الحصار وارتفاع الأسعار وكورونا.. غُصص تثقل كاهل اليمنيين في رمضان (تقرير)
- عدن - أكرم ياسين، تعز - أحمد منعم الثلاثاء, 20 أبريل, 2021 - 12:02 صباحاً
الحصار وارتفاع الأسعار وكورونا.. غُصص تثقل كاهل اليمنيين في رمضان (تقرير)

"إنها حرب أخرى تشن على المواطنين البسطاء لا تقل ضراوة عن الحرب المدمرة المستعرة منذ ما يربو على 6 سنوات".. بهذه العبارة الحزينة والمؤلمة لخص أغلب اليمنيين في المناطق المحررة استطلع "الموقع بوست" آراءهم في محافظتي تعز والعاصمة المؤقتة عدن حول ظاهرة الترتفاع الجنوني لأسعار السلع الغذائية خصوصاً مع قدوم شهر رمضان المبارك، حيث يقبل المواطنون على شراء المواد الغذائية التي تتطلبها مائدة الإفطار بصورة كبيرة.

 

يقول حسن عبد الله (50 عاماً) موظف متقاعد صادفناه في حافة "القريشة" مديرية الشيخ عثمان (عدن) جنوبي اليمن إن ارتفاع الأسعار بلغ رقماً قياسياً لدرجة أصبح معها توفير أبسط السلع الأساسية هما يؤرق أرباب الأسر، ومحدودي الدخل، في ظل الانهيار المتسارع لقيمة الريال اليمني وغياب الرقابة الحكومية.

 

حسين الذي يتقاضى 80 ألف ريال راتبا تقاعديا ويعول أسرة مكونة من 6 أفراد، قال إنه رغم كبر سنه اضطر للبحث عن عمل يقيه وأفراد أسرته شبح العوز والمجاعة، فراتبه لا يساوي شيئاً في ظل الغلاء الفاحش لأسعار السلع الأساسية.

 

بدورها أم مهند تقول لـ"الموقع بوست" إنها تخلت عن الكثير من الأشياء الضرورية التي تعودت على شرائها في رمضان بسبب ارتفاع أسعارها الجنوني والتدهور المريع لقيمة العملة اليمنية، واصفة الوضع بالكارثي وحرب غذائية تشن على الشعب بلا هوادة.

 

 

بلغ سعر كيس الدقيق السنابل 50 كيلوجراما 26 ألف ريال في عدن في أول يومين من شهر رمضان الحالي عند إعداد هذا التقرير في 15 أبريل/نيسان الحالي بزيادة بلغت 70% عن شهر رمضان من العام الماضي.

 

حالة السخط والتذمر التي طغت على الشارع العدني نتيجة الارتفاع الخيالي لأسعار السلع الغذائية بالتزامن مع غياب أي أثر لدور رقابي حكومي، دفع بهيئة "الخليج وعدن للتنمية والخدمات الإنسانية" في عدن لإطلاق حملة تبرعات إغاثية لجمع 30 ألف كيس دقيق وفاصوليا كمحاولة لمساعدة الأسرة المهددة بالمجاعة للحصول على احتياجاتها من الغذاء.

 

الحملة بحسب منظميها تهدف لحث رجال الخير للتخفيف من شبح مجاعة يطرق أبواب الآلاف من الأسر الفقيرة في عدن.

 

حصار وغلاء وكورونا

 

في مدينة تعز جنوب غربي اليمن التي تعيش تحت حصار الحرب منذ 6 سنوات يزداد الوضع الإنساني كارثية وقتامة خصوصاً مع تفشي وباء "كوفيدا -19" مسجلاً أعلى نسبة إصابات ووفيات عن باقي مدن اليمن المحررة، ويشكل غلاء أسعار السلع الغذائية جائحة أخرى يتردد صداها في حالة السخط العارمة وأنين البطون الخاوية.

 

ووفقا لما قاله عبد المعين الصبري (48 عاماً) في حديثه لـ"الموقع بوست" فإن الإقبال على شراء المواد الغذائية يزداد من قبل المواطنين مع حلول شهر رمضان من كل عام، لكن هذا العام لوحظ انخفاض كبير في حركة المستهلكين في أسواق المدينة بسبب أسعارها الباهظة حيث وجد أغلب المواطنين أنفسهم عاجزين عن شراء حاجياتهم الأساسية مكتفين بالحد الأدنى من تلك الاحتياجات.

 

وأكد الصبري أن محدودي الدخل والموظفين الحكوميين هم الأكثر تضررا من غلاء الأسعار الجنوني، فمع تدهور سعر العملة لم يعد راتب الموظف الحكومي يفي بتوفير حاجيات أسبوع واحد من السلع الغذائية.

