[ سقوط بن مبارك دفع الكثير من اليمنيين للخروج ]
لم تكن ثورة الـ 11 من فبراير من العام 2011 ثورة عادية بل كانت بمثابة بركان ثوري انبثق من أعماق شعب ذاق مرارة ثلاثية الجوع والجهل والمرض، شعب محاصر سياسيا وثقافيا واجتماعيا، ومطحون بفساد السلطة الحاكمة والمحسوبية وعدم النهوض.
ففي مثل هذا اليوم وجد الشعب نفسه أمام محطة فاصلة، محطة قرر أن تكون ثورة، ثورة ضد النظام الحاكم الذي ظل جاثما على السلطة ثلاثة وثلاثين عاما، وكان يدبر ويجهز لمشروع توريث السلطة، وهو التوريث الذي جعل الشعب يخرج في مثل هذا اليوم منتفضا في وجه النظام، مناديا برحيله بكل السبل والوسائل رافعا شعار السلم، ومقدما التضحيات على هذا الطريق.
تفاصيل كثيرة وذكريات هذا اليوم لم ينساها التاريخ، ولم ينساها شباب الثورة الذين كانوا في مقدمة الصفوف، وهاهم في هذه الذكرى يروون لـ "الموقع بوست" تفاصيل تلك الليلة التاريخية التي قادتهم وقادت اليمن نحو مرحلة جديدة عنوانها التخلص من الفساد والمحسوبية والتوريث.
ليلة الحرية
يقول الناشط الشبابي واحد أبرز شباب ثورة فبراير محمد المقبلي في حديثه لـ "الموقع بوست"، عن تفاصيل اليوم الأول للثورة: "إنها ليلة الحرية، الليلة التي قرر فيها الشعب مغادرة القفص، أتذكر ليلتي وأنا أطوف في شارع الدائري بصنعاء بعد سقوط حسني مبارك، وكنت مع مجموعة من الطلاب والشباب في الليل مقابل اكشاك الصحافة في جولة الجامعة، تجمعنا وهتفنا للحرية لكل الشعوب العربية، وذهبنا نحو السفارة المصرية في شارع جمال في التحرير بصنعاء نردد شعارات الثورة ومن بينها الرد علي عبارة صالح عندما قال للشعب قبل الثورة يشربوا من البحر الاحمر كان الشعار " البحر الاحمر مالح ... يا علي عبد الله صالح ".
ليلة عظيمة
من جهته يذهب الناشط والصحفي محمد سعيد الشرعبي، في حديثه لـ الموقع بوست عن تفاصيل اليوم الأول من الثورة وعن المشاعر التي اجتاحتهم كشباب اليمن، بل عن كيفية التفاصيل الأولى للتحركات التي شهدتها صنعاء في تلك الليلة، حيث يقول الشرعبي: "بدأت الثورة صباح 15 يناير 2011 وبعد قرابة شهر عمت المسيرات البلاد، وتحديدا ليلة 11 فبراير فور ظهور خطاب تنحي الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تجمعنا عشرات من الشباب عند البوابة الشرقية لجامعة صنعاء، وانطلقنا إلى الدائري ومن ثم إلى الزبيري، ووصولا إلى ميدان التحرير وسط العاصمة، فور وصولنا إلى ميدان التحرير من اتجاهات متعددة وصلت قوات الأمن المركزي ومسلحون بلباس مدني واعتدوا على أغلبنا واخرجونا من الميدان، وأغلقوا الطرق المؤدية إليه، ونصبوا مخيما لأنصار حزب المؤتمر، كانت الهتافات حماسية جدا تطالب بإسقاط النظام، والمشاركون في التظاهرة عشرات من الطلاب والشباب وبعض الناشطات، ولكن لم نستطع البقاء في الميدان بسبب القمع المفرط الذي طالنا، لقد كانت ليلة عظيمة من ليالي الثورة الشبابية، ومن يومها تحركت عجلة الثورة قبل إقرار اتخاذ حي الجامعة الجديدة ساحة للاعتصام الدائم".
