في ذكرى 11 فبراير .. أربع دوائر عدائية طوقت حلم التغيير في اليمن (تحليل)
- ياسين التميمي السبت, 10 فبراير, 2018 - 04:00 مساءً
في ذكرى 11 فبراير .. أربع دوائر عدائية طوقت حلم التغيير في اليمن (تحليل)

[ مثلت ثورة فبراير حدثا مفصليا في اليمن ]

سبعة أعوام مضت على ثورة الحادي عشر من فبراير/ شباط 2011، في اليمن، شهدت أكبر وأطول احتشاد سلمي في ساحات الحرية والتغيير قياساً ببقية دول الربيع العربي.

خلال هذه الفترة جرت في النهر مياه كثيرة، واحتشدت الساحات مجدداً لكن بالسلاح والرصاص والمؤامرات المحلية والإقليمية والدولية التي استهدفت وبوضوح كامل إسقاط ثورة فبراير، وإجهاض حلم الشباب اليمني في التغيير، قبل أن تنزلق الأمور إلى حرب شاملة ها هي المنطقة بكاملها تتورط فيها ولكن في سياقٍ سمح للقوى الإقليمية التي تشكل قوام التحالف العربي باستكمال مهمة الثورة المضادة وإعادة تنصيب النظام السابق وسط كم هائل من التعقيدات والتحديات.

كان نظام المخلوع صالح على سوئه، وبعد عقدين من انعدام الثقة مع الجارة الشمالية المملكة العربية السعودية، محروساً بعناية من جانب هذه الأخيرة وعدد من الدول الخليجية الأخرى التي كان لها موقف سلبي ويتسم بالعدائية منذ البداية تجاه ثورات الربيع العربي.

لكن هذه الحراسة لم تستحق بذل الكلفة ذاتها التي بذلها ولا يزال حلفاء بشار الأسد في سورية للإبقاء عليه رئيساً على أشلاء وجماجم السوريين وركام مدنهم المدمرة كل هذه السنوات.

يعود ذلك إلى في تقديري إلى الدور السيئ الذي لعبه صالح إبان حروب صعدة الست، عندما كان يحارب الحوثيين ويحارب بهم، أملاً في ممارسة الضغوط على المملكة، على نحو كرسه حليفاً ماكراً وغادراً ومتعدد الأوجه والمواقف، خصوصاً وأن سلوك كهذا خبرته السعودية والكويت وبقية دول الخليج من جانب صالح إبان نكبة غزو الكويت من قبل الرئيس العراقي صدام حسين يرحمه الله. لذا لم يكن صالح ليستحق المراهنة على بقائه بأي ثمن.

الموقف غير المكترث ببقاء صالح في السلطة كان تقريباً هو موقف الدول التي أصبحت راعية لاتفاق المبادرة الخليجية، وخصوصاً الدول الكبرى والدول الإقليمية، بل كان قرار تغييره قد اتخذ من قبل الرياض العاصمة الأكثر تأثيراً بمجريات الأمور في اليمن تفادياً لحدوث كارثة في هذا البلد مع بقاء النية حاضرة بأن يتم التغيير في إطار نظام صالح وليس بجلب نظام بديل أو السماح بمنح مكافأة سياسية لثوار فبراير.

توفرت قاعدة عريضة من الإجماع الدولي حول سلامة الانتقال السياسي وحضاريته في اليمن، والذهاب نحو تكريسه نموذجاً عالمياً للانتقال الذي فرضته ثورات الربيع العربي في منطقتنا.

هذا الموقف الإيجابي لم يستمر طويلاً فقد وقع الثوار ضحية مخطط تدجين الثورة ومصادرة أهدافها ومحمولاتها السياسية، وتحويلها إلى تركة مشتركة مع اللئام الذين احتشدوا في ميدان السبعين، يدعمهم ويقف خلفهم المال النفطي والقلق المبالغ فيه من إمكانية انتقال رياح التغيير صوب البلدان المجاورة، خصوصاً وأن الروافع السياسية لهذا التغيير سرعان ما تم تصنيفها على أنها جزء من التيار السني العريض المولد للعنف والمغذي لظاهرة الإرهاب التي تشكل مصدر قلق دائم  يتحكم في المواقف النهائية للغرب تجاه المنطقة ومتغيراتها السياسية.

