إحداهن خسرت جنينها.. نساء يفقدن أطرافهن نتيجة الألغام في مأرب (تقرير)
- مأرب ـ محمد حفيظ السبت, 13 يونيو, 2020 - 04:26 مساءً
إحداهن خسرت جنينها.. نساء يفقدن أطرافهن نتيجة الألغام في مأرب (تقرير)

[ الأم جمعة التي فقدت جنينها وقدمها بانفجار لغم زرعته جماعة الحوثي بمأرب ]

قتلت كاتبة وهي لا تزال جنيناً في رحم أمها بلغم زرعته جماعة الحوثي في فناء منزل الأم جمعة بمنطقة الجدعان بمديرية مجزر شمال مدينة مأرب، أودى بحياة الجنين وتسبب في بتر قدم الأم.

 

وحصدت الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي في محافظة مأرب خلال الأعوام الماضية المئات من المدنيين بينهم نساء وأطفال.

 

"كنت أنوي تسميتها كاتبة" تقول الأم جمعة المعاقة بسبب ذلك اللغم، وكان من المفترض أن تنظم كاتبة إلى سبعة من إخوانها ضمن عائلة جمعة.

 

وباتت الأم جمعة همدان (40 عاما) لا تقوى على المشي إلا باستخدام عكازات بسبب إعاقتها نتيجة اللغم الذي تسبب في بتر قدمها اليسرى من أعلى الركبة، والذي زرعته جماعة الحوثي في فناء منزلها في منطقة الجدعان بمديرية مجزر شمال مدينة مأرب قبل سنوات.

 

"فقدت قدمي وطفلتي وأصبحت معاقة في يوم واحد وباتت حياتي اليومية صعبة بعد أن حلت عليّ المصائب مجتمعة"، تحدثت جمعة بتلك الكلمات والدمع يطفح في مقلتيها.

 

حياة مهدورة

 

كانت جمعة تقوم على شؤون منزلها والمزارع التي تملكها أسرتها، بينما أضحت اليوم عاجزة عن ممارسة أي نشاط، حيث تقول: "بت الآن مقعدة بشكل دائم ولا أستطيع المشي إلا على العكازات لمسافات قليلة".

 

تبدو الأم جمعة حزينة على خسارة طفلتها أكثر من ألمها على فقد قدمها، بيد أن فقدان قدمها أفقدها القدرة على ممارسة نشاطات الحياة لا سيما بعد تقدمها في السن وإصابتها بالوهن، الأمر الذي يضعها مباشرة أمام مصاعب لا حصر لها.

 

الأم جمعة التي فقدت جنينها وقدمها بانفجار لغم زرعته جماعة الحوثي

 

وتتمنى الأم جمعة لو كانت هي التي توفيت وليس جنينها، خصوصاً وقد أصبحت على هذه الحال معاقة وتنتظر المساعدة من الآخرين.

 

وبحسب جمعة فإن طفلتها قضت بسبب شظايا اللغم الذي انفجر بها، إحدى الشظايا أصابت بطن الجنين وقتلتها قبل موعد ولادتها بثلاثة أشهر.

 

تقول الأم إن اللغم انفجر بها قبل عام، حيث كانت تقوم بجمع الحطب من فناء المنزل الذي كان نصفه مهدما بسبب الحرب التي دارت رحاها بين الجيش ومقاتلي الحوثي في مديرية مجزر قبل نحو ثلاث سنوات.

 

وتضيف: "حين شاهدت الألغام مكشوفة ابتعدت عنها وذهبت نحو الجهة الأخرى من الطريق الخالية من الألغام المكشوفة قبل أن ينفجر بها لغم مطمور تحت التراب لحظات ابتعادها من الخطر".

 

فقدت الأم جمعة الوعي عقب انفجار اللغم بها ولم تعِ مصيرها بعد ذلك إلا وقدمها مبتورة.

 

 

تؤكد جمعة في حديث لـ"الموقع بوست" أنها كانت حامل في الشهر السادس بطفلة خرجت ميتة بعد انفجار اللغم بها، ذلك أن الأطباء أقروا عملية لإخراج الطفلة بعد ساعات من إسعاف الأم إلى أحد مستشفيات مدينة مأرب، بيد أن الطفلة خرجت قبل إجراء العملية.

 

لم تتوقف القصة عند هذا الحد، ذلك أن اللغم كان قد تسسب -إلى جانب وفاة الجنين وبتر قدم الأم جمعة- بخمسة كسور في القدم اليمنى للأم، وغدا هذا الحال هو المصير الذي آلت إليه امرأة عجوز في إحدى ضواحي مديرية مجزر بمأرب.