انطلاقة الأمل
أما يوسف مرعي، وهو أحد وأبرز شباب ثورة فبراير، فيعود في حديثه لـ "الموقع بوست" مسترجعا لحظات وتفاصيل ليلة 11 فباير، وعن شعور اللحظات التي عايشها هو ومجموعة من الشباب بل عن تفاصيلها بشكل دقيق، حيث يقول مرعي: "أتذكر انه في تلك الليلة، عدت انا ومجموعة من الشباب من جلسة مثيل في منزل الأستاذ خالد الرويشان، وفتحنا قناة الجزيرة، على عبارة عاجل تشير الى تنحي الرئيس المصري مبارك كنت اطير فرحا واتقافز وسط الغرفة، رميت بالصحف وما تبقى من وريقات بيدي، وفجأة سمعت صوت الاعلامي العربي في قناة الجزيرة فوزي بشرى وتقريره عن سقوط مبارك يا لجلالة تلك الليلة ويا لجمال ذلك التقرير وذلك الصوت الثوري الرهيب لفوزي بشرى الممتلئ عنفوانا وثورة.
ويضيف: " من بداية تقريره الى نهايته وعيناي ملتصقة بالشاشة، فجأة أخذني التقرير دون أن أشعر الى خارج الغرفة بعد أن رأيت في الجزيرة مباشر على شريط الاخبار عاجل خروج مظاهرة حاشدة في ميدان التحرير في صنعاء تطالب برحيل الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، اخذت ورقة من ورق معاملاتي للمنحة سألني صديقي الى اين قلت له اريد أن اصور الورقة كنت أخشى أن يمنعني من الخروج فيفسد عليا نشوة النصر بسقوط مبارك والشعور بالأمل أن شعبنا العظيم سيخرج ضد المخلوع صالح، قال لي شوف نحن نناضل منذ سنوات ضد صالح، وسنخرج المسألة مسألة وقت فقط المهم لا تتأخر، فرحت اني استطعت الخروج كان مقر اقامتنا قريبا من ميدان التحرير في صنعاء، انطلقت بسرعة فائقة الى ميدان التحرير ويهتف مع شباب اليمن الذين خرجوا في تلك الليلة بعد مبارك ياعلي قبل أن يداهمنا بلطجية المخلوع بالهراوات والحجارة ومحاصرتنا في الازقة".
ويتابع الثائر يوسف مرعي حديثه: "عدت الى سرير نومي بعد أن نال أحد البلطجة مني ببضع خبطات بهراوته، اذكر أني تلك الليلة لم انم، وجلست أمام التلفاز اتابع كل الاخبار العاجلة، قلت أنا وصديقي ضروري نروح نشرب شاي عدني في صباح ١١فبراير في ميدان التحرير، وأثناء السير كانت صنعاء مدينة ملغمة بالمعسكر كل مئة متر عسكر وبلطجية، تحولت صنعاء إلى ثكنة عسكر كان لصديقي ولي معاملة في وزارة التعليم العالي قررنا الذهاب، وأثناء العودة ونحن في شارع جمال سمعنا المارة يصيحون بهلع مسيرة تطالب برحيل صالح تتجه صوب التحرير، اتجهت بسرعة صوب المظاهرة وانا مجموعة من شباب تعز نهتف بكل ما اوتينا من قوة بعد مبارك ياعلي.
ويضيف: أذكر أن ذلك اليوم هو اول يوم عرفت فيه الاستاذ خالد الانسي وبعض من شباب الثورة، هذه لحظاتي عن بداية فبراير عن الانطلاقة، وعن عمرنا الجميل، وعن مسار احلامنا الذي لن نحيد عنه عن سلميتنا، هذه اللحظات اجمل لحظات عمري لحظات رفض الخنوع والاستبداد فبراير أفق متجدد وطوح متقد وعزائم شباب فتي قوي".
ليلة تأريخية
حمود هزاع، وهو من شباب الثورة أيضا، يقول عن ليلة 11 فبراير بانها ليلة عظيمة وتاريخية، ولا يمكن له ولزملائه الشباب نسيان تفاصيل تلك الليلة، وفي حديثه لـ الموقع بوست عن تفاصيل التحركات التي عاشتها صنعاء يقول هزاع: "كانت ليلة عظيمة تحقق لأشقائنا المصرين خلالها انتصار عظيم، ذلك الانتصار ولد الحماس في كثير من اليمنيين فخرجوا معنا، وانضموا الينا، فقبل 11 فبراير كنا نطوف شوارع صنعاء، وكنا عشرات او مئات في الكثير لكن في 11 فبراير وفي بداية الليل تدافع الالف من اليمنيين الى ساحة التغيير بجوار جامعة صنعاء.