وفيما نعرض لأهم وأخطر الدوائر التي أحاطت بحلم التغيير والواقع الذي أفضى إليه في اليمن.

الدائرة الأولى: نظام صالح

شكل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ونظامه وأجهزته العسكرية والأمنية وشبكة المصالح الواسعة المرتبطة به والتي تضم معظم قادة الدولة والمسؤولين والوجهاء القبليين ورجال المال والأعمال، الدائرة الأولى التي طوقت حلم التغيير في اليمن.

لم يكن كل المنخرطين في هذه الشبكة يرون صالح الرئيس المثالي الذي يتعين التضحية من أجله، ولكنها المصالح التي أبقاها صالح بيده وتحكم بها، بالإضافة إلى المستمسكات التي أجبرت البعض من رجال نظامه على أن يستمروا معه في خندق المواجهة مع قوى الثورة ومناصبتها العداء ونصب الأفخاخ والصعوبات الكثيرة وإغراقها في الفوضى كما رأينا طيلة السنوات الثلاث التي تلت التوقيع على اتفاق التنازل عن السلطة في 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011.

لكن انتقال السلطة إلى الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي، بصفته نائب صالح وينتمي إلى المؤتمر الشعبي العام، مع بقاء رموز الدولة اليمنية من قيادات المؤتمر في مواقعهم وتقاعس الرئيس هادي عن القيام بواجبات الرئاسة كما ينبغي، خصوصاً وأن البلاد تمر بظرف استثنائي، كل ذلك أغرى صالح وأنصاره على الاستمرار بنفس القدر من العناد تجاه التغيير ومحاولة خنق النظام الذي أنتجته ثورة فبراير، على الرغم من أن المؤتمر الشعبي العام كان يشغل نصف الحكومة ويشغل المواقع الهامة في الدولة بما في ذلك رئاسة البرلمان والشورى والسلطة القضائية، ويدير معظم المؤسسات السيادية.

الدائرة الثانية: جماعة الحوثي وإيران

جزء أساسي من النفوذ الذي حققته جماعة الحوثي الانقلابية، لم يكن ليتحقق لولا الفرص الهائلة التي حصلت عليها من التحالف التكتيكي -الذي لم يستند على أي أساس أخلاقي- مع المؤتمر الشعبي العام.

فقد كان خيار صالح فور يقينه بأن السلطة ستفلت من يده، هو التحالف مع الحوثيين في إطار الانتماء العريض للزيدية التي لم يكن صالح يؤمن بها ولا يقر أساساً بالقيادة المذهبية التي ظل بدر الدين الحوثي والد الزعيم الحالي للميلشيا الانقلابية، وأقرانه من علماء الزيدية الهاشميين يتمسكون بها، ويرون أن النظام الجمهوري ظالم لأنه انتزع الحق الإلهي في السلطة من أهله.  

وحينما دخل الحوثيون إلى ساحة التغيير لم يكونوا جزء من الثورة ولا من أهدافها، فقد كانوا يبحثون عن مساحة آمنة لهندسة ثورة خاصة بهم، وظلوا يعملون ضمن تراتبية قيادية منفصلة عن تنسيقية الثورة، تنتهي بزعيم جماعتهم عبد الملك الحوثي وتتصل بمراكز التأثير القوية والداعمة لحزب الله وإيران في الضاحية الجنوبية وطهران وقم.

كان نشاط الحوثيين يتم تحت أنظار السفارة الإيرانية وخبراء الحرس الثوري وحزب الله الذين خططوا لإنجاز النسخة اليمنية من الثورة الإسلامية الإيرانية.. تحالف الحوثيون وصالح تحالفاً قصد منه الانقضاض على قوى ثورة فبراير ومكاسبها، وتأكدت الحاجة إلى إتمام الثورة المضادة منذ اللحظة التي انضمت فيها نخبة من قادة الجيش يتقدمها اللواء علي محسن قائد المنطقة العسكرية الشمالية إلى صفوف ثورة فبراير.

