في حي التوحيد بتعز.. قناصة يتعاقبون على اصطياد الأرواح (تقرير)
- تعز - خاص الإثنين, 11 مارس, 2019 - 08:34 مساءً
في حي التوحيد بتعز.. قناصة يتعاقبون على اصطياد الأرواح (تقرير)

[ تلة الصبري يتمركز فيها قناص لا يغادر المكان ]

تتوقف المعارك والمواجهات في تعز، ولكن القناصة لا يكادون يتوقفون يوما واحدا عن استهداف المدنيين، ومثلهم القذائف العشوائية التي لا تزال حتى اليوم تمطر تعز بالموت العشوائي.

 

على مدى أربع سنوات ظل القناصة التابعون لمليشيات الحوثي ولا يزالون يرتكبون أبشع الجرائم التي تطال الرجال والنساء والأطفال في تعز، ويتربصون بالشوراع والأماكن المفتوحة، ويمارسون القتل كل يوم.

 

تلك الحرب المستمرة من أعوام تسببت بجو من الرعب في شوارع تعز (ثالث أكبر مدينة في البلاد) والتي تشهد أكثر دمارا واستهدافا متواصل.

 

هنا في تعز وأنت تتحدث إلى الناس عن القناصة سيشرحون لك بشكل مؤلم، كيف يستهدف القناصة المواطنين العاديين، وكيف تنفجر الألغام تحت أرجل الأطفال، وكيف تتساقط القذائف من دون هوادة أو تمييز على مساكنهم.

 

قناص تلة الصبري

 

 "الموقع بوست" زار حي التوحيد بتعز، وتحدث إلى بعض الأهالي عن الواقع والمعاناة التي تواجهها تعز ويواجهها السكان، ولكنهم أكدوا أن كل المعاناة والمتمثلة بغياب الخدمات تهون أمام القلق والمخاوف من سقوط القذائف العشوائية على الحي، وأيضا مما يقوم به القناص المتمركز في تلة الصبري، وهي التلة التي تطل على الحي، وعلى شارع الأربعين، وتقع تحت سيطرة الحوثيين.

 

 كانت أم محمود واحدة من الذين تحدث إليهم "الموقع بوست" وأحد الذين نال منهم هذا القناص، وذلك باستهداف ولدها قبل شهرين، ليسقط قتيلا برصاصة قناص يختبئ في مكانه، وينتظر العابرون من سكان الحي ليزهق أرواحهم واحدا بعد الآخر.

 

القناصة استهدفوا العديد من الأبرياء

 

في حديثها مع "الموقع بوست" تقول أم قيس إنها كانت دائمة الإدراك بالخطر المحدق، وعلى مدى فترات طويلة اعتادت التنقل بين المنازل والاحتماء بالجدارن خلال تنقلاتها مع أطفالها في أرجاء الحي، الذي غادره البعض، وظل البعض الآخر فيه مجبرا.

 

وتقول إنها عندما سمعت الطلقة التي قتلت ابنها مطلع العام الجاري، كان الأوان قد فات، فالرصاصة اخترقت ظهر ولدها محمود البالغ من العمر تسعة أعوام وخرجت من صدره، وتذكر ان القناص ينتقم من المدنيين ومن سكان الحي، ولم يسلم منه حتى الكلاب.

 

وتضيف بنبرة ألم "القناص استهدف ابني، إلا أنه أصابني في قلبي". وزادت "أطلق النار على قلبي، وأشعر كأنني ميتة".

 

ولفتت أم محمود إلى أن ولدها ليس الضحية وحده، بل إنه قبل أيام استهدف القناص فتاة كانت تقوم بجلب الماء من الخزان القريب من الحي، وتؤكد "لا يمر يوم واحد أو يومان بدون قتل قنصا".

 

قناصة يتجددون

 

يقوم بإطلاق رصاصاته كل يوم إلى الحي، كلما رأى مسلحا مارا يقوم بالإطلاق فإما يستهدف المسلح أو مدنيا مارا بالقرب من المسلح.

 

هكذا قال محمد الشرعبي لـ"الموقع بوست"، مضيفا: "العبور في بعض الطرقات بهذا الحي أو تجاوز مربع الحي باتجاه الشارع الرئيسي يعتبر مغامرة خطيرة وكل من يقوم بها ينتهي به الأجل على يد هذا القناص".

 

"الموقع بوست" التقط صورا لموقع تلة الصبري، وللحي الذي يستهدف القناص فيه المدنيين كل يوم، وفي الصورة تظهر التلة وفيها مبنى صغير، وهو المبنى الذي يتمركز فيه القناص، والمكان تبدو عليه ملامح الحرب واضحة، وتبدو في الصور التقاطعات والأماكن التي يسقط فيها مدنيون برصاصات القناص كل يوم.

 

 

وحول ما إذا كانت المقاومة أو الجيش على علم بهذا الواقع وسعيهم لتخليص الناس من هذا الكابوس، يقول سمير سعيد إن "المقاومة قد تمكنت من قتل أكثر من خمسة قناصين توالوا على التلة، ولكن بمجرد قتل القناص تأتي المليشيات الحوثية بقناص جديد منذ بداية الحرب تقريبا".

 

قنص كل شيء

 

يمكن في بعض الأوقات معرفة إن كانت الإصابة ناتجة عن رصاصة قناص من مسارها في جسم الإنسان، بحسب ستاتيس ديفكوتا، الطبيب بمنظمة أطباء بلا حدود، والذي يعمل في تعز.

