باخرة صافر.. قنبلة موقوتة توشك على الانفجار في البحر الأحمر (فيديو)
- سحر محمد الثلاثاء, 15 أكتوبر, 2019 - 05:53 مساءً
باخرة صافر.. قنبلة موقوتة توشك على الانفجار في البحر الأحمر (فيديو)

[ تحذيرات من خزان صافر العائم في ميناء رأس عيسى بالبحر الأحمر ]

بحمولة تتجاوز المليون برميل من النفط الخام، تقف باخرة صافر في ميناء رأس عيسى في البحر الأحمر وعلى بعد حوالي خمسة أميال من السواحل اليمنية لتتحول من مخزن عائم للنفط إلى قنبلة عائمة تنذر بكارثة بيئية وإنسانية قد تكون الأسوأ على مدى التاريخ.

 

الباخرة التي تم إحضارها من قبل شركة النفط اليمنية قبل حوالي ثلاثين عاما كانت تعمل كمحطة تصدير مؤقتة للنفط الخام، ولكن ظروف الحرب أدت إلى توقف عمل الشركة مخلفة وراءها باخرة صافر والتي تتعرض للتآكل واحتمال الانفجار في أي لحظة بسبب غياب الصيانة وخروجها عن العمل لما يزيد عن أربع سنوات.

 

وما يزيد الأمر سوءا أنها تقع في منطقة صراع قد تؤدي النزاعات المسلحة إلى إشعال متعمد للباخرة.

 

فالنفط الخام بطبيعته خامل ولا يشكل خطورة أو حتى يعد سببا للانفجار أو الاشتعال، ولكن الخطر يأتي بسبب التأكسد الذي يتسبب به الهواء الذي يشغل المساحة الفارغة في خزانات تخزين الباخرة والتي تستوعب حوالي ثلاثة ملايين برميل من النفط، فجزيئات النفط في السطح معرضة للتفكك وإعادة الاتحاد مع جزيئات الهواء في الخزان، ومع مرور الوقت يتصاعد خطر هذا التفاعل الكيميائي والذي يؤدي إلى نشوب حريق وانفجار في نهاية المطاف.

 

وللتقليل من خطر هذا الاشتعال، فإن من الضرورة بمكان إبقاء نسبة الأوكسجين في الخزان دون 11% عن طريق حقن الخزان بالغاز الخامل للمحافظة على تركيز منخفض من الأوكسجين، ولنا أن نتخيل خطر حدوث الانفجار في أي لحظة في باخرة بعيدة عن الصيانة لمدة تزيد عن أربع سنوات مما يجعلها قنبلة فعلية.

 

 

يقول الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الواحد العوبلي في حديثه لـ"الموقع بوست"  إن "عمر باخرة صافر يزيد عن 44 عاما وهي في الخدمة لما يقارب الثلاثين عاما، فالباخرة عمليا خرجت عن الخدمة لما يزيد عن عشر سنوات"، فالوضع المتهالك للباخرة أدى إلى سقوط أحد الأجزاء المتآكلة فيها في مطلع العام، ولحسن الحظ لم تسقط على الأنابيب التي تغذي الباخرة والتي تحوي ما يزيد عن عشرين ألف برميل وإلا حينها سيكون الوضع كارثيا.

 

كما أن وجود الباخرة وسط البحر وفي مدينة حارة كالحديدة يجعلها معرضة أكثر للرطوبة والتآكل ويجعل خطر تصدعها وتسرب النفط الخام أمرا شبه حتمي إذا ما ظل الأمر على ما هو عليه دون تدخل دولي وإقليمي للحيلولة دون وقوع الكارثة.

 

يتحدث الدكتور خالد النجار رئيس مركز البيئة وتنمية المجتمع في جامعه تعز في حديثه لـ"الموقع بوست" قائلا: "هناك ملوثات عدة قد تصيب البيئة ولكن التلوث البحري يعد أصعبها نتيجة صعوبة السيطرة على انتشار البقع النفطية".

 

من الصعوبة بمكان التنبؤ بكيفية انتشار البقع النفطية في حال حدوث التسرب حتى مع أعقد البرامج الحاسوبية يظل من المستحيل التنبؤ بكيفية تصرف البقعة النفطية".

 

يضيف الدكتور النجار: "حركة المد والجزر وحركة الرياح إلى جانب درجة الحرارة إلى جانب طبيعة ونوع النفط في حد ذاته والموقع الجغرافي الذي يحدث فيه التسرب كلها عوامل تتحكم بحركة وسرعة انتشار البقع النفطية".

 

اقرأ أيضا: صافر.. خزان نفط عائم ينذر بكارثة بحرية واسعة في الحديدة (انفوجرافيك خاص)

 

فمنطقة البحر الأحمر التي ترسو فيها باخرة صافر تعد منطقة شبه مغلقة، ومن المتوقع أن تنتشر البقعة النفطية لتغطي كافة أنحاء البحر الأحمر وصولا إلى قناة السويس شمالا، وقد تصل إلى سواحل بعض الدول المجاورة منها السعودية والسودان وأرتيريا، مما يجعل الكارثة تتعدى الحدود الإقليمية للمياه اليمنية لتصيب دولا مجاورة.

