في اليوم العالمي للصحة النفسية.. الحرب تضاعف الأمراض النفسية باليمن (تقرير)
- خاص السبت, 10 أكتوبر, 2020 - 10:20 مساءً
في اليوم العالمي للصحة النفسية.. الحرب تضاعف الأمراض النفسية باليمن (تقرير)

[ شاب يمني يقف على ركام منزله بعد أن دمرته غارة جوية للتحالف العربي ]

أدت الحرب في اليمن ليس إلى قتل وجرح آلاف المواطنين فحسب، بل إلى إصابة المئات منهم أيضا بالأمراض النفسية المختلفة التي قادت العشرات منهم إلى الانتحار.

 

وبرغم ذلك، تفتقر اليمن للمراكز المتخصصة التي تقدم الدعم النفسي والعلاج المطلوب للمرضى، إذ تشير بعض الإحصائيات إلى وجود 40 طبيبا نفسيا فقط في البلاد.

 

وتدهور الوضع بشكل كبير في مجال الصحة النفسية خلال فترة الحرب، وتم إغلاق مراكز صحية متخصصة، وأصبح الكثير منها -إن وجد- يفتقر للخدمات المطلوبة.

 

ثقافة العيب

 

وتبدو تلك الإحصائيات المُعلنة بعيدة كثيرا عن الواقع، ففي اليمن لا ينظر العديدون للاكتئاب الذي يمرون به مهما كانت درجاته على أنه مرض بحاجة للعلاج، ولهذا فلا يذهبون إلى المختصين.

 

ويُلاحظ أن الذين يذهبون إلى الأطباء المختصين بالصحة النفسية، هم الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة في مرضهم وبدؤوا بالدخول في الهلوسة والاكتئاب الحاد، وأغلبهم لا يفصح أهلهم عن وضع المريض، بسبب ثقافة العيب، وخوفهم من وصمه بـ"مجنون" أو "مريض نفسي".

 

وعي الأهل

 

قبل نحو عامين، أصيب محمد عبد الواسع باكتئاب حاد، وقام بعزل نفسه عن أصدقائه، وبدأ بالانقطاع عن عمله الذي كان بعيدا عن أهله، ويضطر أن يغيب عنهم لأسبوعين غالبا أو لشهر.

 

كما تذكر زوجته مها، فحين لاحظ زملاؤه في العمل تغير تصرفاته، اتصلوا بأخيه، وأخبروه عن وضعه، وأعطته الشركة التي يعمل بها إجازة، وسرعان ما أخذوه إلى طبيب نفسي ليشخص حالته.

 

تقول مها لـ"الموقع بوست": "كنا نسمع أن المرضى النفسيين في بداية معاناتهم يكون علاجهم سهلا، ولا يصبح ملازما لهم طوال حياتهم، فحرصنا على عرضه على أحد الأطباء المعروفين، وأعطاه علاجات كانت كثيرة في البداية ثم أصبحت أقل لاحقا".

 

حرصت مها -كما تفيد- على إعطاء زوجها وقتا من الراحة والتنزه والبعد عن العمل وهموم الأسرة وعدم متابعة أخبار الحرب، وقد استقر وضعه بعد انتظامه على الأدوية، وعاد إلى حياته السابقة، لكنها كما تؤكد حين تلاحظ تعرضه لضغوط عمل، تسمح له بأخذ بعض العلاج الذي أخبرهم الطبيب بإمكانية استخدامه حين اللزوم.

 

وبحسب مها، ففي بداية علاجه حاول بعض أفراد أسرتها أن يقنعوها بضرورة زيارة شيخ، فربما يكون يعاني من مس شيطاني أو غيره، لكنها رفضت الاستماع لهم خوفا من أن تسوء حالته، وهي تساعد زوجها حاليا بإبعاده عن بعض ضغوط الحياة.

 

وأضافت أن "هناك الكثيرين ممن نعرفهم يقومون بالذهاب إلى المشعوذين بدلا من الأطباء النفسيين، ويصبح وضعهم مأساويا، خاصة حين يتم حصرهم في أفكار كتلك، فيتركون عملهم وغالبا ما يتحولون إلى "مجانين" في الشوارع".

 

واختتمت حديثها بالتشديد على ضرورة تقديم الدعم النفسي من قبل الأهل والمحيطين للمريض النفسي، كونه أبرز وأهم عوامل العلاج.

 

تزايد أعداد المرضى النفسيين

 

تزايدت بشكل لافت خلال الحرب عدد الإصابات في أوساط اليمنيين بالأمراض النفسية المختلفة، من مختلف الفئات، بسبب حالات القتل والإصابة التي تحدث أمامهم، وأصوات القصف التي يسمعونها من وقت لآخر، فضلا عن هموم الحياة المختلفة التي أصبحت صعبة للغاية.