 

ويقول ديفكوتا في تصريحات سابقة له "نرى نساء وأطفالا مصابين بطلقات في العنق"، مضيفاً "لديهم جروح دخول في العنق وخروج من الظهر، وهو ما يشير إلى أنه أُطلق عليهم النار من أعلى".

 

ويضيف أن المدنيين ينقلون يوميا إلى المستشفيات وهم مصابون بطلقة نارية واحدة في الرأس والرقبة والصدر، مشيراً إلى أن القناصة في كل مكان وليسوا فقط على الأسطح.

 

ويردف بالقول: "الرصاصة قد تأتي من الأسفل، ومن الخلف، ومن كل مكان. هؤلاء الناس قد يكونون في أي مكان، وهم يطلقون النار على أي شيء يتحرك، النساء والأطفال وحتى الكلاب".

 

أماكن أخرى

 

يقول الصحفي أمين دبوان، وهو من وثق الكثير من الحالات، في حديثه لـ"الموقع بوست": "في تعز وبالنسبة لضحايا القنص من المدنيين برصاص مليشيات الحوثي، لا يزالون يأتون من مناطق شتي فمثلاً جنوبا بصبر الشقب يتمركز القناصة الحوثيون بتلة الصالحين ويقنصون المواطنين إلى وسط منطقة الشقب مناطق سكنية محررة تحت سيطرة الشرعية وفي المناطق الشرقية للمدينة أماكن عدة فمن الأمن المركزي يتمركز قناصة الحوثي ويصطادون النساء والأطفال إلى زيد الموشكي".

 

ويتابع "في تلة الصبري وتلة الجعشنى والسلال شرقيا يقنصون إلى المناطق السكنية في الجحملية وصالة، وفي المدينة غرباً بمنطقة غراب أيضاً هناك ضحايا مدنيون يسقطون بقناصة مليشيا الحوثي الذين يطلقون رصاصاتهم على المناطق السكنية هناك، وفي عصيفرة ضحايا أيضا حيث يتمركز الحوثيون شمالاً إلى جهة الخمسين ويقنصون المواطنين إلى جهة السوق ومحطة الكهرباء".

 

قناصات روسية مع الحوثيين

 

كثيرة هي التأكيدات على اعتماد مليشيات الحوثي على القناصة في الحرب، سواء في تعز أو غيرها من مناطق اليمن التي تخوض فيها المليشيات الحرب، حيث أظهرت وسائل إعلام المتمردين الحوثيين مؤخرا لقطات تظهر بندقية قنص من نوع OSV-96 عيار 12.7 ملم خلال هجمات على قوات التحالف السعودي في شمالي اليمن.

 

ونقل موقع "ديفينس بلوج"، وهو مدونة تهتم بالأخبار العسكرية حول العالم أنشئت في العام 2014م، أن بنادق قنص OSV-96 التي طورها مكتب شيبونوف لتصميم وصنع المعدات، كان من الممكن أن تكون جزءًا من عمليات التسليم المحدودة للأسلحة الروسية الحديثة إلى الجيش اليمني في منتصف العقد الأول من القرن الحالي.

 

 وبحسب تقرير الموقع، الذي ترجمه للعربية "الموقع بوست"، فإن بندقية قنص OSV-96 ، المعروفة باسم "فزلوم شيشك" أو "Vzlomshchik"، هي نظام بندقية قناص متطورة مصممة لتدمير وسائل الحماية الفردية والمركبات غير المدرعة والرادارات وأنظمة الصواريخ والمدفعية والطائرات على الأرض فضلا عن مراقبة الحدود والدفاع عن السواحل ضد السفن الصغيرة وتدمير الألغام البحرية.

 

ووفقًا لروسوبورون أكسبورت -المصدر للأسلحة الروسية- فإن البندقية قادرة على إشراك قوات المشاة على مسافة تصل إلى 1800 متر ويمكنها استهداف الأهداف المادية التي يصل مداها إلى 2500 متر.

 

وللإشارة، يتم استخدام بندقية قنص OSV-96 من قبل وزارة الدفاع الروسية ووزارة الداخلية وجهاز الأمن الفيدرالي.

 

 

الهدنات تتهاوى فوق رؤوس المدنيين

 

بعد أربع سنوات من الحرب، ما تزال تعز ساحة للانتقام، في أوقات الحرب وفي أوقات الهدنات التي كانت تتم ويتم الإعلان عنها، حتى آخر هدنة يفترض أنها تتم في الوقت الحاضر في الحديدة والساحل الغربي. لكن الشاهد هو أنه وعلى مدى سنوات الحرب وحتى اليوم، كان تم التوصل إلى عدة هدنات قصيرة الأمد بين الأطراف المتناحرة في اليمن، وعلى الرغم من أنها نجحت في بعض أجزاء من البلاد، إلا أنها كانت وما تزال حتى اليوم تجلب المزيد من العنف لتعز، بحسب سكان المدينة.

 

ويقول هشام سعيد في حديثه لـ"الموقع بوست": "جميعنا لاحظنا طوال فترة الحرب أنه حالما كان  يصبح وقف إطلاق النار ساريا أو يتم الإعلان عنه تأتي القذائف"، مضيفاً "قذائف من جميع الأنواع، مدافع الهاوتزر، وقذائف الهاون، وينشط القناصة من جديد وبشكل انتقامي". وتبقي تعز أكثر مناطق اليمن استهدافا وانتقاما، بل أكثر منطقة دفعت فاتورة الحرب وما تزال حتى يومنا هذا.


التعليقات