[ مواطنون منعتهم جماعة الحوثي في صنعاء من أداء شعار صلاة عيد الفطر المبارك ]
يحل العيد ثقيلاً على اليمنيين هذا العام في ظرف يعد الأكثر حرجًا منذ اندلاع الحرب مطلع 2015، فلا شيء ينبئ بالفرح وسط معاناة إنسانية هي الأسوأ في العالم، فاليمنيون في هذا العيد إما مشردين في المنافي أو قاطنين في مخيمات النزوح، كما هو الحال في حجة والحديدة، في حين يعاني الباقون منهم -في كافة المحافظات- من إحباط نفسي، وشح مادي، ومعيشة يومية صعبة وسط قصف التحالف وبطش المليشيات.
ورغم فداحة المشهد، فقد ظل العيد دومًا مناسبة توحد اليمنيين على مستوى الوعي والشعور، رغم الخصومات والصراع والمعاناة، لكنه غدا اليوم أداة تفرقة بيد أطراف الصراع.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة اليمنية الشرعية أن عيد الفطر يوافق يوم الثلاثاء؛ أعلن الحوثيون أن الثلاثاء تتمة لشهر رمضان، وأرجؤوا العيد إلى يوم الأربعاء.
وضاعف هذا التقاطع من معاناة الناس، وجعلهم في حيرة من أمرهم، سيما في محافظتي تعز والضالع اللتين حضرت فيهما طقوس العيد ومظاهر رمضان جنباً إلى جنب.
ويرى الكثيرون أن هذا التناقض يعزز حالة الانقسام في المجتمع، ويصف آخرون مشهد العيد هذا العام بأنه الأسوأ منذ اندلاع الحرب في اليمن.
توظيف للمناسبات الدينية
في السياق، يعلق الصحفي عامر السامعي قائلاً: "في الوقت الذي يحتفل فيه الناس بالعيد هنا وسط مدينة تعز، يصوم آخرون في الشق الآخر من نفس المحافظة"، ويقول إن هذا الشيء مؤلم بقدر طرافته.
ويرى أن الحوثيين أفسدوا العيد على الناس هذا العام، منوهاً إلى أن قرارهم في إعلان يوم الأربعاء كأول أيام عيد الفطر يأتي في سياق المكايدات السياسية، وهي محاولة مبتذلة لتسجيل موقف سياسي مناوئ للسعودية وللحكومة اليمنية الشرعية.
ويشير السامعي إلى أن قرار الحوثيين توظيف خطير للمناسبات الدينية، وإقحامها في ميدان السياسة، ومن شأن هذا أن يعزز الانقسام داخل المجتمع اليمني.
يتابع حديثه: "لا ملامح جديدة للعيد في تعز عدا هذه التباينات التي شطرت المحافظة إلى فئتين، فاستعدادات الناس ضئيلة هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة".
بهجة مفقودة
من ناحيته يقول الكاتب عبد الله شروح: "لا عيد اليوم في مأرب كما لن لن يكون غداً في صنعاء"، في إشارة إلى ظرف الحرب الذي أغرق جميع اليمنيين في المأساة، ولم يعودوا قادرين على الفرح، حتى غدا العيد مناسبة منعدمة القيمة.
يصف شٙروح -وهو روائي مقيم في مأرب- يوم العيد بالقول: "هو يوم أنكى حتى من كونه يومًا عاديًا، ذلك أن توصيف العيد يدفع اليمني لتلمّس ما إذا كان يحوي مسرّة ما، وهو إذ يتلمسها لن تتكشف له سوى أحزان خمس سنوات مضت".
أسعار باهضة
لا يختلف الوضع في صنعاء كثيرًا عن بقية المحافظات، فإقبال الناس على التسوق ضئيل مقارنة بالأعوام السابقة، بسبب ارتفاع أسعار الملابس إلى الضعف عما كانت عليه قبل عام.
يسرد عدنان مُحرّم كيف أنه تفاجأ حين وجد كاشير إحدى المحلات بشارع هائل وسط صنعاء، يطلب منه 30 ألف ريال لقاء ثلاث بدلات لأطفال صغار، لم يكن سعرها يتجاوز الـ15 ألف ريال قبل عام.