 

ففي دراسة أعدتها مؤسسة التنمية والإرشاد الأسري في اليمن، فإن هناك حوالي 5 ملايين مواطن يعانون اضطرابات نفسية مختلفة.

 

وفي دراسة سابقة صادرة عن منظمة يمن لإغاثة الأطفال، ذكرت أن 58,2% من الأطفال في اليمن الذين شملتهم الدراسة، ينتابهم الخوف الشديد، فيما يعاني 37% من قلق دائم واضطراب نفسي.

 

 وتتحدث منظمة الصحة العالمية أن واحدا من كل خمسة أشخاص، أو 22%، ممن يعيشون في منطقة متأثرة بالنزاع يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة والاضطراب الثنائي القطب أو الفصام، مشيرة إلى أن الاكتئاب والقلق يزدادان مع تقدم العمر في أوضاع الصراع.

 

اليأس من الحياة

 

ونظرا للظروف الصعبة التي يعيشها اليمنيون، خاصة الموظفين منهم، بسبب التدهور الاقتصادي المستمر وانقطاع رواتب الكثير منهم، أو فقدانهم وظائفهم، أقدم العديد منهم على الانتحار، بعد أن وصلوا إلى مرحلة اليأس.

 

وتداول ناشطون في اليمن طوال فترة الحرب صورا لمواطنين قاموا بالانتحار في مختلف المحافظات، وأغلبهم بسبب الفقر الذي أصبحوا يعيشونه وجعلهم يفكرون بشكل يومي في كيفية توفير متطلبات الحياة الأساسية وإلا الموت جوعا.

 

إقبال على المنوم

 

وبسبب عدم قدرة البعض على النوم بسبب الحرب، يذكر علاء محمد عبد الله، وهو صيدلاني، أن الكثيرين من النساء والرجال يطلبون منه حبوب تساعدهم على النوم والاسترخاء دون وصفة طبية.

 

وقال لـ"الموقع بوست": "أرفض ذلك كونهم يصبحون مدمنين عليها، برغم إمكانية حصولهم عليها من أماكن أخرى"، مشيرا إلى أن البعض يعطون المرضى أدوية كتلك حتى وإن كانت عالية المفعول.

 

وتابع: "حين أكون على معرفة بالمريض، يمكن أن أعطيه بعض الأدوية البسيطة التي تساعده على الاسترخاء، ولا تسبب الإدمان له، وبعض الفيتامينات الأخرى".

 

آثار مختلفة

 

ويلاحظ محمد الشرعبي، وهو أخصائي باطنية، أن الكثير من المرضى الذين يزورونه غالبا يكتشف أن وضعهم النفسي السيء هو من سبب لهم أمراضا خاصة المزمنة منها كالسكر والضغط.

 

وأشار في حديثه لـ"الموقع بوست" إلى اضطراره كتابة بعض الأدوية المهدئة لهم، كونه يشاهد المرضى وهم يعانون من توتر شديد.

 

وتسبب الوضع السيئ في اليمن إلى ظهور كثير من الممارسات، كإدمان الشباب على الإنترنت، خاصة مع توقف الدراسة من وقت لآخر بسبب الحرب، والهروب من الواقع أيضا.

 

نصائح

 

ومؤخرا، حذرت الرابطة الألمانية للأطباء النفسيين من أن تعاطي المسكنات والمنومات قد يؤدي على المدى الطويل إلى إدمانها، وأعراض الإدمان تتمثل بالشعور بالعصبية والقلق والاضطراب الداخلي في حال عدم تعاطيها.

 

ولتجنب الوقوع في فخ الإدمان، أوضحت رابطة الأطباء النفسيين أنه لا يجوز تعاطي المسكنات والمنومات لمدة تزيد على ثلاثة أيام متواصلة أو عشرة في الشهر، كما أنه لا يجوز تعاطيها دون استشارة طبيب، خاصة الأنواع المحتوية على المادة الفعالة "ديفينهيدرامين" أو "دوكسيلامين".

 

وتنصح الرابطة الألمانية لأطباء الأعصاب، المرضى الذين يعانون من الإجهاد النفسي الناتج عن الصدمات الحياتية المختلفة، باستئناف الروتين اليومي، والتحدث مع الآخرين حول هذه التجربة، وعدم البقاء وحيدا قدر المستطاع، وممارسة تمارين الاسترخاء والأنشطة الحركية، واللجوء إلى الطبيب في حال استمر وضع المريض بالتدهور وإصابته بالكوابيس.

 

وفي العاشر من أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للصحة النفسية، وهذا العام سلطت وسائل إعلام عديدة الضوء على آثار فيروس كورونا المستجد، بسبب الحجر الصحي، وآثار الجائحة المختلفة، والمخاوف العديدة لدى الناس في مختلف الدول من الإصابة به.


التعليقات