 

بغض النظر عن السيناريوهات المحتملة­ لانتشار البقعة النفطية، إلا أنه تبقى هناك كارثة حتمية ومتضرر مباشر ألا وهي البيئة البحرية والتنوع الحيوي، فالنفط يشكل طبقة عازلة على سطح البحر تؤثر سلبيا على الأحياء البحرية من أسماك ومحار وشعب مرجانية وربيان وغابات المنجروف وغيرها من النباتات وأشكال الحياة البحرية في بيئة البحر الأحمر، فالكثير منها ستموت بشكل مباشر، وعلى المدى البعيد سيحصل تراكم للسمية، فاليرقات والكائنات الحية الدقيقة تتراكم السموم في أنسجتها وتعد مصدر غذاء للأسماك الكبيرة وهكذا إلى أن تصل إلى جسم الإنسان عند تناولها، مسببة أمراضا مزمنة من فشل كلوي وسرطانات نتيجة تركز السمية في الكبد والأنسجة الدهنية.

 

الشعب المرجانية هي الأخرى معرضة إلى خطر الدمار في حال حدوث التسرب، ونظرا لحساسيتها والتي لا تعد ثروة سياحية وجمالية فقط وإنما طبية واعدة لما تحتويه من مركبات كيمائية فريدة.

 

كما أن خبراء المناخ والتغير المناخي يعتبرونها مفتاحا لبقاء الشعب المرجانية ودمارها يعني تهديدا للشعب المرجانية على مستوى العالم، نظرا لصمودها النوعي أمام ارتفاع درجة الحرارة.

 

الكارثة الاقتصادية هي الأخرى خطر محدق يهدد حياة ومصدر عيش الكثير من الصيادين في الحديدة ومناطق اليمن الساحلية، إلى جانب الضرر السلبي الذي قد يصيب السياحة في المناطق الساحلية، وعلى المستوى العالمي هناك أثر سلبي على حركة السفن الدولية.

 

يصرح العوبلي بقوله: "إن 10% إلى 15% من حركة الملاحة الدولية تمر عبر مضيق باب المندب، وحدوث مثل هذه الكارثة قد يعيق ويؤخر حركة السفن الدولية نتيجة للانشغال بالتنظيف والسيطرة على البقع النفطية".

 

فاليمن البلد المتهالك اقتصاديا والمنقسم سياسيا والذي صنف على أنه من أسوأ الكوارث الإنسانية قد يكون على موعد مع كارثة إنسانية مضاعفة في حال حدوث التسرب، فأكثر من نصف السكان يعتمدون على المساعدات الإنسانية التي تتدفق عبر موانئ الحديدة والتي في حال توقفها قد يتضاعف شبح المجاعة.

 

كما أن محطات التحلية هي الأخرى تقع تحت تهديد التلوث في حال وصول النفط إليها، مما ينذر بكارثة إنسانية من الصعب تداركها.

 

تختلف مخاطر التلوث في كثير من الأحيان على طبيعة النفط نفسه، فالنفط الخام المتواجد في بطن باخرة صافر يعرف Marib Light وهو ذو كثافة منخفضة وتقلب عالٍ ولزوجة تقارب لزوجة مادة الديزل، فمن المتوقع أن يتبخر ثلثي الكمية المنسكبة في غضون أيام عند حدوث التسرب، فالغازات المتطايرة والمتبخرة للهواء من المتوقع أن تحدث أضرارا جسيمة على صحة الجهاز التنفسي في المناطق القريبة، أما في حالة انفجار الباخرة واحتراقها فمن المتوقع أن تزيد هذه الكارثة وكغيرها من حوادث احتراق الناقلات من ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة التصاعد الكثيف لأكاسيد الكربون إلى الغلاف الجوي.

 

في حال حصول هذه الكارثة التي لن تقف عند الحدود الإقليمية لليمن فحسب، بل ستتعداها إلى البلدان المجاورة والمجتمع الدولي، وسيتبعها عواقب وخيمة على المدى الطويل والقصير.

 

ومن المتوقع أن تفوق في كارثيتها حادثة تسرب أكسون فالديز الشهيرة، التي كانت قبل ما يقرب من ثلاثين عاما و لا زالت ترصد الأبحاث آثارها السلبية على البيئة إلى الآن.

 

إفراغ هذه الباخرة من حمولتها وعمل الصيانة اللازمة لها هي من الحلول الفورية واللازمة لتفادي حصول هذه الكارثة، ولكن الاضطرابات السياسية في اليمن أعاقت عمل الفرق الدولية لإنقاذ الباخرة.

 

قياس حجم الكارثة البيئية والتكلفة الاقتصادية التي ستتحملها اليمن لتنظيف البقع النفطية حال تسربها يجب أن يكون نصب عين القوى المسيطرة على الباخرة، ويجب ممارسة ضغط دولي وشعبي لتمكين الفرق المختصة من تفريغ حمولة الباخرة.

 

هذه الحوادث وغيرها هي أكبر شاهد لما تحدثه مشاريع الوقود الأحفوري من أضرار جسيمة وكارثية على الإنسان أولا وعلى البيئة البحرية والغلاف الجوي والتغير المناخي، كل هذا يضع اليمن وكل دول العالم أمام خيار انتهاج سياسة الأمن الطافي والاتجاه بجدية نحو مشاريع الطاقة النظيفة والمستدامة.

 

*المصادر:

https://www.atlanticcouncil.org/blogs/energysource/gaming-out-the-disaster-what-could-go-wrong-with-the-fso-safer/?fbclid=IwAR1emr70fm9YgqCELSDpG-Yr6_vZrbtRBA_XwQsWtIkImi3-kBw76FcXDqQ

 

https://sciencing.com/oil-spill-affect-environment-4616883.html


التعليقات