 

وتابع "التمور والسكر والأرز بالإضافة للدقيق والزيت والمشروبات والرواني سلع ضرورية في رمضان ولا تكتمل الفرحة بقدوم الشهر الكريم إلا بها".

 

وأردف الصبري بالقول "لدى عائلة مكونة من  8 أفراد وأتقاضى مبلغ 95 ألف ريال راتباً شهرياً، كنت في الأعوام السابقة اشتري تنكة التمر حجم وسط بـ10 آلاف ريال، هذه السنة بلغ سعرها 23 ألف بزيادة أكثر من 100% فاكتفيت بشراء 5 أكياس تمر (5 كيلوجرامات) بسعر 900 يال للكيس.

 

واستدرك "كل السلع ارتفعت أسعارها للضعف، مثلا السكر 10 كيلوجرامات سعره 8400 ريال بزيادة الضعف عن العام الماضي".

 

واختتم الصبري حديثه بتحميل أطراف الصراع في اليمن مسؤولية المأساة الإنسانية التي يتكبدها الشعب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية قائدة ما يسمى بالتحالف العربي والتي زعمت إعادة الأمل للشعب اليمني، فعن أي أمل يتحدثون والناس يتضورون جوعاً.

 

جشع التجار

 

عبد الله قاسم، تاجر مواد غذائية في مدينة تعز، يرجع ارتفاع الأسعار إلى عدة عوامل منها الانخفاض الكبير لقيمة الريال اليمني أمام الدولار (بلغ سعر الدولار الواحد 870 ريالا في محال الصرافة بمدينة تعز والمناطق المحررة)، وكذلك ارتفاع أسعار المشتقات النفطية الذي بدوره أدى إلى ارتفاع نقل البضائع من المنافذ، بالإضافة إلى تبديد الوديعة السعودية (ملياري دولار) من البنك المركزي في عدن، فيما التجار يحرصون على الربح وغير مستعدين لخسارة ثروتهم تحت أي ظرف.

 

مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة تعز أحمد عبد الكريم المجاهد أرجع الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية إلى حالة الحصار والحرب التي تعيشها تعز منذ أكثر من ست سنوات.

 

في حديثه لـ"الموقع بوست" أشار المجاهد إلى أن تدهور العملة الوطنية وفارق الصرف بين الطبعة القديمة والجديدة بحدود 45% وتكلفة النقل عوامل أثرت تأثيرا بالغا على أسعار السلع، لافتا إلى أن استقرار العملة مهم في الاقتصاد وبدون ذلك فإننا نلهث نحو السراب فالأسعار تتزايد تبعا لتدهور العملة.

 

وعن دور مكتب الصناعة والتجارة الرقابي أوضح "المجاهد " أنه تم تشكيل حاليا تسع لجان ميدانية لمختلف الأنشطة ودورها يتمثل بالآتي: ضبط مخالفات المغالين بالأسعار والمحتكرين وحالات الغش والسلع المقلدة.

 

ولفت إلى أن قضايا المخالفات تحول إلى النيابة الشرقية والغربية بحسب الاختصاص المكاني، مما يؤدي إلى بطء بالبت بقضايا المخالفات.

 

الفوضى والاحتكار

 

الخبير الاقتصادي وديع العبسي يؤكد أن الأسواق تعاني فوضى عارمة واحتكارا من قبل كبار التجار في ظل غياب المنافسة والرقابة الحكومية الرسمية، وأسهم ارتفاع أسعار العملات الأجنبية أمام العملة المحلية إلى تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين ومحدودية دخلهم.

 

وحذر الخبير الاقتصادي في حديثه لـ"الموقع بوست" من إقبال اليمن على مجاعة وشيكة إذا لم يتم تدارك الأمر وإنقاذ الوضع الاقتصادي المنهار.

 

واستبعد العبسي أي إمكانية في المدى القريب لتفادي الكارثة بفعل حالة الحرب والوضع السياسي المعقد ويبقى الأمر في انتظار تدخل دولي لإنقاذ اليمن من مجاعة بدأت مظاهرها واضحة للعيان، حتى التدخل الدولي المأمول ما زال مرهونا بخروج الكارثة عن نطاق السيطرة وتحولها لقضية إنسانية عالمية.

 

وحتى بزوغ هلال الفرج من خلف حجب السياسة والدمار سيظل اليمنيون في عتمة اليأس يلوكون اللعنات للمتسببين بمآسيهم القاتلة، ينهشهم الجوع ويتسولون الجمعيات الخيرية فتاتا لا يشبع بطونهم الخاوية.


التعليقات