يفيد مُحرّم، وهو موظف حكومي بصنعاء، وأب لخمسة أبناء، بأنه اكتفى بشراء الملابس لثلاثة من أولاده فقط، وهم الصغار، في حين كان يعتقد أنه يستطيع توفير ملابس العيد لكافة أبنائه بـ30 ألفا، وهو المبلغ الذي استطاع توفيره لهذا الغرض.
تسلٙم مُحرّم نصف راتب من حكومة صنعاء، لكنه يقول إن المبلغ لا يساوي الكثير في ظل الزيادة الباهضة لأسعار الملابس والمنتجات هذا العام. ويوضح أن الأمر لا يتوقف على الملابس فحسب، فقد طالت الزيادة كافة المنتجات الخاصة بالعيد، سيما الزبيب والفستق، حيث بلغت الزيادة فيهما ضعفي سعرهما قبل عام بحسب أحمد عزيز، عامل في أحد المولات التجارية بصنعاء.
استعدادات أقل
وقد تسببت موجة الغلاء هذه بعزوف الكثير من الناس عن الإقبال على الشراء هذا العام، وشهدت الأسواق اليمنية انخفاضًا كبيرًا في نسبة التسوق بحسب إفادات مصادر تجارية في صنعاء وتعز.
وحول أسباب هذه الزيادة السعرية الباهضة، يوضح وهبان عامر (مالك لمتجر ملابس في صنعاء) أن التُجار لا يملكون حيلة لمشكلة ارتفاع الأسعار، فهم يستوردون البضائع بالدولار. وهو يرى أن المشكلة في فارق الصرف بين الدولار والريال اليمني الذي انخفض سعره بسبب الحرب التي تعصف باليمن.
لكنه يجد أن هذه الزيادة مُبٙررة بسبب انهيار العملة المحلية، إضافة إلى ازدواجية التعامل الضريبي، إذ يدفع بعض التجار المستحقات الضريبية لحكومتي عدن وصنعاء معاً، مع الأخذ في الاعتبار مشقات النقل والعبور بين المحافظات اليمنية في وطن يشهد موجهات وقتال، وهذا يجعل الكلفة التجارية عالية، حد وصفه.
طقوس مفقودة
من زاوية أخرى، يعاني اليمنيون اليوم من صعوبات في التنقل بين المحافظات، في وقت يغدو فيه السفر احتياجا وضرورة للكثير من الناس، سيما الذين يريدون قضاء مناسبة العيد وسط عائلاتهم البعيدة، بيد أن السفر غدا خيارا مليئا بالصعوبات بسبب تداعيات الحرب.
أما طقوس العيد في المجتمع اليمني فلم يتبق منها إلا القليل، فقد تلاشت معظم مظاهر الاحتفاء التي عُرفت في السابق، كالرحلات التي كانت تنظم إلى الأماكن السياحية، إضافة إلى الزيارات التي كانت تقوم بها الأسر إلى المحافظات البعيدة، وقد غدت اليوم شبه مستحيلة بسبب تدهور الأوضاع المعيشية للناس، إضافة إلى انعدام مساحة الأمان في التنقل والسفر.
شتات
إضافة إلى ذلك، فقد أُهملت المُنتزهات والحدائق وسط المدن اليمنية، والتي كانت تشكل ملاذات لطيفة للسكان خصوصاً في المناسبات، مع غياب كل هذا تحول العيد إلى مساحة ضئيلة ومكتضة بالألم بحسب تعبير الصحفي محفوظ الشامي.
يقول الشامي إن الحرب جعلت اليمنيين يتشاءمون من الأعياد التي كانوا ينتظرونها بشغف في الماضي، وهذا بحسب رأيه تحوّل أفرزته تداعيات هذه الحرب التي كلفت الناس الكثير.
ويوضح الشامي أن العيد هذا العام جاء ليعزز حالة الشتات والتشظي في المجتمع، وهو يكشف كم بُتنا ضعفاء ومكشوفين أمام أنفسنا والعالم، يا لها من مأساة، يقول الشامي في ختام حديثه.