[ أم محمد خلال عملها في مدخل أحد أسواق القات بعدن - الموقع بوست ]
ست سنوات أخذت من الثلاثينية أم محمد حلمها ونصف حياتها وحولتها إلى عاملة ليل ونهار في مسيرة لا تنتهي من العناء في سبيل توفير لقمة العيش في أسواق مدينة عدن متنقلة بين سوق كريتر وخور مكسر، فارشة بضاعتها على قطعة من الخشب، وهي منتجات بسيطة لبيعها لأنواع من السجاير والشمة في أسواق القات، لتكسب من ورائها القليل بشرف كبير من عرق الجبين.
تقول أم محمد: "أعمل لإعالة أطفالي الاثنين الأيتام ولتوفير مصروفات بيتي مما أدخره من ربح هذه التجارة البسيطة ".
أعباء الحياة وتقصير الحكومة وسلطة محافظة عدن المحلية دفعت أم محمد للبحث عن لقمة العيش من أجل بقاء أطفالها على قيد الحياة مثل الكثير من مثيلاتها من نساء عدن، حين باتت لقمة العيش في المدينة السمراء صعبة المنال ومعقدة وباهظة الثمن، في ظل ما تشهده العاصمة المؤقتة للبلاد من أحداث خافية ومكشوفة ومخلفات حرب لا زالت حتى اليوم شاهدة على ماضٍ تعيس وحاضر منقسم ومستقبل قاتم.
وتشهد محافظة عدن ارتفاعا وتضاربا في أسعار السلع الغذائية بشكل كبير، مما يزيد من أعباء الحياة على المواطنين في المحافظة، في الوقت الذي توقفت فيه الحكومة عن صرف رواتب الموظفين في عموم المحافظات اليمنية المحررة بشكل عام.
هذا الوضع من المستوى المعيشي المتدهور دفع بأبناء المدينة للخروج بمظاهرات منددة بتقصير الحكومة، وانتهت باقتحام قصر معاشيق، وخرجت الحكومة ببيان يعد بإجراءات جديدة.
يقول الصحفي حسام ردمان في حديثه لـ"الموقع بوست" إن الوضع العام في المناطق المحررة كان يمضي بسرعة جنونية نحو الانهيار، والتي كان من أسبابها الفراغ الحكومي والضعف المؤسساتي، بينما حاليا بعد عودة الحكومة الشرعية إلى ممارسة مهامها من مدينة عدن تراجعت وتيرة الإنهيار بعد إكمال الفراغ الحكومي، بينما الوضع الاقتصادي لم يشهد تحسنا بسبب الضعف المؤسساتي المحلي الذي ما يزال قائما حتى اليوم، حسب ردمان.
انتشار الأسلحة في المدينة
أم محمد هي واحدة من المواطنين العدنيين المتأثرين بضعف السلطة المحلية في السيطرة على الأسواق المحلية التي تشهد كل يوم ارتفاعا ملحوظا في أسعار السلع الغذائية الأساسية، وتعقيد المعيشة فيها، بالاضافة إلى ما يرتكبه المسلحون التابعون للمجلس الانتقالي من تصرفات عنصرية وحزبية وتشويه وجه المدنية التي ارتسمت في عدن منذ زمن بانتشار الأسلحة وتكرار إطلاق النار في الأجواء.
تقول أم محمد إنها انتقلت من عملها في سوق كريتر إلى سوق خور مكسر بسبب مضايقاتها من قبل مسلح من قوات الانتقالي، حتى تركت مكان بيعها السابق لتذهب بعيدا عن مضايقاتها لتحظى بفرصة عمل تدخر من خلالها ما توفر به لقمة عيش لأطفالها الصغار بعد أن توفي زوجها قبل ست سنوات، دون أن يخلف لها ولأولادها مصدر دخل أو راتب حكومي، فتحملت أم محمد من حينها إعالة أطفالها ومصاريف بيتها.
ولم يوقف الدخل البسيط أم محمد عن ممارسة عملها حيث إنها تتجه كل صباح إلى أحد مداخل سوق خور مكسر لبيع منتجاتها التي تشتريها من تاجر جملة بالدين حتى نهاية يومها ثم تعطي التاجر حساب سلعته، وتأخذ هي أرباح ما باعته طوال اليوم، وتكمل عملها في التاسعة مساء، حد تعبيرها.
