ملف المعتقلين السياسيين.. موضوع في خانة اختبار النوايا دون نتائج (تقرير)
- صنعاء - خاص الأحد, 15 يوليو, 2018 - 09:28 مساءً
ملف المعتقلين السياسيين.. موضوع في خانة اختبار النوايا دون نتائج (تقرير)

[ الحوثيون في قائمة الأطراف المرتكبة للاختطافات ]

طوال ثلاثة أعوام من الحرب في اليمن، ربما نال المدنيون والناشطون السياسيون والصحفيون القسط الأكبر من التعذيب والسجن والاعتقال والإخفاء القسري، وما إلى ذلك من انتهاكات وممارسات تندرج ضمن جرائم الحرب وإرهاب مقصود ومتعمد، وحتى كتابة هذا التقرير تتداول وسائل الرأي العام المحلية والإقليمية والدولية تفاصيل جديدة تعرض لها عشرات المعتقلين في جنوب اليمن من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، في إطار تقرير دولي جديد صادر عن منظمة العفو الدولية، وهو ما يدل على تفاقم أزمة ملف المعتقلين السياسيين الذين جرى ويجري اعتقالهم على مدار اليوم والساعة.

جريفيث وفي زيارته الأخيرة، أطلق تصريحا بعد زيارته عدن ولقائه الرئيس هادي، يقول إنه اتفق مع الحكومة الشرعية على بعض المقترحات التي ستمثل بداية جيدة نحو بناء الثقة ونحو الذهاب إلى مفاوضات تجمع فرقاء الحرب، وعلى رأس تلك المقترحات التي تحدث عنها المبعوث: إطلاق المعتقلين السياسيين وفتح الباب واسعا أمام ملف الإغاثة الإنساني.

إطلاق المعتقلين السياسيين وكمقترح تحدث عنه جريفيث هذه المرة، يثير التساؤل مجددا، خصوصا وأن هذا المقترح هو سابق، ومنذ بداية الجهود التي قام بها المبعوث الأممي السابق إسماعيل ولد الشيخ، الذي ظل يقدم هذا المقترح مع بداية كل جولة سياسية، وأيضا في الجولات التي جمعت الأطراف اليمنية في كل من سويسرا وفي الكويت وأثناء زياراته ولقاءاته التي كانت تتم بينه وبين أطراف الحرب.

وعلى الرغم من ذلك ظل المقترح مقترحا خالٍ من الآليات، ومن انتزاع التزام من الأطراف اليمنية في البدء بتنفيذه، وكيف ومنهم المعتقلون الذين يجب إطلاق سراحهم وما إلى ذلك، وظل المقترح بمثابة العنوان الفضفاض من قبل الأمم المتحدة ومن قبل مبعوثها، وطوال كل هذه الفترة لم يقم أي طرف بإطلاق سراح أيا من المعتقلين، ولو بشكل نسبي، وظل المعتقلون في السجون، وظلت معاناة أهاليهم مستمرة، وظل المقترح مجرد حديث وظاهرة صوتية لا أقل ولا أكثر.

اليوم وبعودة هذا المقترح إلى الواجهة، وكجسر لبناء الثقة فيما يتعلق بالدفع بمسار التفاوض إلى الأمام، وفي ظل غموض وتعقد هذا المسار، يستدعي الشك بهذا المقترح، بل يستدعي التساؤل عن مصيره وعن طبيعته وجديده وضمان تنفيذه وكيف تم إطلاقه؟

أسئلة كثيرة حاول الموقع بوست التوصل إلى إجابة عنها عبر معنيين وممن يعملون في ملف المعتقلين السياسيين والمحامين والراصدين بهذا الشأن لمعرفة مدى فهمهم للمقترح ومدى إمكانية تطبيقه.

