مطبات شوارع مأرب.. شرايين حياة لمئات الأسر الفقيرة (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ الاربعاء, 22 يوليو, 2020 - 08:40 مساءً
مطبات شوارع مأرب.. شرايين حياة لمئات الأسر الفقيرة (تقرير)

[ معاناة ومخاطر يواجهها أطفال يوفرون لقمة عيش أسرهم على شوارع مدينة مأرب ]

"مصائب قوم عند قوم فوائد".. في شوارع مدينة مأرب، تعود المطبات المتزاحمة والحُفر بفوائد لأناس لا مكان لهم سواها، نساء وأطفال ورجال ومن مختلف محافظات البلاد في خليط اجتماعي جمعهم الفقر في بيت واسع اسمه مأرب حاضنة الفارين من لهيب الحرب.

 

"قوارير المياه والمناديل" كل ما يستهلكه المواطن في مدينة مأرب في طقسها الحار الشديد، التي يرتص الأطفال لبيعها على طول الطرق وعرضها "برّد برّد، ماء بارد، مسح عرقك فاين ناعم (مناديل)"، كلمات يصرخ بها الأطفال لاستعطاف وإغراء المارة للشراء.

 

ينسى الطفل ربيع سعيد (12 عاما)  من يسقيه ويروي ظمأه، يرتدي كوفية على رأسه الصغير تغطي وجهه من حرارة الشمس الحارقة حاملا بين يديه قوارير المياه المعدنية وسط الطريق على ذلك المطب ليرفع من طول قامته الصغيرة حتى بالكاد يرى السائق المار سفح رأسه مناديا بصوته النقي "ماء بارد، تشي ماء"، محاولا بيع أكبر كمية من قوارير المياه المتراصة بجانبه على الطريق.

 

 

ينطلق مسرعا مبتسما ببراءة عند سماعه طلب الماء من إحدى المركبات المارة ليبيعه حبة ماء بمبلغ 100 ريال لكن قد يحصل الطفل على مبلغ إضافي مما تبقى من قيمة الحبة الماء كصدقة للطفل.

 

ورغم المخاطر التي يواجهها الأطفال والباعة في الشوارع من المركبات والحوادث المرورية وتعرضهم للسرقة، وتلف بعض سلعهم بسبب دهسها من قبل المركبات وغيرها، وإتلاف بعضها بسبب حرارة الشمس، إلا أن تلك المخاطر لا تقارن بمخاطر الجوع والفقر الشديد الذي يحيط بالأسر النازحة في محافظة مأرب التي ازدحمت المطبات بمعيليها على الطرق المختلفة بين باعة ومتسولين.

 

اختار ربيع مطبا كبيرا وسط شارع صنعاء حيث يعمل على بيع قوارير المياه الباردة للمارة. يقول ربيع لـ"الموقع بوست" إنه يعمل في هذه المهنة منذ عام تقريبا وذلك لمساعدة والده في توفير لقمة العيش لأسرته القابعة في مخيم الجفينة للنازحين، حيث إن والده العامل في البناء قد توقف عن العمل بسبب توقف البناء في مأرب الذي توقف بفعل الأحداث والمواجهات والمعارك الدائرة بالقرب من المدينة.

 

 

يضيف ربيع أنه في اليوم الواحد بعد أن ازدهرت تجارته إثر الحر الشديد يبيع نحو 12 كرتونا في اليوم الواحد، القارورة الواحدة بـ100 ريال رابحا بعد كل كرتون 200 ريال.

 

وأشار إلى أن له إخوة آخرين يعملون في ذات الشارع ولكن في مطبات متتالية في بيع المياه المعدنية أيضا وذلك لما تحتاجه المرحلة وتفرضه ظروف المعيشة القاسية وغلاء أسعار المواد الأساسية الذي بات يخيم على البلاد.

 

ولفت ربيع إلى أن المخاطر التي يتعرض لها في الشارع كثيرة، منها الاصطدام من قبل المركبات بينما تتعرض كراتين الماء بشكل مستمر للدهس من المركبات خاص الأطقم العسكرية التي تفر بعد فعلتها دون تعويضه بدل التي أتلفت من قوارير المياه، حد وصفه.

 

 

خرج ربيع من الصف السادس الأساسي لكن والده استغل فراغ الأطفال وتوقفهم عن التعليم في إخراجهم لجلب حاجات المنزل ومتطلبات الأسرة، والتي باتت حملا ثقيلا على الأسر الفقيرة والمعوزة في ظل توقف صرف رواتب موظفي البلاد وأفراد الجيش والتي جاءت مصاحبة لارتفاع أسعار أساسيات الحياة والمعيشة اليومية.

 

وانتشرت ظاهرة الأطفال كباعة متجولين للمياه وغيرها في شوارع مدينة مأرب بشكل كبير، حتى يكاد لا يخلو مطب وما أكثرها في هذه المدينة من طفل بائع للمياه أو متسول أو أداة تسول.

 

لكن الفاقة وحدها هي التي أجبرت الآباء على اتخاذ قرار كهذا وأجبرت الأطفال على العمل أو مد يدهم لصدقة يلقيها أو يتركها لهم أحد المارة، كل ذلك دون تدخل جهة معنية أو منظمة إنسانية لمحاولة توفير معيشة تليق بجيل صاعد منشغل بكيفية توفير لقمة عيشه وأسرته.

 

 

وفي السياق، قال عمار زعبل المسؤول الإعلامي لبرنامج إعادة تأهيل الأطفال المتضررين من الحرب إن "هذا المشهد لا يكاد يُرى إلا في اليمن، أو الدول التي تشهد حروبا وصراعات، بأن ما يعرف بالمطبات، أو تقاطعات الشوارع والجولات، يكون محل تجمع للأطفال، ممن لفظتهم الحرب وأثرت على أسرهم اقتصاديا".

 

 وأضاف زعبل في حديثه لـ"الموقع بوست" أن هؤلاء الأطفال هم ضريبة الحروب، لذا يلجؤون إلى هذه الأماكن إما للاستجداء وطلب المال لما يسد جوعهم، وجوع أسرهم، وإما لبيع الأشياء البسيطة، التي قد تدر لهم دخلا بسيطا.

 

وتابع "هؤلاء الأطفال معرضون لمخاطر كثيرة منها الموت تحت عجلات السيارات، وحالات دهس كثيرة حدثت لأطفال، وإما لانتهاكات أخرى، يسهل اختطافهم واستخدامهم لأغراض كثيرة".

 

 

ويتعرض الأطفال لأمراض شتى بسبب وقوفهم تحت أشعة الشمس وللتقلبات الجوية الأخرى، إنهم يواجهون حياتهم بصعوبة،  يحدث كل ذلك دون أي تحرك لإنقاذهم وانتشالهم من الحالة المزرية التي يعيشونها، وسط غياب شبه تام من قبل المنظمات، التي لا تأبه لهم كثيرا.

 

قضايا الأطفال كثيرة ومؤرقة للعمل الإنساني، وزادت في فترة الحرب، مما يحتاج الالتفات الأكثر لهذه الشريحة وهي دعوة للمنظمات الدولية العاملة في مجال الطفولة وحقوق الإنسان أن تكثف من برامجها باستهداف هذه الشريحة المهمة.


التعليقات