تستمع لخطبة صلاة الجمعة في مقدمة الصفوف، قبل أن تسقط إحدى قذائف الغدر والخزي والعار في المكان الذي تتواجد فيه، حيث استقرت إحدى الشظايا في قلبٍ عامر بالإيمان، وفيه أودع القرآن وأحب خالقه المنان، منهية حياة حافلة بالخير والعطاء والصبر والكفاح لتسقط بعدها "زينب" ورفيقاتها شهيدات، وتبدأ معهن رحلة الخلود إلى النعيم الأبدي، وتلقى ربها وهي راضية عن ما قدمته وهو راض عنها.
وعندما استشهدت العزيزة "عزيزة" و"تفاحة "الخير و"ياسمين" العطر و "زينب" القرآن، خرجت كل النساء لتقول "كلنا زينب وعزيزة وتفاحة وياسمين، ودمنا دماهن"، من يعرف أي امرأة هي المرأة اليمنية سيدرك تماماً نهاية نظام علي صالح الذي تزلزلت أركانه الحتمية، فالمرأة عندما تهز سرير طفلها بيدها اليمنى فإنها تهز العالم بيدها اليسرى.
الحدابي.. أول الثائرات
وكشفت ثورة 11 فبراير عن وجوه مشرّفة وناصعة البياض سيسجلها التاريخ كصفحات تتشرف بها اليمن، فآلاف الشهداء تركوا نساءهم أرامل وأمهات لأطفال، وغالبيتهن في أعمار الزهور والصبا، وأطفالهن في عمر الطفولة المبكرة.
آلاف الشهداء شيعتهم أمهاتهم بالدعاء وطلب الرحمة، وشيعن أحزانهن إلى أرواح ستبقى هائمة فوق المقابر حتى تلحق بفلذات الأكباد، آلاف الإخوة تبكيهم الأخوات "فإذا غاب السند فمن لي بعد أخي وشقيق روحي"؟ مئات الأحبة فقدتهم الخطيبات والحبيبات، لتستقبلهم عتمة القبور وليضيؤوا أيام اليمن وكرامتها بنور الشهادة.
الدكتورة خديجة عبدالملك الحدابي من أوائل الثائرات في تعز، شاركت في الثورة الشبابية الشعبية السلمية منذ اندلاعها، كانت تشارك في كل المسيرات صباحا ومساء، وقفت وقفة صامدة فاقت على كل الرجال، وقدمت ابنها "محمد عز الدين" شهيداً وهو يقاتل ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية، حيث تحدثت الحدابي لـ"الموقع بوست" قائلة: "11 فبراير نقطة تحول تاريخية في حياة اليمن واليمنيين".
وأضافت الحدابي: "تعز التي خرجت في 11 فبراير 2011 ما زالت تهتف للجمهورية.. للوحدة.. للثقافة.. للسلام.. وستظل تدفع ضريبة الحرية من دماء الشهداء وأنات الجرحى وشتات النازحين حتى تتحقق أهداف 11 فبراير، كل أهداف فبراير بلا استثناء قاتلنا في 2015 هو قاتلنا في 2011، والباغي علينا في 2015 هو نفسه باغي 2011، والمتآمرون على الوطن في 2015 هم الخونة والمرجفون والطابور الخامس في 2011 ".
وبحسب الحدابي، فإن ثورة 11 فبراير لم تخفت جذوتها، بل ازدادت اشتعالا بكل قطرة دم سفكت، مضيفة: "ولن نبرح متارسنا ولا مواقعنا حتى تحرير اليمن كل اليمن، لنصنع اليمن الذي لأجله ارتقت أطهر الأرواح وأنقاها".
الغليسي: ثورة كرامة
ولم تكن خديجة الحدابي الثائرة الوحيدة التي قدمت فلذة كبدها "محمد"، شهيداً، فهذه الثائرة هدية الغليسي، الناشطة الحقوقية التي خرجت منذ وهلة الثورة في 11 فبراير من عام 2011، خرجت لتصوير المسيرات فأبدعت في تصوير أحداث الثورة في تعز بالصفحة الرسمية لساحة الحرية، ورأست منظمة "خلود" لرعاية أسر الشهداء والجرحى، هي الأخرى قدمت ابنها "أيمن" شهيداً في سبيل الدفاع عن كرامة تعز، استشهد في الجبهة الشرقية وهو يقاتل ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية في عام 2016.
تحدثت الغليسي لــ"الموقع بوست" قائلة: "ثورة اليمن أروع ثوره لما فيها من تأنٍ وحكمة وعقلانية، والمرأة هي الثورة من الأساس لأنها قدمت الزوج والولد والأخ والنفس".
الجندي: ثورة مستمرة
الثائرة ربا الجندي، والتي وثقت عدسة كاميرتها كثير من أحداث الثورة منذ 11 فبراير 2011 حتى هذا العام 2017، لا تزال إحدى الإعلاميات في تعز اللاتي عانين كثيرا بسبب المخلوع صالح والانقلابيين، إذ اختطفت ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية والدها.
تقول الجندي لـ"الموقع بوست": "لَم يكن أحد من أهل هذا الوطن يعتقد بأن ثورة ستقوم من جديد، وسيكون هناك يوماَ من أيام التاريخ يُذكر بجانب ثوراتنا الماضية، كان يوماً من أيام الربيع، يوماً هادئاَ شمسهُ مغطاة بغيوم جميلة، كل ذاهب إلى مجال عمله يمارسون حياتهم المملة التي رافقها الجهل والفقر والمرض مع َالظلام، غير أن ثُلة من خيرة شباب الوطن خنقهم الظلم، كبت على أنفاسهم كغيرهم، وثمة روح حماسية تسكن داخلهم تقول لهم ثوروا، وتشعل الوطن بثورة ضد النظام الجائر، حينها كان شعبٌ لا يشعر بالعنف، وأرضٌ لا توحي بالقسوة، كان شعب رغم سلاحه يحمل ورداً بيد وقلم بالأخرى، ومن طرف آخر نظام جرب كل الأسلحة على من خرج ضده".