ويواصل: انتصار الثورة المصرية منحتهم دفعة من الحماس والثقة، وبددت ترددهم فخرجوا معنا، وكنا الكل في تلك الليلة، كنا سعداء بذلك العنفوان الثوري، ومع اهتراء حاجز الخوف الذي سجن اليمنيون بداخله منذ عقود، هتفنا بحماس شديد حتى أيقظنا الانسان اليمني من سباته، فاستعاد ثقته بنفسه وامتلك ارادته واعتنق الحرية بملء ارادته، وآمن بها بصدق وتحدى المخاطر والخطوب وتجلت إرادته القوية وسلوكه الحضاري وتطلعاته الكبيرة واحلامه البديعة، ولغته الراقية، وتنفس الصعداء واستعاد توازنه.
ويتابع حديثه قائلا "تشاركت تعز مع صنعاء تلك الليلة لكنها تفردت بان جعلت من 11 موعد لبداية الاعتصام لترسيخ الثورة، ولحقت بهم العاصمة صنعاء بعد تسعة ايام تلك الخطوة المتقدمة في التصعيد الثوري الاحتجاجي الخلاق كان متوقعا من شباب تعز ابناء العاصمة الثقافية الثورية لليمن، وبسرعة تجاوزت الصيرورة الزمنية الطبيعية لمسارات الثورات التي سبقت ثورات الربيع العربي بسرعة الضوء، وتفجرت الارادة الثورية بعنفوان شامخ وخلاق، وبإرادة صلبة وبلغة جميلة وبمنهج ناعم، فحاول نظام صالح قمع ثورتنا وصُدمت سلطاته بإرادة شعبية قهرت آلات القمع وعطلتها وأصبحت عديمة الجدوى".
ليلة ثورية في تعز
في تعز كانت هناك تحركات وكان هناك لـ 11 فبراير تفاصيل، ما يزال الكثير من الشباب يتذكرونها جيدا، ويتذكرون تفاصيلها واحداثها بدقة.
ياسر المليكي، ناشط واحد شباب ثورة فبراير، يقول في حديثه لـ "الموقع بوست": "كانت ليلة لا تشبه كل الليالي، أدركت أن صالح اهتز وان سقوطه بات وشيكا، هناك أشياء تحدث هزات وخضات عنيفة وتشعر معها أن اليمن كله في تلك الليلة كأنه وسط زجاجه وترجها بيديك، شعور الناس كان غريبا، أكاد أجزم انه كان مشوبا بحذر لهذا القادم الذي ينتظر اليمنيين".
ويتابع المليكي حديثه "أنهيت تناول العشاء وخرجت إلى وسط ديلوكس قلب شارع جمال، وكنت متيقن أن الشباب سيخرجون، لكن انتظرت وللأسف لم أعرف انهم تجمعوا سريعا وانطلقوا صوب مبنى المحافظة، لم أعرف بذلك إلا صباح اليوم الثاني.
ويواصل: الليلة الثانية تجمع شباب بالآلاف وسط ديلوكس وأتذكر انه لحظة تجمعهم انطفأت الكهرباء، وبنفس اللحظة فجر أحدهم بلعبة نارية، طماشة، فتفرقت تلك الحشود بلحظة لأن الجميع كان متوجسا وخائفا من ذاك الذي يعمله الشباب، ويدركون أن صالح لن يسمح لهم بإزعاجه ما بالكم بإسقاطه، لكن دقائق وتجمع الشباب مرة أخرى، وظل ذلك الزخم حتى منتصف الليل، بدأ الكثير ينسلب إلى النوم وبقي في المكان شباب لا يتجاوزون الخمسين".
ويتابع المليكي سرد التفاصيل، ويقول "كنت وأغلب الشباب اليمنيين ينتظرون تلك اللحظة التي سقط فيها مبارك لينفجر صبر الشباب اليمنيين غضبا ومسيرات واحتجاجات تصدح افواهنا وتهتز ارجلنا ونشعر بصدى ذلك الفعل في قصر صالح الذي بدأ بإرسال أمنه وجيشه لقمعنا".