[ ملاك المنازل المدمرة في عدن.. نازحون في عراء الخذلان الحكومي ]
خمس سنوات مرت على تحرير محافظة عدن اليمنية في 21 مايو/أيار 2015 بعد شهرين من حرب طاحنة بين مليشيات الحوثي المتحالفة حينذاك مع قوات الرئيس السابق على عبد الله صالح وقوات الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، خلفت دماراً طال المؤسسات الحكومية ومنشآت البنية التحتية ومئات المساكن المدنية والممتلكات الخاصة والتجارية.
خمس سنوات ومئات الأسر التي دمرت الحرب منازلها، تعيش حالة نزوح قهري داخل المدينة موزعة بين الأقارب ومساكن مستأجرة، تنتظر وعودا لقيادة التحالف العربي والحكومة الشرعية طال انتظارها بإعادة إعمار مساكنهم في ظل غياب أي خطوات عملية تبشر بقرب تنفيذ تلك الوعود.
زرنا المساكن المدمرة والتقينا ببعض أصحابها الذين عبروا عن خيبة أمل مريرة من تجاهل الجميع لمأساتهم الإنسانية.
في مديرية "كريتر" في محافظة عدن التي يوجد فيها قصر معاشيق الرئاسي تقف المواطنة تراز غانم (55 عاماً) على أنقاض المنازل المهدمة وهي تشير إلى منزلها المكون من طابقين قائلة: "استشهدت شقيقتي بشظية قذيفة مخلفة وراءها ثلاثة أطفال، كانت القذائف تنهال على منزلنا من كل اتجاه كغيره من منازل الحي التي صنفت معالم تاريخية أثرية حيث يرجع بناؤها لحقبة الاحتلال البريطاني لعدن".
وأضافت تراز في حديث لـ"الموقع بوست": "لقد دمرت الحرب منازلنا، دمرت التاريخ والآثار، وتقطعت بنا السبل وأصبحنا بلا مأوى، ولم نحصل على أي مساعدة لا من الحكومة ولا من قيادة التحالف، باستثناء منظمة نرويجية دفعت لنا إيجار مساكن مؤقتة".
جعجعة بلا طحين
عمر أحمد على، من سكان حي أكتوبر بمديرية "خور مكسر"، هو الآخر قال إن منزله تعرض لدمار شبه كلي نتيجة الحرب التي شهدها الحي مطلع العام 2015، وبالرغم من مضي خمس سنوات على انتهاء الحرب إلا أنه ما يزال يعيش في سكن استأجره على نفقته الخاصة، ولم يتلقّ أي مساعدة حكومية أو من المنظمات الدولية.
وفي حديثه لـ"الموقع بوست" يشير علي إلى أنه قدم قبل خمس سنوات كل الوثائق الثبوتية التي طلبتها وزارة الأشغال العامة والطرق والتي تؤكد ملكيته للمنزل المدمر، إلا أنه ما يزال منذ ذلك التاريخ ينتظر وفاء الحكومة وقيادة التحالف بوعودهم بإعادة إعمار مساكنهم التي دمرتها الحرب ورمت به وأطفاله إلى قارعة التشرد وتكبد تكاليف استئجار مسكن في ظل ظروف معيشية صعبة.
وفي الشأن ذاته، محمد معتوق من حي القطيع بمديرية "كريتر" يشرح معاناته اليومية منذ أن دمر صاروخ منزله المتواضع قائلاً: "مع اشتداد ضراوة المعارك اضطررنا للهرب بأيادي فارغة وتركنا منازلنا بكل ما فيها، وسكنا معا في إحدى المدارس الحكومية معتمدين على ما قدمته لنا بعض المنظمات من فرش وغذاء وعلى أمل العودة إلى منازلنا، و فور توقف المعارك في مايو/أيار 2015 عدنا لنجد منزلنا مدمرا بالكامل بما فيه من أثاث وملابس".
وأردف: "نزلت لجان مسح حكومية قامت بأخذ بياناتنا وصور لوثائق ملكية المنزل ووعدونا بإعادة إعمار منازلنا وإلى اليوم ونحن مشردون ننتظر وفاء الحكومة وقيادة التحالف بوعودهم التي نسمع لها جعجة ولا نرى طحيناً".
تنصل سعودي وحكومة عاجزة
وعن أسباب عدم وفاء السعودية كقائدة للتحالف العربي بمشروع إعادة الإعمار المعلن عنه منذ سنوات، قال وليد الصراري مدير عام مكتب الأشغال العامة والطرق بمحافظة عدن لـ"الموقع بوست" إن "البرنامج السعودي لإعادة الإعمار في اليمن الذي يشرف عليه سفير المملكة محمد آل جابر يقتصر فقط على إعادة إعمار مشاريع البنية التحتية والمرافق الحكومية، ولا يشمل مساكن المواطنين والمنشآت الخاصة".
وإعادة إعمار مساكن المواطنين المدمرة والمنشآت الخاصة هي مسؤولية الحكومة اليمنية والمانحين وبناء على قرار رئيس مجلس الوزراء السابق د. أحمد عبيد بن دغر رقم (100) بتاريخ 23فبراير/شباط 2017 بإنشاء وحدة تنفيذية مستقلة لحصر المساكن والمنشآت الخاصة المدمرة بهدف البحث عن مصادر تمويل لإعادة إعمارها.
وتمكنت الحكومة من الحصول على منحة مالية من "الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي" التابع لدولة الكويت بمبلغ مليونين ونصف المليون دولار، إلا أن الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها عدن والمحافظات الجنوبية -والكلام ما يزال للصراري- حالت دون تنفيذ ذلك المشروع الذي تقدر تكلفته الإجمالية بمبلغ 40394885 دولاراً.
الخراب بالأرقام
ووفق تقرير أصدرته وزارة الإنشاءات والتخطيط في الحكومة الشرعية، فقد قدر عدد المنازل والمنشآت الحكومية المدمرة في عموم مديريات محافظة عدن على النحو التالي: المنازل المهدمة 510 منازل، منها 134 منزلا في خور مكسر، و208 في دار سعد، و70 في التواهي، و46 في صيرة.
كما صدر قرار من مجلس الوزراء في 23 فبراير 2017 رقم 100بإنشاء وحدة تنفيذية مستقلة، والمنحة المقدمة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والتخطيط والتعاون الدولي المقدر بمبلغ مليونين و500 ألف دولار، وتم التنفيذ في التواهي بحكم الفقر وتم إنزال المناقصة في 5 نوفمبر 2016.
المنشآت الحكومية 32 منشأة، والمساجد 25، المنشآت السياحية 80، الهناجر 32، صالات الأفراح والمؤتمرات 7، وتكلف إعادة إعمارها 40.394.885 دولار.
كلفة الدمار
حين تتجول في شوارع أحياء معاشيق وكريتر والتواهي وأطراف دار سعد من مدينة عدن اليمنية تستقبلك مشاهد الدمار وآثار القصف على واجهات المباني، فأجواء الحرب ما تزال تتسيد المشهد العام للأحياء الفقيرة، فاتورة باهظة دفعها سكان تلك الأحياء، الخسائر قدرت بمليارات الريالات، في ظل ظروف سياسية معقدة حالت دون عودة حكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليا إلى عدن وممارسة مهامها فضلاً عن قيامها بإعادة إعمار ما دمرته الحرب.