 

وبحسب جمعة فإن اللغم الذي انفجر بها زرعته جماعة الحوثي لاستهداف النساء والأطفال لأن مقاتلي الجماعة هم من كانوا داخل القرية قبل أن يدحرهم الجيش الوطني منها قبل سنوات.

 

فصول مختلفة للمأساة

 

تتوافق قصة الأم راوية سومان (45 عاما) مع قصة جمعة في بعض فصولها، بيد أن المأساة واحدة، فالأم راوية أصيبت بلغم آخر في ذات المنطقة "الجدعان"، وتختلف عن قصة الأم جمعة في أن الأخيرة فقت جنينها بينما فقدت راوية ولدها الذي كان بجوارها حين انفجر اللغم.

 

تقول راوية إنها داست على لغم كان مطموراً على بعد أمتار من باب منزلها، حدث الأمر خلال ذهابها لجلب أغنامها من الضواحي القريبة من منزلها.

 

وتضيف: "انفجر اللغم فأحسست فجأة وأنا أهوي في الأعلى فحاولت أن أتمسك بغصن شجرة بيد أنها كانت محاولة يائسة".

 

وتؤكد راوية سومان أن قدمها بترت من الركبة نتيجة الانفجار"، ولم يهب الناس لنجدتها إلا وقد انفلصت قدمها من جسدها.

 

وتوضح سومان بالقول: "بعد الانفجار اتكأت على نصف قدمي المبتورة وظللت مكاني ممسكة بما تبقى من قدمي المبتورة لمحاولة سد النزيف الذي لم يتوقف".

 

راوية سومان

 

تشير راوية إلى أن ملابسها كانت قد أحترقت نتيجة الانفجار، وظلت في المكان حتى أتى زوجها لإنقاذها بعد مرور دقائق من الحادثة.

 

عبوة ناسفة أخرى كانت منصوبة على أحد الجدران في ذات المكان أودت بولدها الأكبر في الوقت الذي هب فيه لنجدتها في مكان الحادث.

 

تبحث راوية اليوم عن طرف صناعي يساعدها على المشي وحمل نفسها فيما تبقى من عمرها، لكنها لم تحصل عليه حتى اليوم. تطالب سومان السلطات المعنية بإزالة الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي في بعض مناطق البلاد خصوصاً الآهلة بالسكان.

 

وحصدت الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي في مأرب المئات من المدنيين بينهم النساء والأطفال إضافة إلى الأنعام.

 

النساء الأكثر تضرراً

 

يرى رئيس منظمة "حماية" بمأرب علي التام، أن المرأة في مأرب كانت ولا تزال المتضرر الأكبر من الألغام التي زرعتها جماعة الحوثي، حيث حصدت الألغام العديد من النسوة في المزارع والحقول والأودية والمنازل والطرق، وسقطت نساء كثيرات قتيلات ومعاقات نتيجة تلك الألغام.

 

 

وأوضح الناشط الحقوقي التام أن الألغام أحالت تلك النسوة إلى فئة ذوي الاحتياجات الخاصة بعد أن كانت لهن حياة كاملة وطبيعية.

 

غياب المنظمات

 

يؤكد رئيس منظمة "حماية" أن المنظمات الدولية والمحلية لا تنشط لمساعدة المعاقات نتيجة الألغام. وبحسب التام فإن عدد ضحايا الألغام من النساء والأطفال في اليمن مرشح للزيادة طالما أن الحرب لا تزال مستمرة، في حين تواصل جماعة الحوثي زراعة الألغام كأحد وسائل الحرب التي تتبعها ضد اليمنيين.

 

وأوضح أن المديريات الشمالية والشمالية الغربية من محافظة مأرب لا تزال مليئة بالألغام ولم يتم تطهيرها حتى اليوم.

 

وأكد التام أن السلطات لم تعلن حتى اليوم خلو أي منطقة في مأرب من الألغام لكي تعود الأسر النازحة إلى منازلها ومزارعها، مشيراً إلى وجود قصور وانعدام مسؤولية تجاه المواطنين النازحين الذين لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم بسبب الألغام.

 

إحصائيات

 

وذكر تقرير مكتب حقوق الإنسان بمأرب أن نحو 430 قتيلا سقطوا بسبب الألغام في محافظة مأرب خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بينهم 60 امرأة.

 

وبحسب التقرير، فقد تسببت الألغام بإصابة 1075 مدنيا بينهم 131 امرأة بينهن 43 امرأة معاقة بإعاقة دائمة بسبب الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها جماعة الحوثي في مأرب.


التعليقات