أم فريد.. بائعة متجولة تعمل في نهار رمضان لإعالة أسرتها (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ الثلاثاء, 04 مايو, 2021 - 01:05 صباحاً
أم فريد.. بائعة متجولة تعمل في نهار رمضان لإعالة أسرتها (تقرير)

[ أم فريد امرأة يمنية تكافح من أجل إعالة أسرتها ]

على جراح عملياتها الخمس تحمل فوق ظهرها النحيل "قوت" فتياتها العشر، بين أزقة المنازل تسير أكثر من ثلاثة كيلومترات كل يوم مشيا على قدميها بحثا عن لقمة العيش التي تأخذ معها آلاما وإهانات وابتسامات تخرج بها معا من منازل مدينة مأرب.

 

أم فريد (35 عاما) المنحدرة من محافظة ريمة وسط اليمن، بائعة متجولة تعمل نصف نهارها ونصف نهارها الآخر تعمل عاملة بيع بأجر شهري ضئيل في محل تجاري للبخور في مدينة مأرب التي قدمت إليها قبل خمس سنوات نازحة فارة بأسرتها من لهيب الحرب السارية في البلد إلى حضن الأمان الذي دفعت ثمنه بفقر وعوز بعد رخاء وغنى.

 

باتت عمالة النساء في اليمن تتزايد أكثر كلما تزداد معاناة اليمنيين وتطول المعاناة بسبب الحرب، فتحملت المرأة عبئا كبيرا في عملها المنزلي كربة بيت وجلب مصاريف البيت واحتياجات الأسرة بجهد نعومتها وعرق جبينها.

 

في حديثها لـ"الموقع بوست" تقول أم فريد: "أعمل بكل طاقتي لإعالة أسرتي، أنا الوحيدة التي تعتمد عليها الأسرة في توفير احتياجات المنزل والمصاريف وحليب الأطفال، ليس لدينا معيل قادر على العمل ولا أحد يساعدني في توفير مصاريف الأسرة".

 

 

كفاح بجهد كبير وحمل ثقيل تكابده أم فريد ورغم ذلك واجهت واقعها وآمنت بقدرها وواجهته، تقول إنها لن تستطيع التخلي عن أهلها وأطفالها رغم ثقل حملها، "الدنيا تحاج صبر وتحمل وجهاد من أجل لقمة العيش ولا نخرج نمد يدينا للناس".

 

إذا ما توقفت أم فريد يوما عن العمل بسبب مرض طارئ كونها تحمل على جسدها خمس عمليات جراحية ومصابة بأمراض متعددة منها "القولون العصبي" الذي حملته بعد معاناتها مع الفقر والعوز، تضيف أم فريد: "في اليوم التالي أذهب لاستلاف نفقات اليوم الذي مرضت فيه من الجيران أو مديرة العمل في المحل الذي تعمل فيه".

 

لا تكشف أم فريد آلامها وأوجاعها غالبا أمام أطفالها وزوجها المعاق عن الحركة بمرض فشل كلوي أقعده في خيمته كي "لا يتحسروا وأقاوم أتعابي وآلامي وأذهب للعمل والحمد لله".

 

 

تتابع أم فريد وهي تمسح دموعها بالقول: "لن نعيش إلا بكفاح يومي وإلا سنموت جوعا، هذا نصيبنا في هذه الدنيا".

 

عشر بنات أطفال، منهن بنات ابنها الأكبر الذي أخذته الحرب وولد لم يكمل عامه العاشر وزوج مقعد عن الحركة ينتظر لطف ربه، أو يد خير تمد له العون لتسفيره للعلاج في الخارج، تقول أم فريد متمنية سفر زوجها للعلاج في الخارج ليعود متعافيا ليتحمل مسؤولية الأسرة "ولكننا لم نقدر نوفر مصاريف البيت كيف سنوفر مصاريف سفره وعلاجه ولكن أهل الخير كثير والله لا يسد بابا أمام من دعاه ولله الحمد والشكر".

 

وزعت الأم المكلومة وقتها جيدا، فهي تعمل حتى الظهر في منزلها كربة بيت، بينما تذهب لبيع ما صنعته يدها من بخور وعطور وبيع ما صنعته بناتها الصغار من سوارات ملونة في المنازل والحارات حتى العصر الذي تعود فيه إلى العمل في المحل الذي تعمل فيه بائعة بأجر شهري حتى منتصف الليل خلال شهر رمضان، وحتى التاسعة مساء خلال أيام الفطر.

 

دارت على يدي أم فريد الشاحبتين الكثير من الأعمال والمهن حيث عملت في بيع الملابس كبائعة متجولة في المنازل والحارات لمدة أكثر من سنة، وعملت كذلك في توليد النساء وانتشرت سمعتها الطيبة من خلال خبرتها الجيدة في عملية الولادة، لكن هذه المهنة لا توفر لقمة العيش لها وأطفالها وأطفال حفيدها المتوفي,، فهناك من تعطي أم فريد مبلغا بسيطا كأجر توليدها ومنهن من لم تعطها لأسباب مادية، لكن أم فريد لا زالت تعمل حتى الآن في ولادة النساء وهي ليست مهنتها الرئيسية التي تعتمد عليها في توفير نفقات أسرتها، حسب قولها.

 

 

وأتبعت أم فريد لـ"الموقع بوست" قائلة إن عملها كبائعة متجولة في المنازل متعب ومهين فهي تتعرض للكثير من الإهانات من بعض النساء في المنازل، ولكن هناك أيضا منازل ونساء تستقبلها بلطف ورحمة وتعمل على دعمها وتشجيعها من خلال الشراء من أدواتها.

 

قبل الحرب الدائرة في البلد والمستمرة منذ سبع سنوات والتي غيرت من حياة الكثير من المواطنين اليمنين، كانت أم فريد في موطنها الأصلي بمحافظة ريمة تعمل في رعي الاغنام والأبقار والعمل في الزراعة، وتشير إلى أنها كانت في راحة وخير كثير، ولكن الحرب التي أجبرتها على النزوح مع زوجها وأطفالها إلى مأرب قلبت حياتها إلى معاناة مستمرة وحسرات كبيرة دون توقف.

 

تتمنى أم فريد من فاعلي الخير توفير أدوات بخور وعطور لها كي تتوسع في صناعة الكثير منها لتبيعها، فهي لا تمتلك حاليا المال الكافي لشراء متطلبات صناعة البخور، إنما تقوم باستدانة المتطلبات ثم تبيعها ومن بعدها تقوم بسداد الدين، حسب قولها.

 

أم فريد هي واحدة من مئات النساء اللاتي قلبت حياتهن الحرب وحولتهن من ربات بيوت وأياد ناعمة إلى عاملات ينافسن الرجال في ريادة الأعمال وكذا الأيادي العاملة، لكن الأسباب تجتمع تحت سقف العوز والفقر والحاجة وغياب المعيل بسبب وفاته أو تخليه عن أسرته أو إصابته بمرض أقعده عن واجبه، كما حدث لأم فريد التي تحملت مهامها ومهام معيلها وزاحمت الرجال في الأسواق لكسب لقمة عيش كريمة في زمن غير كريم.


التعليقات