حقوقيون متفائلون

إلى الناشط الحقوقي، توفيق الحميدي والراصد في مجال حقوق الإنسان توجهنا استفساراتنا تلك، وبدوره أجاب بالقول: :"أعتقد أن إعادة طرح موضوع المعتقلين كمدخل للحل السياسي من قبل المبعوث الدولي الجديد يأتي تلبية لاستحالة محلية ودولية حيث إن هذا الملف يعد من أكثر الملفات السياسية تعقيدا؛ وحلحلته سوف يمنح المفاوضات بعدا اجتماعيا وإنسانيا حيث تعاني الآلاف من الأسر اليمنية وضعا إنسانيا بما فيهم الأطفال بسبب اعتقال الكثير من أرباب أسرهم، كما ضاعف حالة الاحتقان السياسي والمجتمعي لدى الأطراف، خاصة أنه أفضى إلى حالات وفاة الكثير بسبب التعذيب، وفتح باب النقاش الإعلامي والمجتمعي والحقوقي واسعا بسبب المحاكمات الصورية التي يتعرض لها بعض هؤلاء المعتقلون، وبالتالي لوقف مثل هذا الوجع المجتمعي وتهيئة المجتمع نفسيا للمفاوضات أمر في غاية الأهمية، بل حاجة ضرورية للذهاب إلى خطوات قادمة".

وتابع الحميدي "كما أن البدء بهذا الملف والنجاح في إحداث اختراق فيه سيساعد على بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة اليوم، صحيح هناك تعنت كبير بشأن هذا الملف خاصة على مستوى المعتقلين السياسيين من قبل جماعة الحوثي خصوصا في جولتي جنيف والكويت للمفاوضات، لكن أعتقد أن هناك تغييرات كثيرة على الأرض قد تساهم في الضغط وحلحلة هذه الموضوع، حيث إن اللقاءات غير المعلنة بين المجتمع الدولي وجماعة الحوثي لم تتوقف وربما يكون هناك موقف قد تبلور لدى مبعوث الأمين العام بهذا الشأن".  

ويلفت الحميدي، بشأن هوية المعتقلين للأطراف، بالقول: "صحيح لا يوجد لدي الحوثي معتقلين سياسيين كثر، لكن هناك معتقلون وإن لم يكونوا بحجم معتقلي الشرعية، وسيكون هناك آلية معينة إذا ضغط المجتمع الدولي على جماعة الحوثي في هذا الملف حيث إن موضع المعتقلين في إطار تفاوضي معين لن يكون وفق الإطار العادي الذي يجري بين فصائل المقاومة وجماعة الحوثي بل في إطار شامل مرتبط بملفات أخرى وافق أخر".

عراقيل أمام المبعوث الأممي  

يؤيد طرح الحميدي، الناشط السياسي والحقوقي، ياسر المليكي، حيث يقول في حديثه لـ "الموقع بوست": "بالنسبة لإطلاق المعتقلين اعتبرها خطوة أولى لبناء جسر ثقة والجلوس على طاولة واحدة، جريفيث يعتبر هذا الأمر مقدمة لأي ذهاب إلى الطاولة، وهذا شيء جيد، أتمنى أن يكون فيه جادا وان يتعلم من أخطاء سابقيه، وهذه الخطوة مهمة وضرورة لا تقبل الترحيل".

وإطلاق المعتقلين سواء كانوا سياسيين أو نشطاء أو أسرى حرب مهم جدا لبناء الثقة، بحسب المليكي الذي يتابع حديثه بالقول: "أعتقد أن التركيز على المعتقلين السياسيين، لأن الحوثيين يتابعون بقوة موضوع الدكتور مصطفى المتوكل باعتباره معتقل وهو رئيس هيئة تنفيذية في حكومتهم".

وعلى الرغم من حديث المليكي هذا إلا أنه يعتقد أن مهددات هذه الخطوة هي "عدم وجود آلية تنفيذية توضح أسماء المعتقلين المراد الإفراج عنهم، هذه لا تجيدها الشرعية بالتأكيد، وهم ليسوا في وارد الاهتمام الفعلي بهذا الملف وإلا كانوا يستطيعوا التأثير فيه منذ 3 سنوات".

ويتابع قائلا: "من خلال التعامل مع الحوثيين ومراقبة نهجهم السياسي، أعتقد أن الحوثيين لن يصدقوا في هذه الخطوة وسيطرحون مقترحات أخرى بديلة، وجريفيث في بداية مشواره كمفاوض لا يمتلك عصا لإجبار الأطراف على قبول ما يطرحه، وهو أيضا ليس خبيرا بجغرافيا وأسباب الصراع اليمني، وبالتالي جديته لم تظهر بعد في أي حل مطروح".