ارتكز التحالف بين الحوثيين وصالح في بعده العسكري على القوة الضاربة للحرس الجمهوري والقوات الخاصة والأمن المركزي وقوات مكافحة الإرهاب التابعة له، وغيرها من الوحدات العسكرية  لتي بقيت موالية لصالح.

يعود ذلك إلى أن العقيدة القتالية لهذه القوات والتشكيلات بنيت على أساس المواجهة مع ما يسمى "الإرهاب" وحماية نظام حكم صالح الأمر الذي اقتضى أن تكون مغلقة تقريباً على أبناء الطائفة الزيدية، وقد سهل ذلك كثيراً على الحوثيين حسم معركة النفوذ في المؤسسة العسكرية بسرعة قياسية، إلى حد أن صالح عندما قرر فض الشراكة مع الحوثيين لم يجد بجانبه هذا الجيش الذي كان يراهن عليه.

الدائرة الثالثة: التحالف العربي (السعودية والإمارات) والغطاء الغربي

مضت السعودية قدماً في مخطط إنهاء حكم صالح، على الأقل حتى الـ 23 من نوفمبر/تشرين الثاني 2011، ولكنها بعد ذلك قررت أن تتحد مع الإمارات في مهمة إنهاء كل تأثير لثورة الحادي عشر من فبراير، وخضعت بالكامل لغرفة عمليات الثورات المضادة التي أدارها من أبوظبي أسوأ المتحولين سياسياً وفي المقدمة منهم السياسي الفلسطيني والعضو في حركة فتح محمد دحلان، وهؤلاء عملوا تحت أوامر ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد.

استدعى السفير السعودي السابق في المين علي بن محمد الحمدان ممثلين عن المكتب السياسي لجماعة الحوثي في أول لقاء رسمي معلن مع هذه الجماعة الانقلابية، حدث ذلك في منتصف الفترة الزمنية لمؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي كان الحوثيون جزء منه.
منذ ذلك اللقاء شهدت السياسة السعودية تحولاً جذرياً اتخذ منحى عدائياً ضد التجمع اليمني للإصلاح الذي كان يوصف بأنه "إخوان مسلمون"، وتحت هذا الغطاء من التحريض على الإخوان المسلمين، تلقى الحوثيون وصالح وحزبه المؤتمر الشعبي العام، دعماً مالياً وسياسياً لم يكونا يحلمان به، من جانب السعودية والإمارات وتحت غطاء أمريكي وبريطاني وغربي وتواطؤ من جانب الممثل الأممي الأسبق جمال بنعمر.

كانت ثقة علي عبد الله صالح مطلقة بإمكانية إحراز النصر على الثورة التي أطاحت به على ضوء الدعم السعودي السخي، وكان الحوثيون يرون الدعم السعودي فرصة ثمينة وراجحة في مشروعهم للإجهاز على الجمهورية، خصوصاً وأنهم رأوا كيف أثرت السعودية على مشروعهم في 2009 عندما تدخلت ووجهت لهم ضربات مؤلمة في حرب صعدة السادسة والتي أغرتهم وبتحريض من صالح حينها على التحرك صوب الطرف السعودي من الحدود.

وبعد ثلاثة أعوام من التدخل العسكري للتحالف ها هي مهمة التحالف في اليمن تتكرس باعتبارها استكمالا للثورة المضادة.. فالحرب على ما يبدو تمضي في مسارات خطيرة جداً، حيث تستنهض بقوة الأدوار المقبورة لنظام صالح الذي سقط أي أمل لإعادة إحيائه بعد مقتل علي عبد الله صالح على يد الحوثيين في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2017 بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات الدامية بصنعاء.