عائد بسيط
تقول أم محمد وهي جالسة على كرسيها الصغير الذي بنته من الطوب، ووضعت غطاء على رأسها، إنها توفر من عملها مصاريف بيتها وتغطي احتياج الأطفال بالحد الأدنى، وتوفر ألفي ريال يمني في اليوم، أي ما يعادل أقل من ثلاثة دولارات.
وعملت أم محمد في الكثير من المهن حد قولها، حيث عملت في نادي رياضي شبابي في حي كريتر، وعملت في تجارة الخضروات، كما عملت في الكثير من المهن الأخرى.
وخلال أحداث الحرب التي مرت بها عدن تقول أم محمد إنها كانت قد توقفت عن العمل بسبب الحرب والمواجهات، ولكنها اضطرت مرة أخرى لمواصلة عملها تحت أي ظرف حتى لا تكون ضحية الموت جوعا هي وأطفالها، ودفعها ذلك لاستعادة نشاطها في تجارة السجائر في أسواق المدينة رغم شدة المواجهات، وانتشار الرصاص في الأرجاء.
أم محمد تحدثت بلهجتها العدنية التي تستبدل الذال بالدال، والثاء بالتاء، إن العمل كان قبل الحرب جيدا، بينما اليوم لم يعد كذلك، لأن عدن تغيرت، ولم يعد الناس يزورون عدن كما كانوا من قبل، وبذلك العمل تقلص بشكل كبير، "كنت أبيع باليوم خمس عرائس، تحتوي العروسة على 12 باكتا من دخان متنوع و3 كيلوجرامات شمة متنوعة، بينما اليوم أبيع ثلاثة عرائس دخان بالعافية وكيلوجرام شمة واحد فقط، وهذا يعود عليّ بالربح القليل، لأنه كلما بعت الكثير كان ربحي أكثر، لكننا سنواصل العمل رغم كل الظروف التي نعيشها ونكابدها".
وقبل الحرب كانت أم محمد تجني من عملها حوالي ثمانية آلاف ريال إلى عشرة آلاف ريال، حوالي 10 دولارات في اليوم، بينما اليوم تجني ربحا بسيطا لا يكفي لشراء الطعام لأطفالها، ولكنها تتماشى مع الواقع والوضع الصعب.
وتقول أم محمد إن الأوضاع التي تمر بها عدن فرضت على المرأة أن تعمل وتشقى بجهدها كي تعيل أطفالها وبيتها، مشيرة إلى أن تجربتها في الخروج من البيت إلى العمل في السوق تجربة جيدة، وتفضلها على أن تمد المرأة يدها للسؤال من الناس، وأن العمل أشرف لها من ذلك.
اختلاف أهداف الحلفاء
وتشهد مدينة عدن تقاسما للسيطرة في جغرافيتها ويتحكم بأغلبية مناطقها ومداخلها المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، بينما تتمركز القوات الحكومية والقوات المرافقة للحكومة في مناطق محدودة داخل المدينة ومحيط قصر المعاشيق وقلعة صيرة المشرفة على القصر الذي تقيم فيه الحكومة.
ويفسر الصحفي حسام ردمان في حديثه لـ"الموقع بوست" أن المشكلة في عدن ليس مبعثها صراع خفي بين الإمارات والسعودية، وأن الأمر أعقد من ذلك، مشيرا إلى أن المعضلة تكمن في فساد قيادة الشرعية بكل أطرافها، وسياستهم الاستحواذية على السلطة، وكذا ازدواجية المجلس الانتقالي وإصراره على ممارسة المعارضة مع بقائه في السلطة، وكذا ارتباك الوساطة السعودية وعجزها عن الدفع نحو إتمام اتفاق الرياض، وينتج عن كل ذلك التوتر الأمني والتدهور المعيشي، بسبب تضارب الأجندة السياسية بين مختلف فرقاء المعسكر للمناوئ للحوثي، ولا بد من استكمال الحوار السياسي لتعزيز عمل الحكومة وتحسين الأوضاع المعيشية في عدن وباقي المحافظات المحررة، حد قوله.