ويلفت المليكي لـ "الموقع بوست": "الإمارات والقوات التي تعمل معها بالوكالة هي مشكلة الشرعية أيضا، ويسبب لها هذا الملف إحراجا أمام المجتمع الدولي، وبالتالي هي تتغاضى عن ملف معتقلي اليمن في سجون سرية إماراتية، وتحاول أن تمسك هذا الملف لتديره من تحت الطاولة، وهذا أثر في سمعة الشرعية وضعضع من مكاسبها أو لنقل منحت الحوثيين القوة لماججتها".

تقريبا يتفق حقوقيون وسياسيون يمنيون، على بقاء ملف المعتقلين معقدا، مهما برزت بعض الجهود، لاسيما هذه التي يجري الحديث عنها من قبل المبعوث الأممي مارتن جريفيث، والتي مر على الإعلان عنها حتى الآن قرابة الأسبوع، ولم يتم الإعلان عن أي جهود أو أي تفاصيل جديدة تؤكد وجود آليات للتنفيذ.

وما بين هذا وذاك يرى حقوقيون ومحامون أن هذا الحديث هو بمثابة انتهاك آخر لحقوق الإنسان، وأنه يفترض أن هذا الملف يجب ألا يتم فيه أي نوع من التلاعب أو المقايضة أو استخدامه كورقة سياسية من قبل المجتمع الدولي ومن قبل الجميع بشكل عام.

إشكاليات إدراج المعتقلين السياسيين في ملف المفاوضات

المحامي والحقوقي، عبدالرحمن برمان، وفي تصريح له مع "الموقع بوست" يقول: "قضية المعتقلين المدنيين والسياسيين والناشطين والصحفيين وكافة المعتقلين بشكل عام هي قضية إنسانية وكذلك ملف الإغاثة الإنساني، يجب أن لا تخضع القضيتان لأي مفاوضات أصلا، وإدخالها ضمن المفاوضات والحل السياسي أعتقد أنه انتهاك صارخ لحقوقهم وللمعتقلين، والكارثة أنه عندما يأتي الانتهاك من قبل ممثل المجتمع الدولي أو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة".

ويضيف: في الأصل للإنسان الحرية والكرامة والسلامة، وهو حق أصيل، وأن لا يتم التفاوض على الحق، ولماذا يتم إدخالهم في ملف المفاوضات، فقط لأنه إذا نجحت المفاوضات وتقدمت تم الإفراج عن المعتقلين، وإذا فشلت المفاوضات يظل المعتقلون في المعتقلات إلى ما شاء الله وهذه هي الإشكالية والكارثة".

ويتابع برمان: "الواجب على الحكومة اليمنية والشرعية والمجتمع الدولي بشكل عام ممارسة الضغط للإفراج عن جميع المعتقلين، وجماعة الحوثي تأخذ النصيب الأكبر، وتكاد هي تستحوذ على هذا الملف باعتبارها أنها تمارس الاعتقالات الواسعة في المناطق التي تسيطر عليها، وتمارس الاعتقال على كل المدنيين والسياسيين والناشطين والصحفيين".

عرقلة الصفقات

حديث جريفيث مع الرئيس هادي بشأن المعتقلين، يشير إلى أن لدى الحكومة الشرعية معتقلين سياسيين لدى جماعة الحوثي، بينما معتقلو الحوثي لدى الشرعية هم عسكريون، ولم تحدث أي اعتقالات مدنية في مناطق الشرعية لمدنيين ينتمون لجماعة الحوثي، والاتفاق يبدو ربما أنه يتم على أساس أن تطلق الحكومة الشرعية الأسرى الحوثيين من المقاتلين وبالمقابل تقوم جماعة الحوثي بإطلاق المعتقلين من جماعة الشرعية السياسيين وبينهم عسكريون، كما يقول برمان.

وبشأن جدية الأطراف بالتقدم بهذا الاتجاه، يقول برمان: "جماعة الحوثي تستخدم الملف للاستهلاك ورفع الحرج عنها، وهم ليسوا جاديين باعتبار أن كثيرا من صفقات تبادل الأسرى من قبل وسطاء، الحوثيون عرقلوها، وكشف برمان وهو متخصص بحقوق الإنسان لـ "الموقع بوست" عن عرقلة الحوثيين خلال الشهر الماضي لصفقة تبادل أسرى يصل عددهم ستون معتقلا، وتحديدا في نهاية رمضان.


التعليقات