التحالف أيضاً يدعم القوى الانفصالية في الجنوب، ويكرس الانقسام السياسي والجغرافي للبلاد، ويدعم المشروع السياسي لنظام صالح المقبور، ويعمل باستمرار على إضعاف القوى التي تقاتل إلى جانبه من أجل دحر الانقلاب واستعادة الدولة، ويقوي فرص الحوثيين ويقوي ذرائعهم ويحول الميلشيا الانقلابية، إلى قوة مقاومة وطنية ضد مشاريع الخارج التوسعية وهو بهذا يوجه ضربة عميقة لثورة فبراير.

وبالمثل خطت بعض دول التحالف مثل مصر والأردن خطوات غير ودية مع الشعب اليمني على نحو فهم من خلاله أنه عقاب جماعي ضد هذا الشعب تجلى في إجراءات قاسية شملت إنهاء العمل بنظام دخول اليمنيين إلى هذين البلدين بدون تأشيرة مسبقة، والتضييق على المقيمين منهم برفع كلفة الرسوم المفروضة على إقامتهم، وهي إجراءات لا تتفق أبداً مع الجهد العسكري الذي جاء أصلاً لدعم الشعب اليمني ومساعدته على استعادة دولته من الانقلابيين.

يضاف إلى ذلك أن دولة مثل مصر وهي عضو في التحالف تتخذ مواقف ودية تجاه تحالف الانقلاب المؤتمري الحوثي في صنعاء وتسهل تواجد أنصارهما وتحتفي بهما في القاهرة وفي المقابل تتبنى مواقف عدائية من قوى سياسية هي جزء من معسكر الشرعية التي تدعمها.

الدائرة الرابعة: الحراك الجنوبي والقاعدة

اتحد الحراك الجنوبي مع مشروع الهيمنة الجهوية للمخلوع صالح وحليفه المرحلي جماعة الحوثي، واتسع نطاق تحرك القوى الحراكية الانفصالية في مدينة عدن مع أول ضربة لموجة الربيع العربي في الجغرافية اليمنية.

كانت الأهداف المعلنة لهذا الحراك متطابقة مع أهداف الثورة المضادة، فالعدائية كانت بادية تجاه ثورة الحادي عشر من فبراير وحواملها السياسية وتعدتها إلى تبني الخصومة والعداء غير المبرر مع محافظة تعز وثوارها ومواقفها الوطنية، واستهدف الحراك المنشقين عن نظام صالح مثل اللواء علي محسن. كما استهدفت بالقدر نفسه التجمع اليمني للإصلاح ومشائخ بيت الأحمر المناوئين لصالح.

وخلال سنتي ثورة الحادي عشر من فبراير استقطبت إيران وحزب الله العشرات من قادة وناشطي الحراك والمئات من العناصر المسلحة للتدريب في بيروت على يد خبراء من حزب الله، وهي مهمة كرست واحدية الأجندة والهدف والدور بالنسبة للحراك الجنوبي والحوثيين في اليمن.

تكفل صالح بكل التجهيزات اللازمة لتجمهر الحراك في ساحة المنصورة وكانت الأعلام الانفصالية والصور والشعارات تجهز في مطابع التوجيه المعنوي بصنعاء، وبالتزامن دعم صالح تنظيم القاعدة ممثلاً في حركة أنصار الشريعة التي أفسح لها المجال للانتشار والتموضع في محافظتي أبين وشبوة وفي حضرموت وساعدها على إقامة إمارة إسلامية في هذه المناطق.

كل ذلك ليجعل كلفة قبول اليمنيين والمجتمعين الإقليمي والدولي بثورة الحادي عشر من فبراير مكلفة للغاية على وحدة التراب الوطني وعلى الأمن الإقليمي والدولي. لذا لامس القضية الأكثر حساسية وإثارة للاهتمام.

وتأسيساً على ما سبق يمكن القول إن التعقيد الذي تعاني منه اليمن في هذه المرحلة يعود في جزء مهم منه إلى هذا التشوه في أهداف التحالف العربي التي ترفع شعار محاربة الانقلاب واستعادة الدولة، وتتوخى في الأساس استكمال الثورة المضادة الأمر الذي يبقي أعداء ثورة فبراير جاهزين لتدشين مرحلة جديدة من الأدوار التي أعاقت تقدم اليمن وتطوره واستقراره.
 


التعليقات